الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ما حدود الأثر السياسي والاقتصادي لعقوبات ترامب ضد تركيا؟

ما حدود الأثر السياسي والاقتصادي لعقوبات ترامب ضد تركيا؟

17.10.2019
محمد أبو رزق


الخليج أونلاين
الاربعاء 16/10/2019
كان متخبطاً، ولم يكن له موقف واضح من عملية "نبع السلام" التي أطلقها الجيش التركي، لحماية حدود بلاده شمال شرقي سوريا، حتى فرضت إدارته عقوبات اقتصادية على وزراء أتراك، هكذا كان تعامُل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع خطوة أنقرة العسكرية.
وجاء أعنف ردٍّ من إدارة ترامب على عملية "نبع السلام"، رغم سحب القوات الأمريكية من المناطق التي تستهدفها القوات التركية قبل بدء العملية، حين تم إدراج وزراء الطاقة والدفاع والداخلية والمالية الأتراك على لائحة العقوبات الاقتصادية.
وسبقت قرارَ العقوبات مواقفُ متناقضةٌ من ترامب وإدارته حول العملية التركية، إذ ظهرت مؤشرات أمريكية على تأييد العملية مع الأيام الأولى لها، وكان أبرزها رفض أمريكي لمشروع قرار مجلس الأمن الدولي لإدانة تركيا.
كذلك، أعرب ترامب عن استغرابه من أن هناك من يطالب الولايات المتحدة بحماية أكراد سوريا من الجيش التركي، الذي يشن حملة في الشمال السوري، مجدِّداً تأكيده أن قوات بلاده أتمَّت عملها بقتال تنظيم "الدولة" وهزيمته، وهو ما يعد موقفاً متناقضاً مع خطوة بلاده الاقتصادية الأخيرة ضد تركيا.
وعلى الأرض، اتخذ ترامب موقفاً أعطى مؤشراً على موافقته على العملية التركية، بعد إعلان وزير الدفاع الأمريكي مارك إسبر، يوم الأحد (13 أكتوبر)، أن الرئيس أمر بسحب نحو ألف جندي من شمالي سوريا.
أبعاد اقتصادية
وبعيداً عن مواقف ترامب المؤيدة لعملية "نبع السلام"، فاجأ الرئيسُ الأمريكي الأتراك بجملة من العقوبات الاقتصادية، ووقف المفاوضات التجارية مع أنقرة، في إشارة إلى حالة التخبط التي تعيشها الولايات المتحدة بعد تحرُّك تركيا العسكري.
المختص في الاقتصاد التركي، أحمد مصبّح، يؤكد أنه "لولا الضوء الأخضر من الولايات المتحدة لما أقدمت تركيا على عملية نبع السلام"، معتبراً خطوات ترامب الأخيرة "للاستهلاك الإعلامي".
وعن الإجراء الأمريكي الاقتصادي الأخير ضد المسؤولين الأتراك، يقول مصبّح في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "ترامب لأول مرة يصدر بياناً مكتوباً وليس تغريدات كعادته، حول نيته السماح بفرض عقوبات على مسؤولين أتراك، مع التهديد بتدمير اقتصاد تركيا".
ويضيف: "ترامب متخبط وفي كل ساعة له موقف، وأنا لا أستبعد أن يخرج ويمتدح تركيا بعد ساعات!".
ويصل حجم التبادل التجاري بين الولايات المتحدة وتركيا، وفق مصبح، إلى قرابة 20 مليار دولار، والأضرار الاقتصادية في حالة قطع الشراكة ستطول البلدين.
ويقلل المختص الاقتصادي في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، من جدوى وتأثير العقوبات الأمريكية على الاقتصادي التركي، لكون المجتمع الدولي، والاتحاد الأوروبي بصفة خاصة، له حسابات أخرى مع تركيا.
ويستبعد تسبُّب الخطوة الأمريكية الأخيرة، المتمثلة بفرض عقوبات اقتصادية على وزراء أتراك، ووقف التفاوض التجاري، في تدمير الاقتصاد التركي، "لكونها ليست دولة صغيرة تعتمد على النفط".
ويرى أن الدول الأوروبية الكبرى "ليس من مصلحتها زعزعة الاقتصاد التركي، خاصة أن معظم ديون تركيا لمصلحة البنوك الأوروبية؛ وهو ما يشكل تهديداً على مراكزها المالية".
ويضع مصبح أسباباً لعدم زعزعة الاقتصاد التركي، أبرزها "انحسار التضخم والعجز في الحساب الجاري، ووضوح السياسة النقدية، وانتهاء الاستحقاقات الانتخابية، وهامش تقلُّب العملة (الليرة) أصبح بطيئاً نسبياً".
ويُرجع انخفاض الليرة بعد العملية العسكرية إلى أنه "يأتي بعد أي عمل عسكري تنفذه أي دولة بالعالم، ويأتي في الإطار الطبيعي".
وسجلت الليرة التركية، الثلاثاء (15 أكتوبر)، تحسُّناً في أسعار صرفها أمام الدولار الأمريكي والعملات الأخرى، بعد نظرة قاتمة من المؤسسات الاقتصادية.
هل من بُعد سياسي؟
المحلل السياسي أنور قاسم يستبعد أن تؤثر العقوبات الأمريكية المفروضة على المسؤولين الأتراك، والتي وصفها بـ"المحدودة والمنتقاة"، في سير العمليات العسكرية بمنطقة شرقي نهر الفرات شمالي سوريا.
ويؤكد قاسم في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، أن القيادة التركية لن تتراجع عن استكمال عملية "نبع السلام"، لتطهير حدودها من إرهابيي "بي كا كا/ ي ب ك" و"داعش"، وإنشاء منطقة آمنة لعودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم.
ويضيف: إن "العقوبات على وزارتين وثلاثة وزراء مهمة من الناحية الشكلية، لكن لا تؤثر في الاقتصاد التركي، وليست عاملاً رادعاً للقيادة التركية، التي تعهدت باستكمال العملية، مهما كانت النتائج".
ويوضح أن العملية التركية منذ انطلاقها "كانت بضوء أخضر أمريكي خفي وعلني" على لسان الرئيس ترامب.
ويعتقد أن الصراع بين ترامب و"البنتاغون" حول سحب القوات الأمريكية من هناك كان وراء هذه العقوبات، "وهي لحفظ ماء الوجه وموجَّهة إلى الناخب الأمريكي والداخل أكثر منها إلى الخارج".
وعن جدوى العملية للعالم، يقول: "الجميع مستفيد من نبع السلام، وضمن ذلك الأوروبيون الذين استنكروها في التصريحات فقط، وحتى لو أوقفت بعض دول أوروبا منفردةً تصدير السلاح إلى تركيا مؤقتاً، فلن تتراجع أنقرة".
ويبين المحلل السياسي لـ"الخليج أونلاين"، أن أنقرة "لا تحتاج سلاحاً، فلديها فائض منه، وتستطيع أن تعوّض الفاقد من مخازنها أو من دول أخرى مثل روسيا والصين وغيرهما".
كما أنها تنضوي تحت لواء حلف شمال الأطلسي "الناتو"؛ ومن ثم -بحسب قاسم- فإن دول الحلف عملياً وقانونياً مجبرة على الوقوف معها لا ضدها، كما تنص مواثيق الحلف، "حيث من المعروف أن الأطلسي بحاجة لتركيا، وربما أكثر ما هي بحاجة إليه".
وعن النتائج الإيجابية المرجوَّة من عملية "نبع السلام"، يرى المحلل السياسي أنها تتمثل في وقف عبور المهاجرين إلى أوروبا والغرب، وذلك يعد مصلحة عالمية، وتوفير الحجة القانونية لسحب القوات الأمريكية، التي تشكل عبئاً على إدارة ترامب.