الرئيسة \  مشاركات  \  ما بعد فشل الاستراتيجية الروسية في إدلب

ما بعد فشل الاستراتيجية الروسية في إدلب

12.06.2019
د. محمد عادل شوك




بدأت الأمور تتكشَّف في إدلب، معلنةً فشل الاستراتيجية الروسية، بعد تصعيد عسكري غير مسبوق فيها، قادته روسيا مع حلفائها في الملف السوريّ، دام لنحو شهرين، أسفر عن تشريد نصف مليون تحت أشجار الزيتون و على الحدود التركية، و هدم مئات المنازل، و تدمير البنى التحتية الخدمية، و خسائر زراعية تقدّر بملايين الدولارات.
تلك الاستراتيجية التي بنت عليها روسيا أحلامها في قضم مناطق المعارضة اعتمادًا على خارطة دبيب النمل، و الإطاحة بالحلّ السياسي، بعد فرض الحل العسكري، و جعله الخيار الوحيد على طاولة الحلول المرتقبة في الملف السوريّ.
غير عابئة بتعهداتها إلى الضامن و الشريك التركي في اتفاقات سوتشي، المنبثقة عن مسار أستانا، و ضاربة عرض الحائط بتفاهمات جنيف، أو القرار 2254، الذي كانت شريكة فيهما مع أمريكا و دول الاتحاد الأوربي، و حتى مع الصين، شريكتها في مجلس الأمن.
إلاّ أنّ ما قلب الطاولة، و جعل بوتين يتعثّر، و يغوص على نحو غير مسبوق في مستنقع إدلب، هو إعلان تركيا بعد أكثر من اتصال على مستويات عليا، شملت وزارتي الدفاع، و الاستخبارات، و حتى الرئاسة، هو إحساس تركيا بأن بوتين ماضٍ في الحلّ العسكريّ على حساب الحلّ السياسي، و ذلك بعدما عجز عن الانتقال إلى الحلّ السياسي الذي يريده، المتمحور حول إصلاحات دستورية، و عمليات تجميلية، تبقي العمود الفقري للنظام على حاله.
و جاء ذلك عقب اتصالات بين تركيا و أمريكا عبر الأبواب الخلفية، و بعد تراخٍ في التصعيد نحو إيران، إثر انشغال إسرائيل بمشاكلها الداخلية، عقب حلّ الكنيست نفسه، و عجز نتنياهو عن تشكيل حكومته.
و بعدما ظنّ أنّ انشغال تركيا بموضوع انتخابات الإعادة في بلدية إستنبول، قد يجعلها في وضع لا يعيق مسعاه بجعل ورقة إدلب خالصة له، ليرسم فيها شكل الحلّ الذي يريده دونما منغصات.
غير أنّ الأمور قد سارت على غير ما كان يشتهي، حيث ظهر حجم التنسيق بين الجانبين: التركي و الأمريكي، في آلية إفشال مخططه، فكانت الإشارة الأمريكية واضحة في تدفق السلاح من غير تقييد، ولاسيما مضادات الدروع: التاو، و الكونكورس، اللذين لم تعُد أمريكا تشترط إعادة الفوارغ منهما، لإعطاء دفعة أخرى عوضهما.
و قيام تركيا بحمل هيئة تحرير الشام على السماح لمعارضيها من مقاتلي الجبهة الوطنية، إلى جانب الجيش الوطني بالدخول بآلياتهم و أسلحتهم إلى خطوط الجبهة في ريف حماة الشمالي، و إحداث خرق غير متوقع عبر تنفيذ خطط عسكرية، فاجأت الروس و القوات المهاجمة، و جعلتهم في وضع دفاعي غير مريح، لينتقلوا بعدها إلى الهجوم في خواصر رخوة، و استنزاف الخصم بشكل فاق التوقعات، على مستوى الأفراد و المعدات.
و هو الأمر الذي جعل موسكو غير سعيدة، و غير راضية عن النتائج الهزيلة لهذا التصعيد الذي كانت تعوّل عليه كثيرًا، ما جعل مسار أستانا و تفاهمات سوتشي في موت سريري، بانتظار إعلان وفاته رسميًا، من خلال اقتناع الأطراف الثلاثة الضامنة لها بنفض يدها منه، و العودة إلى مساري جنيف و القرار 2254، و هو أمر لطالما سعى بوتين إلى الإفلات منه؛ كونه يشكّل خطوة في الشروع في حلّ الأزمة السورية، بناء على الرؤية الأمريكية و الأوربية، و ليس على رؤية روسيا و إيران.
إنّ حرص بوتين على جعل تركيا قريبة منه، عبر التعاون الثنائي العسكري، المتمثِّل في صفقة S400، لم يكن ليحمل تركيا على التخلّي عن التنسيق الواضح مع أمريكا في الملف السوريّ، سواء في شرق الفرات أو إدلب، على الرغم من التباينات في الرؤية بينهما؛ و ذلك إدراكًا من صانع القرار التركي أن روسيا تريد فرض رؤيتها في الحلّ، تلاقيًا مع المسعى الإيراني، و ذلك مباينٌ تمامًا للرؤية التركية، الأقرب إلى الرؤية الأمريكية و الأوربية.
و بناء عليه فإنّه من المتوقّع في وقت غير بعيد، أن تقوم روسيا بالسعي إلى طاولة جديدة، تحمل معها أفكارًا، لم تكن ترغب فيها من قبل، تتمثّل بوقف للقتال " دائم، أو شبه دائم "، يؤسس للسير في خطوات الحلّ السياسي المؤجّل.
و هو أمر بدأ المراقبون يرونه من خلال إلحاحها للذهاب إلى مجلس الأمن، بعد أن كانت هي المعرقل حتى لصدور بيان رئاسيّ عنه، لا يحمل أكثر من عبارات التنديد و الشجب لما تفعله هناك.
و ظهور الوزير لافروف يوم الاثنين: 03‏/06‏/الجاري، داعيًا إلى حلّ عاجل للأزمة السورية، في المؤتمر الصحفي المشترك، عقده مع نظيره الكولومبي كارلوس تروهيليو، في العاصمة موسكو.
و هم يرون أيضًا أنّ الأمور ستتجه إلى اجتراح حلول، ربما تغيّر كثيرًا من شكل الخارطة في الملف السوريّ، و ابتداءً من شكلها على المستوى المحليّ في إدلب.