الرئيسة \  مشاركات  \  لو تمكّنت اللغات ، من نقل المشاعر البشرية .. فهل يتغيّر سلوك البشر !؟

لو تمكّنت اللغات ، من نقل المشاعر البشرية .. فهل يتغيّر سلوك البشر !؟

21.03.2019
عبدالله عيسى السلامة




المشاعر البشرية ، لايمكن نقلها ، كما هي ، في أيّة وسيلة ، من وسائل التعبير، أو الاتصال : لايمكن نقلها ، عبر مفردات اللغة ، ولا عبر أيّة وسيلة ، من وسائل التصوير ، أو النحت .. أو غيرها !
 كما لايمكن وصفها ، وصفاً دقيقاً ، كما هي ؛ إنّما يعبَّر عنها ، بطرائق ، تشير إليها ، أو تدلّ عليها ، من حيث القوّة والضعف ، أومن حيث الحرارة والبرودة ، أو من حيث العمق والسطحية !
ففي الكلام العادي ، يقال ، مثلاً : أنا سعيد.. أنا سعيد جدّاً .. أنا حزين .. أنا حزين جدّاً .. كنت مكتئباً ، إلى حدّ كبير.. أنا أشعر بألم شديد .. أنا أحسّ بخوف شديد .. أنا قلق ، إلى حدّ كبير .. وهكذا !
وقد حاول الأدباء والفنانون ، نقل المشاعر الإنسانية ، فما استطاعوا ، أن ينقلوا منها شيئاً ! وكلّ مافعلوه ، هو: التعبير عنها ، بطرائق مختلفة ، دون نقلها ، إلى عقول الناس ، أو قلوبهم ، أو حواسّهم !  
أراد رسّام محترف ، تصوير المشاعر البشرية ، أثناء التعذيب ، فجلب أحد العبيد ، وباشر بتعذيبه ، ورسْمِ ملامح وجهه ، وهو يتعذّب ! فنقل بعض ملامح الوجه ، في أثناء إحساس العبد ، بالتعذيب .. لكنه عجز، عن نقل مشاعرالمعذّب ، كما يحسّ المعذّب ، هو ، بآلام التعذيب !
وبالطبع ، عجز الرسّام ، نفسه ، عن نقل مشاعره ، هو، التي أحسّ بها ، في أثناء عملية التعذيب ، ولم يتحدّث، عن نوعية هذه المشاعر، أيْ : مشاعر الحزن ، أم الفرح ، أم اللذّة .. أم غيرها ! ربّما لأنه غير مهتمّ ، بهذا الموضوع ؛ فموضوعه هو: محاولة نقل مشاعر المعذّب ، فحسب ! بَيدَ أنه ، لو حاول نقل مشاعره ، هو، فسيعجز، كما عجز البشر، على مرّ العصورر !
فالمشاعر والإحساسات ، لا يمكن نقلها ، ألبتّة ، إنّما يحسّ بها الناس ، إحساساً ، كما قال الشاعر:
لا يَعرفُ الشوقَ ، إلاّ مَن يُكابدُهُ    ولا الصَبابَةَ ، إلاّ مَن يُعانيها !
 وهاهنا وصف ، بطرائق مختلفة ، لبعض المشاعر الإنسانية ، المختلفة : 
وصفُ بعض مشاعر الحبّ
قيس بن الملوّح :
كأنّ القلبَ ، ليلةَ قيلَ : يُغدى   بليلى العامريّة ، أو يُراحُ
قطاةٌ ، عَزّها شَـرَكٌ، فباتتْ   تُجاذِبُه ، وقد عَلِقَ الجَناحُ
لها فَرخان، قد تُرِكـا بقَفْـرٍ   وعشّهما  تُصفّقهُ الريـاحُ
ذو الرُمّة :
وإنّي لتَعرونيْ ، لذِكراكِ ، هِزّةٌ    كما انتفضَ العصفورُ ، بَلّلهُ القَطْرُ!
وصفُ الحُمّى / المتنبّي :
وزائرتي كأنّ بها حَياءً    فليسَ تَزورُ ، إلاّ في الظلامِ
بَذَلتُ لها المَطارفَ والحَشـايا   فعافَتها ، وباتت في عظامي
كأنّ الصبحَ يَطردُها ، فتَجريْ    مَدامعُها ، بأربعةٍ ســِجامِ
وصفُ الحزن / الخنساء :
يذكّرني طلوعُ الشمس صَخْراً    وأذكرُه ، لكلّ غُروبِ شَمسِ
ولولا كثرةُ الباكينَ ، حَولـيْ     على إخوانهمْ ، لقَتلتُ نفْسي
وصفُ الخوف / النابغة الذبياني :
فبتّ ، كأنّيْ ساوَرَتنيْ ضَئيلةٌ    مِن الرُقْشِ ، في أنيابها السُمّ ناقعُ
وصف السرور/ شاعر قديم :
هَجمَ السرورُ عليّ ، حتّى إنّه     مِن فَرْطِ ماقد سَرّني ، أبكاني !
وتبقى الأسئلة الهامّة ، مطروحة ، بلا إجابات ، ومنها : 
لو نُقلت مشاعر الناس ، على حقيقتها ، كما يحسّون بها ، وبأيّة وسيلة ، فهل يتغيّر سلوك البشر، بعضهم تجاه بعض !؟
لو نقلت مشاعر المعذَّبين: بأدوات التعذيب ، أو بالحرمان من النوم، أو بالتجويع، أو بالعدوان على الكرامات ،  في السجون .. فهل يتغيّر سلوك معذِّبيهم ، زيادة في القسوة ، أو تخفيفاً منها ؟
ولو نُقلت مشاعر الجلاّدين ، الذين يعذّبون الناس ، في السجون ، وهم يعطفون عليهم ، ويلعنون رؤساءهم ، الذين يأمرونهم بالتعذيب .. لو نُقلت هذه المشاعر، إلى رؤسائهم ، فهل يتغيّر سلوك الرؤساء ، تجاههم ، أو تجاه المعذّبين ؟
ولو نُقلت مشاعر الضحايا، الذين تُكَسّر عظامهم ، أو تبتر أطرافهم ، أو تشوّه أجسادهم: بالتفجيرات الإجرامية، أو بالرصاص ، أو بالصواريخ .. لو نقلت مشاعر هؤلاء ، كما هي ، إلى الناس ، فكيف تكون مشاعر الناس ؟ وكيف تكون مشاعر القتلة ، أنفسهم ؟ وهل يغيّر هذا ، من سلوكهم العدواني : تخفيفاً ، أو تشديداً ؟
كان الجلاّد ، الذي يجلد الفقيه أحمد بن حنبل ، بالسوط ، يحبّ الفقيه ، ويحترمه ! وقد قال له : لقد جُلدتُ بالسوط ، في سبيل الحرام ، أكثر ممّا تجلد ، الآن ، في سبيل الحقّ ، فاصبرّ وتجلّدْ ! فزاد هذا ، من عزيمة الفقيه ! فهل التعبير، عن هذه المشاعر المتعاطفة ، مجرّد التعبيرعنها ، دون إيصال حقيقتها ، إلى الخليفة العبّاسي.. يغيّر، من سلوكه ، تجاه الفقيه ، أو تجاه الجلاّد ؟ وهل نقل المشاعر، ذاتها، يكون له التأثير، ذاته؟