الرئيسة \
تقارير \ لقاء الرياض يعيد رسم الخارطة : انسحاب أميركي واندماج "قسد"
لقاء الرياض يعيد رسم الخارطة : انسحاب أميركي واندماج "قسد"
17.05.2025
المدن
لقاء الرياض يعيد رسم الخارطة : انسحاب أميركي واندماج "قسد"
المدن 15/5/2025
يمثل لقاء الرئيس السوري أحمد الشرع مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، نقطة تحول مفصلية في مسار الأزمة السورية، إذ يفتح اللقاء الباب أمام تحولات سياسية واستراتيجية عميقة، تضع دمشق أمام تحديات جديدة وتمنحها فرصاً لإعادة تموضعها إقليمياً ودولياً. يأتي هذا اللقاء في ظل تصاعد التوترات الإقليمية والدولية، وسط مساعٍ أميركية لإعادة تشكيل خريطة التحالفات في الشرق الأوسط، وتفكيك معسكرات النفوذ التي تعززت خلال سنوات الحرب.
منذ اندلاع الثورة السورية في عام 2011، اتجهت دمشق نحو المعسكر الشرقي بقيادة موسكو وطهران، حيث أصبحت روسيا الداعم العسكري الأكبر للنظام، بينما شكلت إيران حليفاً استراتيجياً في مواجهة العقوبات الغربية. وفي المقابل، تدهورت العلاقات مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، مما أدى إلى عزلة دولية خانقة للنظام. لكن مع صعود أحمد الشرع إلى السلطة، بدأت دمشق في مراجعة تحالفاتها التقليدية، ساعية إلى استعادة قنوات الاتصال مع الغرب، وهو ما تجسد مؤخراً في لقاء الشرع وترمب، الذي قد يعيد رسم ملامح السياسة الخارجية السورية.
السيطرة العسكرية ودمج الفصائل
على الصعيد الداخلي، يسعى الشرع إلى استثمار هذا التقارب الأميركي لتحقيق مكاسب استراتيجية تعزز من سيطرته على كافة الأراضي السورية. وتشير مصادر مطلعة لـ"المدن"، إلى أن القوات الأميركية ستنسحب من سوريا مع بداية أيلول/سبتمبر، لكنها ستحتفظ بقاعدتها العسكرية في معبر التنف على الحدود السورية العراقية، مما يفتح المجال أمام الجيش السوري لفرض سيطرته على المناطق الشمالية والشرقية.
وأكدت المصادر أن اللجان المشكلة لدمج قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في الجيش السوري تواصل أعمالها بشكل مكثف. ويشمل ذلك إدماج المقاتلين ضمن وزارة الدفاع، مع منح قيادات قسد مناصب عسكرية ومدنية رفيعة، بالإضافة إلى تخصيص مقاعد برلمانية للقوى الكردية. تُعتبر هذه الخطوة استراتيجية لتقليص نفوذ الفصائل المسلحة وضمان إعادة هيكلة المؤسسة العسكرية على أسس وطنية.
من جهة أخرى، يُشكل هذا اللقاء دفعة قوية للتيار الدرزي الوطني، لا سيما حركة "رجال الكرامة"، التي حافظت على علاقات متوازنة مع الحكومة السورية، ويغلق الباب أمام الأطراف التي كانت تراهن على الدعم الخارجي، وهو ما انعكس فوراً على الأوضاع في السويداء، حيث بدأت القوى المحلية بإعادة تنظيم صفوفها وفقاً للمعادلات الجديدة.
ويمثل الانفتاح على الغرب فرصة نادرة لتقديم حوافز اقتصادية للمقاتلين السابقين وتشجيعهم على التخلي عن السلاح والاندماج في سوق العمل. وفي هذا السياق، تعمل الحكومة السورية على إعداد برامج اقتصادية تستهدف الفئات المتضررة من الحرب، عبر توفير فرص عمل وإعادة تأهيل البنى التحتية. ومن المتوقع أن تساهم هذه الخطوة في تخفيف العبء عن المؤسسة العسكرية التي تعاني من الترهل الإداري والمالي، وتعزيز منظومة الشفافية والمحاسبة، بما يقطع الطريق على أي تمويل عسكري خارج إطار الدولة.
إعادة صياغة المشهد الدبلوماسي
وعلى الصعيد الدبلوماسي، تسعى الحكومة السورية إلى إعادة صياغة استراتيجيتها الخارجية بدفع سعودي ودعم خليجي، في محاولة لإعادة إحياء العلاقات مع العواصم الغربية وتغيير سفراء سوريا في عدد من الدول الكبرى. وتستهدف هذه التعديلات السلك الدبلوماسي بأكمله، حيث بدأت دمشق بمراجعة ملفات السفراء الحاليين لاختيار شخصيات جديدة تتماشى مع المرحلة المقبلة.
ووفقاً لمصادر دبلوماسية تحدثت لـ"المدن"، يراهن الشرع على إعادة تفعيل التمثيل الدبلوماسي السوري في المنظمات الدولية، لا سيما في الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بهدف تعزيز موقفه كلاعب إقليمي قادر على ضبط الأمن وتحقيق الاستقرار. وتأتي هذه التحركات في إطار إعادة ترتيب التحالفات، ومحاولة جذب الاستثمارات الغربية بهدف تحفيز الاقتصاد المحلي.
دمشق بين الشرق والغرب
كما يمثل اللقاء نقطة انطلاق نحو إعادة تموضع سوريا من المعسكر الشرقي إلى الغربي، وهي خطوة تحمل في طياتها رسائل واضحة إلى موسكو وطهران، مفادها أن دمشق باتت منفتحة على مشاريع التسوية الغربية، وأنها مستعدة لإعادة النظر في تحالفاتها السابقة. هذا التحول في النهج السوري يُعد انقلاباً في المعادلة الإقليمية، إذ ينطوي على احتمال إعادة رسم خرائط النفوذ والتوازنات في الشرق الأوسط، وهو ما قد ينعكس بشكل مباشر على ملفات أمنية استراتيجية مثل خطوط الغاز، والممرات التجارية، والاتفاقيات العسكرية مع الدول الغربية.
غير أن إسرائيل تبدي تحفظاً واضحاً على هذا التقارب الأميركي-السوري، خصوصاً فيما يتعلق بالمناطق الحدودية التي سيطرت عليها بعد سقوط الأسد. وعلى رأس هذه المناطق، تبرز قمة جبل الشيخ، التي تمثل نقطة ارتكاز استراتيجية بامتياز لدمشق. حيث يشكل الجبل الذي يطل على الجولان المحتل، قاعدة رئيسية لرصد التحركات العسكرية الإسرائيلية ويعتبر بوابة حيوية للتواصل بين جنوب سوريا وبيروت.
وترى إسرائيل، التي عززت من وجودها العسكري والاستخباراتي في هذه المنطقة منذ عام 2013، في إعادة بسط سيطرة دمشق على جبل الشيخ تهديداً مباشراً لنفوذها الأمني والاستراتيجي، لا سيما أن المنطقة تحوي بنية تحتية عسكرية متقدمة تشمل محطات رادار ومراكز مراقبة.
ومما يزيد من تعقيد المشهد أن هذه المنطقة تتمتع بأهمية اقتصادية أيضاً، إذ تُعد مصدراً رئيسياً للمياه في جنوب سوريا، إضافة إلى كونها أرضاً زراعية خصبة. وبالتالي، فإن أي تفاهم أميركي-سوري بشأن إعادة هذه المناطق إلى سيطرة دمشق، قد يدفع إسرائيل إلى إعادة تقييم حساباتها الأمنية، لا سيما في ظل إصرار الشرع على التمسك باتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، وهو أمر قد يُعيد النزاع الحدودي إلى الواجهة مجدداً.
يشكل لقاء الشرع وترمب بداية مرحلة جديدة في السياسة السورية، تحمل معها وعوداً بانفتاح اقتصادي وتغييرات دبلوماسية وإعادة هيكلة للمؤسسات العسكرية والأمنية. غير أن تنفيذ هذه الرؤية يتطلب قدرة الحكومة على ضبط الأمن الداخلي، دمج الفصائل المسلحة، وإعادة صياغة العلاقات مع الأطراف الإقليمية والدولية، وهو رهان لا يزال محفوفاً بتحديات كبرى.