الرئيسة \
تقارير \ لا حياة لـ"قسد" والتوائم الثلاثة في سوريا الجديدة
لا حياة لـ"قسد" والتوائم الثلاثة في سوريا الجديدة
15.07.2025
ماجد عزام
لا حياة لـ"قسد" والتوائم الثلاثة في سوريا الجديدة
ماجد عزام
المدن
الاثنين 14/7/2025
بداية، يجب التأكيد أن "قسد" هي الاسم الحركي لقوات الحماية الشعبية التابعة لحزب الاتحاد الجناح السوري لحزب العمال الكردستاني المصنف إرهابياً في تركيا وأوروبا وأميركا. وللمفارقة، كان هذا الاسم الحركي من اختراع المبعوث الأميركي المكلّف محاربة تنظيم "داعش" بيرث ماكغورك، وعليه فإن "قسد" ليست سورية وربما يمكن اعتبارها كذلك مجازاً فقط، ولكنها بالتأكيد ليست ديمقراطية، وهي لا ولم ولن تختصر قضية الأكراد المظلومين زمن نظام البعث وآل الأسد والأنظمة القومجية العربية والذين تصرفوا دوماً بعقلهم الجمعي بصفتهم جزءاً من الأمة الإسلامية، حيث أقر عبد الله أوجلان نفسه بذلك في إعلان حلّ الحزب، وإلقاء السلاح، مع الإقرار باعتبار حزبه نشازاً واستثناء من التآخي التاريخي بين الأتراك والأكراد –والعرب- الذي استمر لألف عام حسب تعبيره الحرفي، بينما كان حزب العمال جملة اعتراضية في تاريخهم -كما البعث وآل الأسد في تاريخ سوريا وتاريخنا- بالضبط أيضاً كما موفق طريف بالنسبة للدروز في سوريا والمنطقة.
تنسيق مع الأسد
إذن، وبعد اندلاع الثورة السورية ويقين نظام بشار الأسد من استحالة هزيمتها، بدأ التفكير في البقاء بالسلطة بأي ثمن، ومع استقدام الغزاة على أرضية القبول بنظامه، خصوصاً إثر تشجيع وتقوية وحتى صناعة تنظيم داعش ضمن معادلة الأسد أو التنظيم للالتفاف على الثورة، أتت الولايات المتحدة في سياق استراتيجية وضعها الرئيس السابق باراك أوباما ولم يغيرها خلفه دونالد ترامب جذرياً في ولايته الأولى، استندت إلى استغلال بقاء نظام الأسد في السلطة، شكلاً على أقل من نصف سوريا، للاحتفاظ بالوجود والتأثير الأميركي في البلاد بعدد قليل ومتواضع من الجنود –آلاف قليلة- بحجة محاربة "داعش" والاعتماد على حزب الاتحاد وجناحه العسكري، قوات الحماية الشعبية "قسد" بمسماها الجديد وفق اختراع ماكغورك على نفس أرضية السياسة الأميركية.
إذن كان اختراع اسم "قسد" للتغطية على كونها جناحاً لتنظيم إرهابي بحسب توصيف واشنطن نفسها. ولإصرار عرّابيها وكونها ذراع أميركية، طلب منها ألا تحارب النظام، وللعلم معظم مناطق سيطرتها -باستثناء كوباني الدعائية لإطلاقها وإعطائها الشرعية– احتلتها من الجيش الحرّ والثوار السوريين بدعم القوى الأجنبية -أميركا في منبج وروسيا في تل رفعت- ودائماً بتنسيق وتفاهم مع نظام بشار الأسد
قدمت مدينة الرقة التي احتلتها "داعش" من الجيش الحر بتسهيل من الأسد ونظامه نموذجاً عن دور "قسد" كذراع بري للأميركان، كما إيران وأذرعها والأسد بالنسبة للجيش الروسي وسياسة الأرض المحروقة في محاربة "داعش"، حيث تصرفت "قسد" كالغزاة والغرباء مع تدمير المدينة عن بكرة أبيها بتغطية الطائرات الأميركية، وارتكاب جرائم حرب موصوفة من قبل الطرفين كما تقول منظمات حقوق الإنسان الأممية المهنية والمصداقة، وهو بالمناسبة نفس ما حصل في مدينة الموصل العراقية حيث عمل الحشد الشعبي المحلي المشغل إيرانياً كذراع بري لأميركا ومظلتها الجوية حسب التعبير الحرفي لمسؤول الفيلق الخاص بالحرس قاسم سليماني.
التوائم الثلاثة
هنا ولفهم المشهد، وحقيقة "قسد" وخلفية تأسيسها، لا بد من التذكير بالاستجواب الشهير في الكونغرس حول سوريا، حيث استجوب النائب ليندسي غراهام-2015- وزير دفاع باراك أوباما أشتون كارتر ورئيس أركانه جوزيف دانفورد كالتلاميذ الذين تصببوا عرقاً إثر العجز عن تبرير اشتراط دعم المعارضة السورية بمحاربة "داعش" فقط لا نظام الأسد، واصفاً ذلك بأنه خدمة للنظام وحلفائه إيران وروسيا، ولن يقبل به الثوار السوريون الأحرار أبداً، وهو ما قبلت به "قسد" وساعد ويساعد في تفسير أو شرح تاريخي للقصة كلها.
وعليه، يمكن الاستنتاج بسهولة إن "قسد" كانت أحد التوائم الثلاثة مع نظام الأسد والوجود الأميركي العسكري في سوريا المفيدة، والغنية بثرواتها الطبيعية-النفط والقمح- شمال شرق البلد. مع التذكير بكيفية وسيرورة ظهور المصطلح نفسه (سوريا المفيدة) للمرة الأولى، من قبل الحشد الشعبي الإعلامي الإيراني الناطق بالعربية بعد خسارة الأسد وتراجعه واستحالة سيطرته على سوريا التاريخية العظمى كلها.
سقوط النظام ونهاية قسد
تغير المشهد جذرياً وتاريخياً مع سقوط بشار الأسد ونظامه -كانون أول ديسمبر الماضي، وتحرير دمشق، ومع سقوطه انهارت الاستراتيجية الأميركية كلها المستندة إلى وجوده ضعيفاً ومعزولاً بحماية إيران وأذرعها الطائفية وروسيا وعلى "قسد" كذراع بري، وبالتالي لم يعد من داع للوجود الأميركي العسكري، وهذا أمر كان ليتم حتى بوجود الإدارة الديموقراطية مخترعة "قسد" وعرابتها.
وببساطة انتهت "قسد" إكلينيكياً بعد سقوط النظام، التي أقامت معه علاقات وأواصر وتعاون بما في ذلك الأمني وتقاسم النفوذ والمربعات والحواجز، كما كان الحال في القامشلي مثلاً. ومع سقوط النظام انهارت كذلك قصة أو ذريعة محاربة "داعش" المتعلقة والمنبثقة عن الوجود الأميركي العسكري وإدارة سجون ومعتقلات التنظيم وأسر مقاتليه وعائلاتهم.
القضية الكردية
مع ذلك لا بد من التركيز دائماً على الكرد، وقضيتهم العادلة وحقوقهم المشروعة بالمواطنة الكاملة في دولة مدنية ديموقراطية لكل مواطنيها، وهي مسألة أخرى لا يمكن اختصارها واختزالها بـ"قسد" التي باتت بسقوط النظام وانكفاء أميركا بدون رئة تتنفس منها، وميتة إكلينيكياً، مع التذكير بحقيقة إن معظم قادتها لا يتحدثون العربية ولا حتى الكردية، وإنما التركية فقط حسب تحقيق شهير لوكالة "أكي" الإيطالية قبل سنوات، كما سمعنا تصريحات مماثلة من زعيم إقليم شمال العراق مسعود برزاني، وحتى من هيثم مناع الذي كان ذات يوم مسؤول الجناح السياسي لها، والذين أجمعوا على أن المجموعة تدار من جبال قنديل شمال العراق، معقل حزب العمال، ومع حل الحزب في تركيا وإلقاء السلاح، لن يستطيعوا التنصل من كونهم ذراعاً محلياً لتنظيم بات من الماضي حيث لم يعد هناك قنديل أصلاً، ومع حتمية إخراج القادة الأجانب من صفوفهم. لابد من أن يتحاور السوريون منهم مع الحكومة المركزية وتجاوز احتكار تمثيل الأكراد بوجود تيار عريض يعارضهم مع التمسك بالحقوق المشروعة لهم كمواطنين سوريين ضمن لا مركزية إدارية، ومع نجاح سوريا الجديدة في إطلاق إعادة الإعمار، والتواصل مع العالم الخارجي، ورفع العقوبات، وعودة الحياة إلى طبيعتها وطي صفحة نظام الأسد، فهذا يعني بالضرورة طيّ صفحة "قسد"، وبالتأكيد لم يعد خيار أمامها وملفها ليس مؤجلاً إلى ما لا نهاية لكنه قد لا يكون مستعجلاً أمام التحديات الهائلة التي تواجهها البلاد.