الرئيسة \  تقارير  \  كيف يمكن لسوريا الاستفادة من تجربة ليبيريا في إعادة الإعمار وبناء السلام؟

كيف يمكن لسوريا الاستفادة من تجربة ليبيريا في إعادة الإعمار وبناء السلام؟

19.06.2025
ربى خدام الجامع



كيف يمكن لسوريا الاستفادة من تجربة ليبيريا في إعادة الإعمار وبناء السلام؟
ربى خدام الجامع
سوريا تي في
الاربعاء 18/6/2025
نشرت مجلة "المراقب الجيوسياسي" (The Geopolitical Monitor) تقريراً تحليلياً سلّط الضوء على إمكانية استفادة سوريا من تجربة ليبيريا في إعادة الإعمار وبناء السلام والمصالحة الوطنية، وذلك في سياق ما بعد الحرب.
وتناول التقرير أوجه التشابه والاختلاف بين التجربتين، مشيراً إلى الدروس التي يمكن لسوريا أن تتعلمها من مسار تعافي ليبيريا بعد الحرب الأهلية التي انتهت عام 2003، مع التركيز على التحديات الاقتصادية، والسياسية، والاجتماعية، ودور الفاعلين الإقليميين والدوليين في إعادة الإعمار.
يعرض موقع تلفزيون سوريا هذه المادة في إطار التغطية الإعلامية للملفات المتعلقة بواقع إعادة إعمار سوريا، مع الإشارة إلى أن ما ورد فيه يعكس رؤية المنصة ومصادرها، ويُقدّم كمادة تحليلية تساعد على فهم طريقة تناول الإعلام الدولي للملف السوري، دون أن يُعد توثيقاً شاملاً لكامل المشهد أو تبنياً لاستنتاجاته.
وفيما يلي ترجمة موقع تلفزيون سوريا لهذه المادة:
تماماً كما شهدت ليبيريا تحديات معقدة وهي تسعى نحو نشر السلام بعد انتهاء آخر حرب أهلية فيها عام 2003، كذلك أصبحت سوريا أمام مسار صعب على طريق نشر السلام والمصالحة، غير أن المثال الناجح الذي تحقق في ليبيريا، والتي أصبحت اليوم دولة ديمقراطية ومستقرة، يكشف بأن هذا المسار ليس بمستحيل، وهنالك دروس كثيرة بوسع سوريا الاستفادة منها في هذا المضمار.
إعادة إعمار سوريا: عملية مكلفة لكنها ليست مستحيلة
في ليبيريا، لعبت البعثة الأممية في ليبيريا وغيرها من العناصر الإقليمية الشريكة دوراً مهماً في عملية إعادة بناء البلد، فقد وصل الناتج القومي الإجمالي لليبيريا في عام 1998 إلى 295 مليون دولار، وذلك قبل اندلاع حربها الأهلية الثانية بعام واحد. ومنذ انتهاء الحرب في عام 2003، حصلت ليبيريا على مساعدات وقروض وإعفاءات من الديون وصلت قيمتها إلى ستة مليارات دولار مجتمعة، أي ما يعادل أضعاف حجم اقتصادها في عام 1998.
وبالمقابل، فإن عملية إعادة بناء سوريا قد تصل كلفتها إلى 400 مليار دولار وذلك بحسب مؤسسة كارنيغي، وهذا الرقم أعلى بكثير من إجمالي المساعدات التي رصدت لليبيريا، حتى مع مراعاة نسبة التضخم التي ظهرت منذ نهاية الحرب الأهلية الليبيرية. وفي هذا السياق، فإن الناتج القومي الإجمالي السوري قد وصل في عام 2010 إلى نحو 60 مليار دولار، وذلك قبل عام واحد من اندلاع الحرب السورية، كما أن خطة مارشال التي تأسس بموجبها صندوق الإنعاش الأوروبي قد رصدت 13 مليار دولار لتعافي أوروبا من آثار الحرب العالمية الثانية (ما يعادل بقيمة الدولار اليوم نحو 150 مليار دولار)، وكل تلك الأرقام تقل عن المبلغ الذي حددته التقديرات لإعادة إعمار سوريا، والذي وصل إلى 400 مليار دولار.
تمهيداً لشراكة محتملة.. وفد تركي يطّلع على واقع صناعة الإسمنت في سوريا
غير أن إعادة إعمار سوريا تتطلب التزاماً كبيراً بتقديم الموارد، ولشرح هذه الفكرة نقول
بإن إجمالي الثروة في العالم يزداد بسرعة أكبر من وتيرة ازدياد التضخم، ولذلك أصبح إجمالي الناتج العالمي أكبر بخمسين ضعفاً مما كان عليه في عام 1960، والذي وصلت قيمته وقتئذ إلى ما يربو عن 100 تريليون دولار بمقاييس اليوم. وبالمقابل، فإن قيمة الدولار الواحد كانت تعادل في عام 1960 نحو أحد عشر ضعفاً من قيمته في عام 2025، أي أن مبلغ 150 مليار دولار بمقاييس اليوم يعبر عن نسبة ضئيلة من ثروة العالم مقارنة بثروته التي وصلت إلى 13 مليار دولار في عام 1960.
هذا وستلعب الدول الإقليمية دوراً مهماً في إعادة إعمار سوريا، فالناتج القومي الإجمالي للدول الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي قد وصل إلى نحو 2.1 تريليون دولار، أما تركيا التي تجاور سوريا فيقل ناتجها القومي الإجمالي عن ذلك، حيث وصلت قيمته إلى 1.1 تريليون دولار، ولكن عندما نجمع الناتج القومي الإجمالي لتلك الدول فسنحصل على قيمة تقارب الناتج القومي الإجمالي للمملكة المتحدة والذي يبلغ 3.4 تريليون دولار، في حين تتمتع كل من ألمانيا واليابان والصين والولايات المتحدة بناتج قومي إجمالي أعلى من ذلك.
وعلى أرض الواقع، فإن المجتمع الدولي إن كانت لديه الرغبة والإرادة، فيمكن عندئذ لمزيج من المساعدات والقروض أن يضع سوريا على مسار التقدم الاقتصادي والاستقرار. والأهم من كل ذلك، ستظهر الحاجة عندئذ لتنصيب حراس أشداء يمارسون سلطاتهم ضد الفساد والابتزاز، وهنا يمكننا أن نتعلم الدرس من ليبيريا التي عانت من مصاعب مزمنة مع الفساد، وتلك المصاعب تعلم المجتمع الدولي دروساً تتعلق بكيفية تجنب الوقوع في تلك المزالق مع الحالة السورية، إذ تشمل الأمثلة على ذلك الشفافية الكاملة بالنسبة لمسؤولي الحكومة والوزارات، وبذل ما يكفي من الجد والاجتهاد فيما يتصل بإدارة الأموال، إلى جانب مشاركة الناس في عملية توزيع المساعدات.
توقف الدعم.. مفوضية اللاجئين في مصر تستبعد سوريين من المساعدات الغذائية والمالية
ومن المرجح للتوترات الجيوسياسية التي أثرت على سوريا أن تؤثر على الأطراف الذين سيدعمون هذا البلد من خلال المساعدات في نهاية المطاف، فسوريا محاطة بقوى إقليمية تدخلت في الحرب ناهيك عن الانقسامات الطائفية الموجودة فيها، وعندما نقارن ليبيريا بها، نجد بأن التجربة الليبيرية مع الحرب الأهلية كانت مباشرة نسبياً وأثارت جدلاً أقل من سوريا على الصعيد الجيوسياسي. لذا فإن المصالح الجيوسياسية المتعارضة ما بين الجهات الفاعلة الإقليمية مثل تركيا ودول الخليج وإيران تعتبر من أهم القضايا التي ستواجهها سوريا في عملية إعادة بنائها بما أن كل هذه الدول قد دخلت في حالة تنافس على النفوذ الإقليمي.
العمل الجاد على صعيد السلام والمصالحة
تعتبر مسألة تشجيع حالة العودة للإندماج على المستوى السياسي والاقتصادي بالنسبة للمقاتلين السابقين مسألة مهمة للغاية، إذ في ليبيريا، وضعت برامج اقتصادية محددة لإعادة دمج عناصر سابقة من فصائل الثوار، وقد حققت تلك البرامج نجاحاً منقطع النظير. كما استطاع هذا البلد وبكل نجاح أن يدمج عناصر الميليشيات ضمن الجيش، ما أوجد قوة متعددة الأعراق ضمن تلك العملية. ثم خضع الجيش نفسه لتدريب مباشر على حقوق الإنسان، كان الهدف منه تحسين العلاقات بين الجيش والشعب. وفي ليبيريا أيضاً، جرى تشجيع الخصوم السياسيين السابقين على المنافسة في اجتماعات المجلس التشريعي، لا من خلال النزاع المسلح، وذلك بعد خوض السباق الانتخابي. وهذه العملية في سوريا لابد أن تكون صعبة وعسيرة، لأنه من غير المضمون أن تقبل جميع الميليشيات بنزع سلاحها أو تسريح عناصرها، ومن المرجح لإصلاح المؤسسة العسكرية القديمة أن يستغرق سنوات من العمل. غير أن عملية الدمج هذه تعتبر ضرورة أساسية لأي عملية انتقال ناجحة بعد النزاع، كما هي الحال في سوريا اليوم.
ثم إن تمكين المجتمعات التي هُمشت بسبب القتال كان من العناصر الأساسية لنجاح عملية إعادة بناء ليبيريا، إذ أسهم العمل الشعبي الجماعي، إلى جانب تمكين النساء، في ترسيخ استقرار النظام السياسي بليبيريا، كما شجع على مشاركة أطياف متنوعة من المجتمع المدني الليبيري. ولهذا يمكن تطبيق العمليات نفسها في سوريا لترسيخ الاستقرار فيها.
يذكر أن ليبيريا شكلت لجنة لتقصي الحقائق والمصالحة، وشجعت على الحوار ضمن إطار العمليات السياسية الرسمية، فتبنت بذلك أساليب الحوار المتبعة في الدول الديمقراطية الغربية، مثل القاعات التي يجتمع فيها سكان المدينة بالسياسيين وتدار فيها نقاشات عامة وغير ذلك. ولهذا، تحتاج سوريا هي الأخرى إلى تبني سبل وطرائق مماثلة من أجل الحوار إن كانت ترغب بحق في أن تصبح دولة تحكم شعبها بطريقة ديمقراطية.
أهمية المسائل المتعلقة بالحكم
لابد من دراسة وافية لطبيعة أي مؤسسة سياسية جديدة، فقد احتفظت ليبيريا بنظامها الرئاسي بعد نهاية الحرب الأهلية فيها، بيد أن ذلك قد لا يكون الشكل الأمثل بالنسبة لسوريا، إذ بعد مرور أكثر من عقد على محاربة الرئيس المستبد المخلوع بشار الأسد، فإن الاحتفاظ بنظام رئاسي متين قد يعتبر عودة لتلك الممارسات السابقة أيام النظام البائد، وفي حال احتكار فئة معينة للسلطة التنفيذية في البلد عبر النظام الرئاسي، فلابد للانقسامات الطائفية أن تشتد عندئذ.
وبالمقابل، فإن فرض نظام برلماني في سوريا قد يضعف الضوابط وحالات التوازن فيها، كما أن الانقسام الطائفي في سوريا قد يصعب مسألة الحكم عبر البرلمان. لذا فإن تبني نظام شبه رئاسي، يجري من خلاله تقاسم السلطة التنفيذية بشكل فاعل، قد يساعد على تشكيل ائتلاف حاكم إلى جانب التفاوض بين مختلف الفرقاء السياسيين. ولكن قد يتمثل الخطر هنا بظهور حالة شلل سياسي في حال كان الرئيس ورئيس الوزراء ينتميان لحزبين مختلفين.
ثمة خيار آخر مطروح على الطاولة اليوم، وهو سوريا الفيدرالية، بيد أن الخطر الكبير هنا يكمن في احتمال ظهور حالة من عدم الاستقرار جراء التحول إلى النظام الفيدرالي، كما أن هذا النظام قد يضعف الوحدة الوطنية لسوريا ويجعلها عرضة للنفوذ الخارجي مستقبلاً. ونظراً لوجود تكتلات عرقية مثل الكرد في شمال شرقي سوريا الذين سعوا منذ أمد بعيد للتمتع باستقلال ذاتي، إلى جانب العلويين الموجودين في الساحل السوري، فإن النظام الفيدرالي قد يصبح ضرورياً لحماية المصالح السياسية لتلك التكتلات إلى جانب ضمان تأييدهم للدولة الجديدة. وبالمقابل، نجد بأن ليبيريا بقيت دولة موحدة على مدى فترة استقلالها الطويلة.
هذا ويتعين على سوريا أيضاً تغيير نظام انتخاب مجلس الشعب، وذلك لأن نظام التكتل الحزبي الحالي يضمن فوز أكبر حزب ضمن الدائرة الانتخابية بجميع المقاعد المتنازع عليها. وهنا لابد من إيلاء اهتمام كبير بالأقليات حتى تدلي بصوتها، وحتى تكون ممثلة بأحزابها. ثم إن تحديد نسب التمثيل في مجلس الشعب يعتبر وسيلة ناجعة لتحقيق ذلك، بيد أن تطبيق نظام التمثيل النسبي، مثله مثل تبني النموذج الفيدرالي، لابد أن تعترضه عقبات طائفية مماثلة، وبصرف النظر على المشكلات الطائفية والأمنية، قد تجد أكثر الدول استقراراً صعوبة في إصلاح دساتيرها ونظمها الانتخابية.
وهنالك أيضاً تحديات تواجهها سوريا اليوم وواجهتها ليبيريا من قبلها ولكن بنسبة أقل، وذلك لأن نسبة النازحين في الداخل السوري وخارج سوريا تفوق نسب من نزحوا من ليبيريا، فقد نزح الآلاف من الليبيريين وقت الحرب، في حين نزح 14 مليون سوري وسورية خلال الحرب، وهذا ما يؤكد مدى تعقيد عملية إعادة دمج المواطنين النازحين، كما تعرضت ليبيريا لتحديات كبيرة في مجال بناء المؤسسات وعمليات بناء الثقة، وهذه التحديات لابد أن تظهر بصورة أشد وأخطر في سوريا.
على الرغم من أن مهمة بناء سوريا الجديدة منوطة بالسوريين أنفسهم، لا يمكن للمرء أن ينكر أهمية التدخلات الدولية الكبيرة ضمن هذا المسار الشاق الذي ينتظر سوريا. ولكن نظراً لوجود إرادة دولية كافية، فإن الأنموذج الليبيري يشير إلى إمكانية عودة السلام والاستقرار لسوريا.