الرئيسة \  واحة اللقاء  \  كيف تحولت سوريا إلى سوريا الأسد

كيف تحولت سوريا إلى سوريا الأسد

12.06.2019
فراس علاوي


حرية برس
الثلاثاء 11/6/2019
في العاشر من شهر حزيران عام 2000، كانت سوريا السياسة تقف على حافة الهاوية، لحظات ومواقف كانت تفصل بين استمرار سوريا الأسد أو عودة سوريا إلى حضنها وعمقها العربي والإقليمي.
في هذا اليوم الذي توفي فيه حافظ الأسد، الدكتاتور الذي تحول في مخيلة البعض إلى نصف إله، كان لا بد لمن قامت على كاهلهم أساسات مزرعة بيت الأسد أن يكملوا ماقاموا به، فعاجلوا بتنصيب الوريث الذي أُعِدَّ على عجل بعد مقتل أخيه، الذي كان يُعد لهذه المهمة وبذلك يكون قد استمر في خط سوريا الأسد والتي اتخذت عنواناً عريضاً لها تمت ترجمته بوضوح فيما بعد “الأسد أو نحرق البلد”.
منذ وصوله إلى السلطة كان الهدف الأول لحافظ الأسد، المعروف بقدرته على حياكة المؤامرات والتوازنات داخل المنظومة العسكرية والسياسية السورية، احتكار السلطة وإمساك زمامها بيده وحده والإبقاء على دائرة مقربة تابعة له تنفذ أفكاره وتوجيهاته من دون أي اعتراض، وفي سبيل ذلك مارس نوعاً من الاصطفاء بدأ بالتخلص من الدائرة المقربة منه التي ساهمت في إيصاله إلى الحكم، ومن ثم مسلسل التجريب الذي أعقب 5 وزارات وتشكيل عدد من الفروع الأمنية حتى ثبّت حكمه بالأشخاص الأكثر ولاءاً له.
إتبع حافظ الأسد خطاً بيانياً متصاعداً لإحكام قبضته على البلاد وتحويلها إلى مؤسسة تحمل اسمه، ومزرعة يسيطر عليها وتدر عليه المكاسب السياسية والاقتصادية، لذلك لجأ إلى إجراءات لإقناع الشعب بداية ومن ثم للسيطرة عليه بعد ذلك.
بداية كان لا بد من إظهار حافظ الأسد وكأنه القائد المخلص الذي ظهر من بين الجماهير لإحياء الأمة وإشعال جذوة النضال، ولم يكن إيجاد عدو خارجي بالأمر الصعب؛ فالوجود الإسرائيلي في الجولان وفلسطين هو استثمار كبير في مشاعر الجماهير، وهو في الوقت ذاته محو لصورة هزيمة حزيران الملتصقة به، فخاض حرباً عبثية ضده في تشرين 1973.
ولتمكين حكمه كان لا بد من إحكام قبضته على البلد أمنياً؛ لذلك كان لا بد من إختراع عدو داخلي يكون الذريعة وحصان طروادة للوصول إلى القبضة الأمنية، فكانت أحداث حماة وما تلاها من سلسلة اعتقالات طالت جميع مناوئي نظامه مهما كانت صفاتهم السياسية والاجتماعية بذريعة الانتماء إلى جماعة الإخوان، وهو ما يفسر وجود الماركسيين واليساريين بمختلف انتماءاتهم وحتى المعارضين من أديان أخرى بذريعة أنهم من المخربين الإسلاميين.
المرحلة التي تلت تمكين الحل الأمني والسيطرة المطلقة على البلاد كانت بالتحول من زعيم ومنقذ إلى نصف إله يحارب الشر مهما كان قريباً منه، فكانت خطوته بإبعاد أخيه رفعت الطامع بالحكم والوجه القبيح لشكل الحكم فترة السبعينات ليظهر حافظ الاسد مجدداً ناصع البياض فارغ الخطايا ولتبدأ مرحلة تحويل سوريا إلى جمهوية ملكية كل مافيها ملك لحافظ الاسد وعائلته وهي مرحلة الأسدية أو سوريا الأسد.
حيث تحول النفط المكتشف حديثاً ليده الأمينة وبدأت آثار تغيير اقتصادي يصب في خدمة العائلة لتتضخم أملاك العائلة وتبدأ ملامح الثراء تظهر وتمتلئ البنوك بحسابات أبنائها، في وقت كان يعيش فيه المواطن السوري حالة من الحصار الاقتصادي جعلت الحصول على لقمة الخبز معركة بحد ذاتها تلهيه عن ممارسات السلطة وتوسعها وإحكام قبضتها على البلاد.
استخدم حافظ الأسد الإعلام بصورة جيدة مدعوماً برجال دين استخلصهم بعد أن ضرب التيارات الدينية ببعضها، ما جعلها تفقد قدرتها على التأثير في المجتمع وهو ما فعله في البنية الاجتماعية السورية حين اخترقها وأدار الصراعات بينها ليبقي على شخصيات هامشية تدين بالولاء له وتتمسك ببقائه من أجل بقاء مصالحها وامتيازاتها، سواء المشيخة الدينية أو المشيخة العشائرية ووجهاء الأسر الكبرى والشخصيات البرجوازية التي قضى عليها وقضم الطبقة الوسطى ليمسك بمقدرات البلاد مع دائرة تدين بالولاء له وتنتهي خيوط سلطتها في يده، فيما تحول باقي المجتمع إلى باحث عن لقمة العيش بعيداً عن أي تجاذبات سياسية.
ولإكمال صورة نصف الإله كان لابد من أساطير يبثها الإعلام الموالي وكلمات كبرى وجمل غير مفهومة انتزعت من سياقها لتصبح “عناوين مرحلة”، امتازت بتعبئة الشعب في منظمات تبدأ من مرحلة الطفولة ولا تنتهي حتى الموت؛ جميعها تصب في أدلجة المجتمع وفكرة القائد الخالد الذي صنعته آلته الإعلامية، ولتثبيتها كان لا بد من أن يظهر القائد الخالد في جميع الأمكنة ليبقى ساكناً ذاكرتهم، فانتشرت تماثيله وصوره في كل مكان وأطلق اسمه على كل ما يمكن تسميته ليقترن بكل شيء في وطنهم؛ فلعلاج أمراضهم يزورون مشفى الأسد ولتنمية أفكارهم لا بد من مكتبة الأسد ومَعارض الاسد، ولعبادتهم لا بد من معاهد ومساجد الأسد وشوارع وأكشاك وملاعب الأسد، حتى ارتبط اسمه بكل زاوية وتفصيل في الوطن.
ولتمكين السيطرة ومع إحساس حافظ الاسد بأنه يحتاج إلى من يرث هذه التركة، كان لا بد من إعداد وريث قادر على إكمال مابدأه فكان إعداد “الباسل” الذي سرعان ماظهر اسمه إلى جانب اسم العائلة لتتحول بعض الأمكنة إلى ماركة مسجلة باسمه، حيث حاولت أجهزة إعلام السلطة تصويره على أنه الملاك الحارس لمنجزات الأب، لكن هذا الملاك سرعان ماتهاوى في غمرة الصراع على مكتسبات السلطة، ما اقتضى إيجاد بديل جديد لم يكن يملك قدرة سابقيه على الحفاظ على مكتسبات العائلة، فتحول إلى نيرون بدأ بإحراق البلد ليصل إلى أصابعه ويدمر المزرعة التي طالما تبجحت أسرته بامتلاكها، محققاً شعارها الذي وضعته نصب أعينها: “الأسد أو نحرق البلد”!