الرئيسة \  تقارير  \  "قسد" والحلّ في الجزيرة السورية

"قسد" والحلّ في الجزيرة السورية

21.09.2025
بشير البكر



"قسد" والحلّ في الجزيرة السورية
بشير البكر
العربي الجديد
السبت 20/9/2025
ليس أمام الحكومة السورية من سبيل في الوقت الراهن سوى التفاوض مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد). عليها استنفاد هذا الخيار حتّى النهاية، واستبعاد اللجوء إلى المواجهة العسكرية التي يدفع إليها الجناح الذي ينفّذ سياسات حزب العمّال الكردستاني في سورية، وهو مكوّن في أغلبيته من الأكراد الأتراك، الذين اختاروا أن يصفوا حساباتهم مع الدولة التركية، انطلاقاً من الأراضي السورية، ولا صلة تربطهم بمنطقة الجزيرة السورية، التي سلّمهم إياها النظام السابق، منذ الأعوام الأولى للثورة السورية. وهم يستغلون مواردها، ولم يقوموا بأيّ عملية تنمية، وفوق ذلك يقمعون أهلها من عربٍ وكرد، ويخضعونهم بقوة السلاح.
ليس بالحرب وحدها يمكن تسوية الخلافات السياسية، والنزاعات على الأرض والموارد، بل هي آخر الخيارات وأكثرها سوءاً. وفي حال الجزيرة السورية، من الأفضل إبعاد هذه الكأس المرّة، وبدلاً من تعميق الشروخ بين العرب والأكراد، من الأفضل إصلاح ما أفسده النظام السابق و"قسد"، والعمل على تطوير المشتركات، وإيجاد فرص حقيقية لتلاقي كل الأطراف المتضرّرة من تجربتَي حزب البعث و"قسد"، اللتين فشلتا في بناء تجربة تمتلك عناصر الديمومة. المطلوب اليوم انتهاج سياسية على المستوى الرسمي، تضع في الحساب حل المسألة الكردية داخل البيت السوري، في إطار الدستور، وعلى أساس المواطنة المتساوية، والاعتراف بخصوصية الكرد، بما ينهي الغُبن الذي لحق بالكرد من جرّاء سياسات الحكومات السابقة.
توافق "قسد" على اندماج هياكلها الإدارية والعسكرية في الدولة السورية، حسب ما جاء في اتفاق 10 مارس/ آذار الماضي بين الرئيس أحمد الشرع، وقائدها مظلوم عبدي، ولكنّها تريد لذلك أن يجري حسب الطريقة التي تناسبها، أي أن تحافظ "قسد" على هيكليتها البنيوية كما هي، وترفض بذلك أن تحلّ نفسها، لتبقى تشكل بذلك دويلة صغيرة داخل الدولة السورية. وتتحجج بعدم توفّر شروط الاندماج التام، وأولها الثقة بالدولة السورية، وتخشى أن تخسر أوراقها، إذا سلمت سلاحها للدولة. وهذه مسألة من السهل حلها بوجود الضامن الأميركي، الذي شجع الطرفين على الاتفاق ورعاه، ويواصل حثهما على تنفيذه.
كل ما طرحته "قسد" بعد 10 مارس، وما طالبت به، يصبّ في خانة كسب الوقت، وهي تراهن على فشل السلطة الجديدة في إدارة الوضع، ولذلك تنسق علانية مع أطراف في السويداء والساحل لا تخفي مطالبتها بالانفصال، وهذا ما عبر عنه الشيخ حكمت الهجري بصراحة. وما تطمح إليه في أسوأ الأحوال الحصول على حكم لا مركزي حسب مفهومها، الذي يُبقي على وجود الدولة السورية في منطقة الجزيرة شكلياً، ويصادر منها سلطة القرار في القضايا الأساسية، وخصوصاً الأمن وإدارة الثروات، وهذا أمرٌ لن تقبل به الدولة السورية الحالية، التي ردّدت في أكثر من مناسبة أنها لن تتنازل عن السيادة في أي جزء من سورية.
الحل الأمثل للجزيرة السورية هو بعزل "قسد"، ما لا يتم إلّا بإعطاء أبناء المنطقة حق قول كلمتهم في ما يتعلق بمصيرهم، وأن يتقدّم الكرد على العرب في ذلك، لأن الأغلبية الكردية السورية ترفض تقديم "قسد" لنفسها ناطقاً باسمها وممثلاً لها، وهم يطرحون الفصل بين حل المسألة الكردية في سورية، وحل الخلاف مع "قسد"، التي يعدّونها فصيلاً عسكرياً أنتجته التطوّرات التي شهدتها سورية خلال فترة الثورة. وبالتالي؛ يجب تسوية وضعها ضمن هذا الإطار، بينما تتطلب المسألة الكردية مقاربة مختلفة كلياً، ضمن الإطار الدستوري. وفي وسع واشنطن أن تلعب دوراً أساسياً في التوصل الى حل نهائي، من خلال الضغط على "قسد" التي شكّلتها وسلّحتها وموّلتها لمحاربة الإرهاب، وليس لبناء كيان داخل الدولة السورية.