الرئيسة \
تقارير \ غير بيدرسون.. من إدارة الأزمة في سورية إلى الاستقالة
غير بيدرسون.. من إدارة الأزمة في سورية إلى الاستقالة
21.09.2025
عبدالله البشير
غير بيدرسون.. من إدارة الأزمة في سورية إلى الاستقالة
عبد الله البشير
العربي الجديد
السبت 20/9/2025
بعد ست سنوات ونصف سنة قضاها غير بيدرسون مبعوثاً أممياً خاصاً إلى سورية، أعلن، أمس الخميس، استقالته من منصبه، تاركاً وراءه مقاربة "خطوة بخطوة" التي اعتمدها بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية، والتي انتهت عملياً مع سقوط نظام الأسد. وقد أعادت استقالته إلى الواجهة طبيعة دوره في إدارة الملف بين أطراف الصراع لسنوات، والتي يبدو أنها صبت في مصلحة نظام الأسد.
وقال بيدرسون في اجتماع لمجلس الأمن حول سورية: "أود أن أبلغ المجلس بأنني أطلعت الأمين العام (أنطونيو غوتيريس) على نيتي التنحي بعد أكثر من ست سنوات ونصف السنة في منصب مبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى سورية، وقد وافق على طلبي"، موضحاً أنه اتخذ قراره "لأسباب شخصية". وبعد فشل مقاربة المبعوث الأممي الأسبق إلى سورية ستيفان دي ميستورا القائمة على مبدأ "السلال"، ووصولها إلى طريق مسدود بسبب عدم تجاوب النظام وحلفائه، خصوصاً روسيا، واستقالته، تم تعيين غير بيدرسون، في 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، كما يذكّر الباحث السياسي محمد المصطفى في حديث لـ"العربي الجديد".
من "السلال" إلى "خطوة مقابل خطوة"
طرح بيدرسون فكرة مقاربة جديدة وهي "خطوة مقابل خطوة". ويرى المصطفى أن هذه المقاربة في جوهرها "محاولة لإعادة تعويم نظام الأسد، مقابل تقديمه بعض التنازلات في ملفات معينة تمس المعتقلين واللاجئين، لكنها في الحقيقة صبت في مصلحة النظام بشكل خطير، إذ أعادت إليه الشرعية على الأقل على المستوى العربي، وأعادته إلى الجامعة العربية، كما فتحت بعض الدول العربية سفاراتها في سورية، وتبع ذلك محاولات استبدال ملف إسقاط النظام بملف إصلاح النظام لنفسه".
ويقول المصطفى إنّ "هذه أخطر نظرية طرحها بيدرسون، لكنها فشلت أيضاً لأسباب موضوعية متعلقة بالسوريين المتضررين من النظام، وعدم تجاوبهم، سواء على مستوى الائتلاف، أو القوى الثورية، أو الفصائل والمكونات العسكرية، التي أفشلت هذا المسار وأعادت طرح قضية إسقاط النظام". وكان بيدرسون مقتنعاً، أو يعتقد أن النظام انتصر، كما يشير المصطفى، واستعاد الشرعية على المستوى العربي بالحد الأدنى. أما الشرعية الدولية، فقد بقيت قائمة عبر الأمم المتحدة. وكان يطالب قوى الثورة والمعارضة بالتحلي بالواقعية، أي القبول باستمرار النظام، مقابل بعض الإصلاحات المرتبطة بقضايا إنسانية سطحية، بعيدة عن الملفات السياسية العميقة، وعن المحاسبة، أو إعادة هيكلة النظام بشكل جذري، بل مجرد تغييرات شكلية أو سطحية ضمن النظام، مع إشراك بعض القوى المعارضة في شكليات الحكم.
ويرى المصطفى أن القضيتين اللتين حاول بيدرسون دفع النظام للتفاوض حولهما بشكل أساسي هما: الإفراج عن جزء من المعتقلين المتبقين في السجون، وعودة اللاجئين بطريقة آمنة من دون التعرض لهم. ومن ثم "كان دور بيدرسون خطيراً جداً، يقوم على محاولة تعويم النظام وإبقائه بمؤسساته، وطرح إصلاحات شكلية ضمن هذا النظام، مع الضغط على قوى الثورة والمعارضة للقبول بذلك تحت شعار "الواقعية السياسية""، بحسب المصطفى.
ويمكن تلخيص الأمر، وفق المصطفى، بأن بيدرسون كان دوره قائماً على الضغط على قوى الثورة والمعارضة للقبول ببقاء النظام، مقابل إصلاحات شكلية لا تمس جوهره، ولا تؤدي إلى تغيير حقيقي في بنيته؛ أي إنّ بيدرسون كان حريصاً على إدارة الأزمة، لا على حلها. ويقول: "لم يكن بيدرسون يبحث عن حلول، ولم يكن يضغط على النظام، بل انحصر عمله في القضايا الإنسانية المعروفة التي لا تؤثر على جوهر النظام، أو على استمراريته، مثل ملف المعتقلين، أو عودة اللاجئين بضمانات معينة، مع بعض التعديلات البسيطة التي تخدم مطالب خارجية (مثل ملف الكبتاغون والتجارة غير الشرعية) أكثر مما تلبي المطالب الجوهرية للثورة".
ما وراء استقالة بيدرسون
من جانبه، يوضح باحث في المركز السوري للدراسات رياض الحسن، لـ"العربي الجديد"، أنّ من المهم التطرق إلى أسباب استقالة بيدرسون، مشيراً إلى أنه منذ أن سقط النظام السوري، في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، بدأت في الأمم المتحدة مراجعات حول مستقبل القرار 2254، ومستقبل الوجود الأممي في سورية. وكانت هناك ثلاثة اتجاهات؛ الأول، إرسال بعثة أممية كاملة إلى سورية للإشراف على عملية الانتقال السياسي؛ الثاني، إرسال مبعوث خاص للأمم المتحدة عوضاً عن المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، وهناك فرق بينهما، فالمبعوث الخاص للأمم المتحدة تكون له مسؤوليات ومهمات أوسع غير مرتبطة بالحكومة السورية أو بإذنها بشكل مباشر؛ أما الاتجاه الثالث فكان نحو إصدار قرار جديد بديل عن القرار 2254.
ويتابع الحسن أنه في سبيل الوصول إلى ذلك، أرسل الأمين العام وكيلته للشؤون السياسية وبناء السلام روز ماري ديكارلو إلى دمشق في إبريل/ نيسان الماضي، وقدّمت تقريرها للأمين العام حول مستقبل وجود الأمم المتحدة في سورية، وهذا التقرير قُدّم لأعضاء مجلس الأمن في يونيو/ حزيران الماضي وكان قيد التداول بينهم، ويبدو أنه لم يحصل اتفاق حول قضية وجود الأمم المتحدة في سورية، بسبب التجاذبات القائمة بين روسيا والصين من جانب، وبين الدول الغربية الثلاث الدائمة العضوية، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا من جانب آخر.
ويضيف الحسن: "لذلك تم التوجه فقط نحو اتخاذ خطوة لنقل مكتب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة من جنيف إلى دمشق"، مردفاً بالقول: "يبدو أن هذه الخطوة ارتبطت بعدة أسباب؛ أولها قد يكون التقدم الذي حصل في قضية الانتقال السياسي في سورية، ونجاح الحكم الجديد في تشكيل حكومة وإعلان دستوري، والذهاب نحو انتخابات لمجلس الشعب، فلم تعد هناك حاجة كبيرة للحديث عن عملية الانتقال السياسي وفق القرار 2254". ويتابع: "هناك سبب آخر قريب، قد يكون مرتبطاً أيضاً بخطة اتفاق السويداء، حيث لم تعد هناك حاجة للدخول المباشر للأمم المتحدة بين المكونات السورية، واعتُبر ذلك نوعاً من الشأن الداخلي الذي لدى الحكومة السورية القدرة على التعامل معه".
ويقول الحسن: "وعليه يُعتبر هذا القرار الحدّ الأعلى من التوافق الذي تم داخل المجلس بين الدول الأعضاء، فالأمم المتحدة ليست لها قرارات مستقلة بذاتها، وإنما تنفذ الاتجاهات السياسية للدول الأعضاء، خصوصاً الدول الخمس دائمة العضوية". أما الاتجاه الأخير الذي ظهر على الساحة، فهو أنه سيكون هناك نقل لمكتب المبعوث، وفق ما يشير إليه الحسن، ومن المحتمل أن يكون هذا هو السبب المباشر لتنحي المبعوث عن مهمته، إذ لم يكن مناسباً له الانتقال والإقامة الدائمة في دمشق، وقد يكون هناك اعتراض من داخل إدارة الأمم المتحدة على مثل هذا القرار، الذي يحدّ من قدرتها على الإشراف على الانتقال السياسي في سورية. فقد كانت هناك خطة عمل انتقالية سابقة تتضمن 12 مجالاً لإشراف الأمم المتحدة على الانتقال السياسي في سورية، مثل قضايا الانتقال السياسي، وتشكيل هيكلية الدولة، والقضاء، والإعلام، والجيش، والإصلاح الأمني، والتعليم، وباقي القطاعات الخدمية، وكانت الأمم المتحدة تقدم فيها خبرة واسعة للحكومة السورية.
ويردف الحسن: "نحن أمام دور قادم للأمم المتحدة سيكون رمزياً لا أكثر في الأيام المقبلة، عبر نقل مكتب المبعوث فقط إلى دمشق، مع احتمال صدور قرار جديد بديل عن القرار 2254، ينسجم مع الواقع السياسي الجديد القائم في البلاد، وهو ما يعني أولاً إزالة قضية هيئة الحكم الانتقالي من القرار السابق، واستبدالها بقضايا أخرى مثل قضايا المكونات، والإصلاح الأمني والعسكري، وإصلاح القطاعات الأخرى". ويبيّن الحسن أنه "لا يمكن القول إن بيدرسون كان منحازاً، إنما كان ينفذ مهمة في سورية، وكان ميالاً للتوجه الغربي بعيداً عن التوجهات الروسية، وعمله كان السعي لإيجاد حل، وليس الانحياز لطرف، أو خلق تحفظات حوله".
وكان بيدرسون قد بدأ مهامه في سورية، في يناير/ كانون الثاني من عام 2019 وسيطاً دولياً لحل النزاع في سورية، بعد سبع سنوات، وفشل ثلاثة مبعوثين قبله. وسبقه الدبلوماسي الإيطالي ستيفان دي ميستورا الذي فشل في آخر مهامه، وهي إعداد لجنة دستورية توافقية بين النظام والمعارضة والمجتمع المدني، من أجل صياغة دستور جديد للبلاد. وغير بيدرسون دبلوماسي نرويجي من مواليد أوسلو عام 1955، شغل منصب سفير النرويج في الصين، كما عمل ممثلاً للنرويج لدى الأمم المتحدة، ومبعوثاً أممياً إلى لبنان. وبعد سقوط نظام الأسد، وفي أول زيارة له إلى سورية، ذكّر بيدرسون بالقرار الأممي 2254 الذي روَّجه باعتباره مساراً للحل أيضاً في البلاد بعد سقوط نظام الأسد، منتقداً انتهاء فعالية القرار عملياً، مع سقوط النظام.