الرئيسة \  مواقف  \  صفحات من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين -١

صفحات من تاريخ جماعة الإخوان المسلمين -١

25.08.2018
زهير سالم




الدعوة إلى الانتماء ... لم ندع إلى رحلة مدرسية ولا إلى نزهة ولا إلى ترف لتمضية الفراغ ..
أعود بكم إلى سنة ١٩٦٤ . وكان كل شيء في سورية قد بدأ يتضح . وخلا الجو للبعثيين بعد أن نحسر دور الناصريين المشاركون في انقلاب الثامن من آذار . واتضح الوجه الطائفي للبعث أكثر لأصحاب البوصلة الوطنية الدقيقة . ربما تأخر كثيرا رجل مثل منيف الرزاز أمين عام الحزب الثاني ليكتشف أن حزبه هو حزب للطوائف ؛ فقد سبق السوريون عموما إلى اكتشاف هذا وعبر عنهم شيخهم وعالمهم الشيخ حسن حبنكة الميداني في تحميدته المؤرخة الشهيرة التي عبرت عن الضمير الجمعي للسواد العام للسوريين .
كانت جماعة الإخوان المسلمين قد حلت نفسها عمليا في عهد الوحدة وفاء لالتزاماتها وحرصا منها على نجاح تجربتها .
في مرحلة الانفصال ، والتي يجب أن نعيد تسميتها بمرحلة عودة الشرعية الدستورية الديمقراطية، ورغم حضور الجماعة القوي في المشهد السياسي في تلك المرحلة ؛ إلا أن هذا الحضور لم يكن يعتمد على قواعد شعبية منظمة ؛ بل على حالة شعبية معومة ، ورموز تاريخيين ملهمِين وأقوياء لهم حضورهم ودورهم وأثرهم . وبعودة الدكتاتورية بوجهها الطائفي البغيض ، وبإلغاء كل منابر التعبير الديني والمدني، واحتكار كل أدوات التعبير ، وارتفاع وتيرة حمى الشعارات الايدلولوجية المحمومة كان لا بد من التفكير بطريقة أخرى للحضور : وتمثيل المشروع الإسلامي في صيغة معاصرة ومن هنا كان ما أطلقت عليه من قبل " مرحلة التأسيس الثاني " والتي تمثلت في الدعوة إلى إعادة تأسيس جماعة الإخوان المسلمين في إطار تنظيم هرمي منضبط على القواعد العلمية بأهداف ووسائل محددة . كان التنظيم وطنيا سوريا خالصا ، لم تكن فكرة التنظيم العام قد رأت النور بعد ؛ ولكن التفكير بالوحدة الإسلامية كان يشعل القلوب ويشغل العقول ، ولحماية هذا الجسم الوليد من عسف الاستبداد وبطشه ؛ كان لا بد من التظليل عليه بنوع من السرية نعود إلى الحديث عن حدودها وأبعادها في صفحة قادمة .
 وقبل أن أنتقل إلى الحديث المباشر عن دوافع شاب مثلي للانتماء إلى الجماعة ، غير القناعة الشرعية الموجهة ، لا بد أن أذكر دافعين رئيسين سلبيين :
الأول : الشعارات المستفزة التي كان يطرحها البعثيون في الصف المدرسي وفي الإعلام العام ليل نهار ، مثل : اعتبار المجتمع طبقات وإشاعة الحديث عن الحقد المقدس أساسا للعلاقة بين فئات المجتمع ، وترداد شعارات مثل : أنا بعث وليمت أعداؤه . وآمنت بالبعث ربا لا شريك له وبالعروبة دينا ماله ثاني .
والثاني: الممارسة على مستوى السلوك في إكراه شباب المجتمع وفي المدرسة بشكل خاص على ترداد شعارات البعث في ساحة المدرسة كما في الفصول المدرسية ، وكان يتم كل ذلك من خلال برنامج الفتوة الذي شكل ذراعا سلطويا داخل حرم التعليم ....
في مثل هذه الظروف استقبل شباب من شباب سورية الدعوة للانضمام إلى جماعة الإخوان المسلمين التي أملوا أن تكون درعهم ورمحهم لمواجهة جملة هذه التحديات ، والتي أرادوا أن يعينوها فتعينهم للوقوف في وجه مشروع الاستبداد والتضليل والإفساد الذي كانوا يواجهونه في حياتهم اليومية على كل المستويات.
منذ البدايات كانت بطاقة الدعوة تركز على الحديث عن ياسر وعمار وسمية وخباب .
لم يخدعنا أحد ، لم يقل لنا أحد أنتم مدعوون إلى رحلة مدرسية ، ولا إلى نزهة جماعية ، ولا إلى جلسات تمضغ فيها مترف الأفكار...
كانت الدعوة إلى التعاون على البر والتقوى لسد الثغرة والتصدي للهجمة الشرسة على الدين وعلى الكرامة معا ..
الصفحة القادمة
كان أقرب طريق إلى السلطة والثورة سالكا ومعبدا
لندن ١١/ ذو الحجة١٤٣٩
٢٢/٨/٢٠١٨
_________
*مدير مركز الشرق العربي