الرئيسة \  مشاركات  \  سُعارُ السُلطة : مَرضٌ ، أم غريزة ، أم ثقافة موروثة ..؟ وهي: عبء ، أم مَغنَم ؟

سُعارُ السُلطة : مَرضٌ ، أم غريزة ، أم ثقافة موروثة ..؟ وهي: عبء ، أم مَغنَم ؟

09.03.2020
عبدالله عيسى السلامة




ما السُعار: للسعار، في اللغة ، معانٍ شتّى ، منها : حَرُّ النار.. شدّةُ الجوع .. التهاب العطش.. الجنون .. داء الكلَب ! والسَعِرُ: هو المجنون ، جمعُه : سَعرَى !
ومن معاني الفعل وتصريفاته : سَعَرَ يَسعَرُ سَعراً ، فهو ساعِرٌ ، والمفعول مَسعور!
سَعَرَ النارَ : أشعلَها .. وسَعَرَ الحربَ ، بين قبيلتين : أثارها..هيّجَها ! وسَعَرَ على الناس شَرّاً: رَماهم به !
وهكذا، يمكن أن يكون السعار- بصورة عامّة - صفة ملازمة ، أو مرضاً ، أو حالة عارضة !
والحديث ، هنا ، هو عن سُعار السُلطة !
ومن مظاهره : شدّةُ الولَع بها .. وشدّة الحرص عليها .. وشدّة التمسّك بها !
ومن مظاهره ، كذلك : قوّة تأثير السلطة على النفس .. وقوّة تَغلغُل حبّها ، أو شهوتها ، في القلب.. وقوّة هيمنتها، على المشاعر، حتى يصبح حبُّها، أو عشقُها: هياماً، أو هَوَساً، أو جنوناً!
ومن تأثيرات سعار السلطة، في النفس: أن يضحّي المرء، بأقرب الناس إليه؛ حبّاً بالسلطة ، وتعلقاً بها ، فيقتل المسعورُ بها أخاه : في النسب ، أو في الصداقة ، أو في الحزب ، أو في النضال المشترك ، ضدّ الأعداء والخصوم !
ونماذجُ سعار السلطة ، في التاريخ والواقع ، كثيرة ، وكلُّ نموذج ، حالة قائمة بذاتها! غير أن بعض النماذج ، قد تشكّل أنماطاً ؛ بتكرارها في الحياة الإنسانية ، في العصور المختلفة ، وفي البيئات المختلفة !
ومن أبرز نماذجها ، في القديم : ماكبث ، بطل مسرحية شكسبير الشهيرة ، الذي قَتل ملكَه العادل ، وهو ضيف في بيته ، طمعاً بالسلطة .. وصار يَقتل كلّ مَن يعارضه ، من شعبه .. ثمّ احتال عليه أبناء شعبه ، ووصلوا إلى قصره ، وقتلوه !
أمّا النماذج الحديثة : فكثيرة جدّاً ، حسبُنا أن نذكر منها ، حافظ أسد ، الذي غدر، بأقرب رفافه إليه ، وزجّ ببعضهم في السجن ، لينفرد بالسلطة ، ثمّ ليورّثها لابنه ، الذي سلك مسلكه ، وسار على دربه ، في الانفراد بها ، والتنكيل بكلّ مَن يقترب منها ، ولو انتخبه الشعب ، كلّه !
وفي كتاب الأمير، الذي كتبه ماكيافيللي لحاكمه ، تشجيع وحضّ ، على كلّ جريمة ، يمكن أن يرتكبها الحاكم ، للمحافظة على كرسي حكمه ؛ فلا شيء ، لديه ، أهمّ من السلطة ، ولا مُحرّم سوى الاقتراب منها !
  ولا بدّ من التنبيه ، بقوّة ، هنا ، إلى أن المؤمن ، الذي يُبتلى بحَمل السلطة ، يَراها عبئاً ثقيلاً، على كاهله ، ويؤرّقه حملُها ؛ لأنها أمانة ، يحاسَب على كلّ تقصير، في أدائها ، وعلى كلّ خطأ يرتكبه، عند الأداء ، وعلى كلّ استغلال لها ، لنيل مغنم شخصي ، مادّي أو معنوي! وهذا بخلاف مَن يراها مَغنَماً، ويستفيد ، ممّا تقدّمه ، له، ولأسرته ، ومحسوبيه ، من منافع ، مادّية ومعنوية !