الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سورية.. التطهير المزدوج!

سورية.. التطهير المزدوج!

17.05.2017
طلال صالح بنان


عكاظ
الثلاثاء 16/5/2017
ماذا يحدث في سورية.. ما الذي يُصنَع بالشعب السوري.. ما هذا السكوت المطبق، الذي أصاب العالم بالخرس، والعرب على وجه الخصوص، للجرائم التي تُرتكب في سورية (الجغرافيا والتاريخ).. وفي حق الشعب السوري العربي المسلم. أسئلة تدور في رؤوس الكثيرين.. وتعتمل في ضمير الأحرار من الناس.
إن ما يحدث في سورية، وما حل بها من دمار للحجر.. وترويع للبشر.. وانتهاك متعمد لكرامة الإنسان ومنزلته عند الله وموقعه في ملكوت السموات والأرض، لم يحصل في التاريخ. حتى الجرائم التي حدثت في التاريخ وحصدت شعوباً وأجناساً، كانت إما بسبب حروب، شنتها قوىً خارجية.. أو بسبب كوارث طبيعية.. لكن ما حدث ويحدث في سورية، طوال أربع سنوات، يُرتكب بفعل الدولة وبتدبير نظام، فقد شرعيته ومبرر وجوده، منذ الوهلة الأولى الذي أرتد بآلة العنف الجهنمية التي بيده، على شعبه، الذي ثار عليه، من أجل البقاء في السلطة.. وخدمة من ينفذ أجندة أطماعهم من قوى محلية وإقليمية ودولية، في سورية والمنطقة.
ما يتمخض عن ما يسمى بمحادثات "السلام"، التي يرعاها وَيَا للسخرية، من أتى بهم النظام السوري لتدمير سورية وتهجير شعبها والتنكيل بمن تبقى منه محاصراً وجوعاناً، في جيوب متباعدة من أطلال لمدنٍ، هي الأقدم من بين حواضر التاريخ، تفتك بهم الأمراض ويئن تحت وطأة جراحهم يلعقونها بمرارة الذل والمهانة، انتظاراً لما هو أقسى من ويلات الحرب والحصار والتجويع (التطهير المذهبي والعرقي). هذا النوع من التطهير المزدوج، لم يحدث في التاريخ إلا حديثاً، عندما زُرعت إسرائيل في قلب العالم العربي، وأيضاً: للمصادفة التاريخية، كان المستهدف به العرب السنة في فلسطين.
إلا أن ما يميز هذا التطهير المذهبي العرقي المزدوج، أن قوى إقليمية ودولية، لها ثارات تاريخية مع العرب والإسلام، استخدمت نظاماً قائماً، أسس دعائم حكمه على مبدأ التمييز العرقي والمذهبي، ليتحول من ملاذٍ لأقليةٍ مذهبيةٍ في البلاد، إلى أداة للسيطرة على سورية.. وإخضاع الأغلبية الساحقة من العرب السنة فيها، تمهيداً لإبادتهم. لقد حاول نظام الأسد في سورية شرعنة استعانته بقوى إقليمية ودولية، لقمع ثورة الشعب السوري ضده، برفع الأسد نفسه لشعار: سورية لمن يدافع عنها! يقصد بعبارة أخرى: نظامه في خدمة من يدافع عن بقائه في السلطة.. والاستحواذ على امتيازاتها وموارد البلاد، لصالح الأقلية المذهبية والعرقية، التي يمثلها.
لأن نظام الأسد لم يؤسس على شرعية شعبية حقيقية، ما أن ثار الشعب السوري ضده، كاد النظام يسقط سريعاً. وبما أن نظام الأسد يستمد شرعيته، أساساً، من آلة بطشه.. ومن دعم قوى إقليمية ودولية له، كان شعار الأسد باستباحة سورية من قبل تلك القوى لتدخل معركته مع شعبه. وبما أن تلك القوى الإقليمية والدولية، لم تأتِ لنجدة الأسد ونظامه، بقدر ما كان الأمرُ متعلقا بمصالحها وأطماعها، فإن الأمر في النهاية، لابد أن يتمخض عن تغيير جغرافية سورية السكانية وتلويثها بأقوام غير عرب: من فرس وباكستانيين وهنود وأفغان وقوقاز وآذار وتركمان وأكراد، بل وحتى من شيعة العرب. جاء كل هؤلاء لنجدة الأسد ونظامه، من أجل إكمال الاستيلاء على سورية، وإفراغها من الأغلبية الساحقة فيها (العرب السنة).
الآن يجري الكلام عن المناطق المحمية.. وعن مناطق تخفيف التوتر.. وعن إطلاق العنان لميليشيات عرقية ومذهبية، صنف بعضها بأنها جماعات إرهابية، من أجل القضاء على تنظيم الدولة الإرهابي، الذي أضحى قميص عثمان، يرتديه كلُ طامعٍ في أرض سورية.. وكلُ ساعٍ لتقسيمها على أسس مذهبية وعرقية. تطبيقاً لتلك السياسة، التي ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، يجري إفراغ مناطق كبيرة من سورية، بما فيها العاصمة دمشق، من سكانها العرب السنة، وتهجيرهم شمالاً إلى إدلب والمناطق التي أطلق عليها المناطق المحمية ومناطق تخفيف التوتر. ليت الأمر يقف عند التهجير فقط، لكن حتى يكون التطهير استئصالياً، تغير طائرات النظام وروسيا، على تلك المناطق وتقصفها بالبراميل المتفجرة، بل وبالغازات السامة، حتى لا يشعر فيها المهجرون بالأمان ليُقتل من يُقتل منهم.. ويُدفع من بقي منهم لخارج البلاد.. لتفرغ سورية تماماً من العرب السنة.
كل ذلك يحدث على أرض الشام، أمام سمع وبصر العالم، وللأسف بتواطؤ بعض العرب، الذين فقدوا عروبتهم.. وانسلخوا عن هويتهم الإسلامية. تُرى هل هذا الأمر الجلل سوف يقف عند حدود سورية، أم أن الأمر سيتكرر في بلدان عربية أخرى. من يتابع أقوال وتصريحات ويتتبع مؤامرات من يقاتل مع نظام الأسد في سورية، من عربٍ وغير العرب، يصل إلى نتيجة: أن الأمر لن يقف عند سورية.. إنه شرٌ مستطيرٌ أُريد به العرب والإسلام، معاً.