الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا وتركيا وتقاطع المصالح

سوريا وتركيا وتقاطع المصالح

21.01.2020
عبدالله الأيوبي



اخبار الخليج
الاثنين 20/1/2020
شرعت كل من سوريا وتركيا، العدوان اللدودان اللذان كانا في فترة من فترات احتدام الصراع الداخلي في سوريا على شفى حرب حقيقية بين جيشي البلدين، شرعتا عمليا في ترجمة القول المأثور لرئيس وزراء بريطانيا الراحل ونستون تشرشل (1874 - 1965) الذي قال يوما ما "في السياسة ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة"، هذه الترجمة السورية التركية العملية لهذا القول المأثور تمثلت فيما كشفت عنه بعض المصادر عن لقاء مباشر تم في موسكو بين رئيسي جهازي المخابرات التركية والسورية، لكن الجديد في هذا اللقاء، وإن لم يكن مفاجئا، هو ما كشف عنه مسؤول تركي تحدث بشرط عدم نشر اسمه عن ان المحادثات تضمنت "إمكانية العمل معا ضد وحدات حماية الشعب الكردية السورية في شرقي نهر الفرات".
بداية لا بد من الإشارة هنا إلى أن الأزمة السورية اتخذت منعطفا خاصا وشبه حاسم، بعد استدعاء الحكومة السورية للمساعدات العسكرية الروسية المباشرة حيث أدى الدخول الروسي العسكري المباشر إلى إحداث تغيير جذري في ميزان الصراع العسكري على الأرض السورية، وساهم مساهمة كبيرة جدا، ليس فقط في إضعاف المجموعات العسكرية التي سعت لإطاحة الرئيس السوري بشار الأسد، وإنما دفع تركيا إلى إعادة حساباتها ومراجعة الأهداف التي كانت تأمل تحقيقها من خلال تدخلها المباشر في الصراع وتقديم مختلف أشكال الدعم للجماعات المسلحة، وفي مقدمة ذلك فتح حدودها لتدفق المقاتلين من مختلف دول العالم.
اللقاء الاستخباراتي بين البلدين ليس هو الجديد في الأمر، فقد سبق لمسؤولين من الأجهزة الاستخباراتية السورية والتركية أن التقوا أكثر من مرة في أماكن مختلفة، لكن ما يميز هذا اللقاء عن غيره من اللقاءات أن المسؤولين الاستخباراتيين في البلدين بحثوا إمكانية العمل المشترك لتأمين مصالح البلدين، أي التصدي لطموحات وأهداف وحدات حماية الشعب الكردية السورية حيث تعتبر كل من دمشق وأنقرة أن هذه الأهداف تهدد مصالح البلدين القومية وتساعد على استنهاض المشاعر الانفصالية للأقليات القومية في البلدين.
بالنسبة إلى تركيا بالدرجة الأولى فإن الأكراد تعتبرهم أكبر خطر يهدد أمنها القومي، ليس الأكراد السوريين بالدرجة الأولى، وإنما الأكراد الأتراك حيث يخوض حزب العمال الكردستاني التركي حربا دموية ضد الجيش التركي في شمال شرق البلاد أدت إلى إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الجانبين ناهيك عن عشرات المليارات من الخسائر التي تكبدها الاقتصاد التركي، ومن هذا المنطلق فإن أنقرة تعتبر أكراد سوريا هم امتداد طبيعي لحزب العمال الكردستاني التركي، فيما ترى دمشق أن تحالف أكرادها مع الأمريكان، يشكل تهديدا للسيادة الوطنية السورية.
عندما تقاطعت المصالح السورية والتركية على خط التهديد الكردي للسلامة الوطنية والأمن القومي للبلدين، لم يجدا بديلا سوى العمل سويا لتأمين هذه المصالح والدفاع عنها، فهي، أي المصالح هي الدائمة، أما القضايا السياسية فهي تبقى أسيرة المصالح، وهذا هو الهدف الأساسي من اللقاء الاستخباراتي السوري التركي الذي استضافته العاصمة الروسية موسكو الإثنين الماضي، وهو اللقاء العلني والمعلن من جانب الطرفين، وهو مؤشر على أن البلدين مستعدان لتنحية جزء من خلافاتها إذا ما شعرتا بأن هذه الخلافات تهدد المصالح الوطنية والقومية للبلدين.
مع ذلك، لا بد من التأكيد على حقائق لا يمكن دحضها وتتعلق بالموقف التركي أولا، فأنقرة ومنذ بداية تفجر الصراع في سوريا قبل ما يربو على الثماني سنوات، لم تضع في اعتبارها أي اهتمام للمصالح الوطنية السورية، بل على العكس من ذلك، فإن سلوكها ومواقفها خلال هذه الأزمة حملت أكبر تهديد لهذه المصالح، ولوحدة سوريا الجغرافية والديموغرافية من خلال دعم أنقرة اللا محدود للجماعات المسلحة التي حاولت خلق الفتنة الدينية والطائفية والعرقية في المجتمع السوري ولم تتحرك، جزئيا، إلا بعد أن انتقل جزء من اللهيب السوري إلى داخل تركيا نفسها.
التحرك التركي الجاد جاء بعد أن تعاظمت القوة العسكرية لوحدات الحماية الكردية وتلقيها الدعم العسكري الكبير من جانب الولايات المتحدة الأمريكية بهدف تمكينها من خلق وضع جغرافي وديموغرافي جديد في سوريا، وهو الهدف الذي شعرت من خلاله تركيا أنه يحمل تهديدا مباشرا لمصالحها الوطنية والقومية، الأمر الذي دفعها للبحث عن أي وسيلة أو طريقة تحول دون وصول هذا التهديد وتطوره إلى أراضيها، فلجأت إلى غزو الأراضي السورية بحجة منع "الإرهابيين" من تهديد أمنها، لكن هذا الغزو واحتلالها مناطق واسعة من الأراضي السورية ليس هو الحل.
بكل تأكيد فإن أنقرة بدأت تستشعر خطورة التهديد القادم إليها من سوريا مع استمرار الأزمة السورية, وبأن الخيار الناجع أمامها هو العمل والتنسيق مع الأطراف الفاعلة في هذه الأزمة، وتحديدا روسيا، من شأنه أن يخفف من مثل هذا التهديد وينهيه مستقبلا وخاصة مع انشغال أمريكا بأوضاعها الانتخابية هذا العام.