الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا نهش الذئاب

سوريا نهش الذئاب

13.06.2019
حسان الأسود


سوريا تي في
الاربعاء 12-6-2019
لم يُعلن بعدُ بشكل نهائي عن موعد لقاء مُستشاري الأمن القومي لأميركا وروسيا وإسرائيل وإن كان قد تحدّد مكانه. ستترتّب على هذا اللقاء نتائج كثيرة بلا شك، وأهمّها ترسيم حدود التفاهمات بين الفاعلين الكبار في المنطقة. لم يغامر بوتين بالدخول إلى سوريا بقرار منفرد، فقد أوضح أندرو أكسوم الذي كان يشغل منصب نائب مساعد وزير الدفاع لشؤون الشرق الأوسط في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما، خلال شهادته أمام لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأميركي: ".. لقد تعاون الرئيس أوباما مع الرئيس بوتين، لمنع سقوط الأسد بسرعة كبيرة، ولمنع انهيار البلاد ومنع وقوعها بيد المتمردين.." وهذا يفترض أن يكون التدخّل الروسي قد تمّ بتنسيق وتعاون بين الطرفين، وفعلاً سمعنا وقرأنا وما زلنا عن تنسيق عالي المستوى بين القوات العسكرية لكليهما منعاً لوقوع أيّة تصادمات في الأجواء وعلى الأراضي السورية، ناهيك عن التنسيق السياسي والدبلوماسي المتواصل بلا انقطاع.
فإذا أضفنا إلى ذلك التصريحات المتكررة التي ما فتئ يطلقها قادة البلدين، لتثبيت أولويات إدارتيهما في الشرق الأوسط والتي تأتي على رأسها حماية إسرائيل وصيانة أمنها، لوجدنا أنفسنا أمام مشهد متكامل الجوانب واضح الهيئة.
مصالح روسيا في تثبيت وجودها على شواطئ المتوسّط، وفي اعتمادها شريكاً أساسيّاً إن لم يكن مقاولاً وحيداً في تثبيت عروش الطغاة وتحطيم آمال الشعوب في الانتقال إلى عصور الحرّية والكرامة الإنسانيّة، ومصالحها في استثمار ونهب ما تبّقى من ثروات سوريا، واستثمارها في مشاريع إعادة إعمار ما دمّرته آلتها الدمويّة من مدن وقرى وبنى تحتيّة والتي لا شكّ سيكون لها الحصّة الأكبر فيها.
مصالح أميركا في إبقاء المنطقة على صفيح ساخن لاستمرار نهب ثروات دول الخليج العربي والعراق من جهة ولاستمرار تحجيمها للأتراك والإيرانيّين المنافسين لحليفها إسرائيل أو بالأحرى ربيبيها الأهمّ في المنطقة.
إنّ كل ما يجري من تفتيتٍ للدول العربية وتبذيرٍ أو تدميرٍ لمقدّرات شعوبها يصبّ في المحصّلة النهائية في حساب استدامة إسرائيل كقوّة إقليميّة عظمى
المصلحة الكبرى التي هي بالطّبع من نصيب إسرائيل بلا أدنى شك، فمن كان يتوقّع في يوم من الأيام أن تتنافس جميع هذه الدول لتأمين الحماية والأمن المطلق لإسرائيل، بل وأن تتسابق مع أنظمة الحكم العربيّة من شرقها إلى غربها لتحقيق هذه الغاية؟ إنّ كل ما يجري من تفتيتٍ للدول العربية وتبذيرٍ أو تدميرٍ لمقدّرات شعوبها يصبّ في المحصّلة النهائية في حساب استدامة إسرائيل كقوّة إقليميّة عظمى صاحبة أكبر نفوذ في الشرق الأوسط.
سيكون من نتائج هذا اللقاء تقرير مصير الوجود الإيراني في سوريا، وهذا سيكون الكرت الرابح الأكبر بيد الروس ليطرحوه على الطاولة، لكنّ الأميركيين والإسرائيليين ليسوا أغبياء ولا هم بالمغفّلين، فالميليشيات المؤتمرة بأمر إيران بدءاً من حزب الله وانتهاءً بالحشد الشيعي من العراق وباكستان وأفغانستان، ما كانت لتدخل بهذه السهولة إلى سوريا لولا موافقة كلّ منهما على ذلك. بالتالي سيكون إخراج إيران مصلحة مشتركة للجميع بعد أن تمّ استنزافها من جهة واستنزاف القوى الثورية السورية وكذلك الدولة السورية والشعب السوري. سيكون على روسيا أن تقدّم شيئاً أكثر من ذلك، ولعلّ الأمر يتوضّح في قادم الأيام بشكل عملي على أرض الواقع.
لقد أدرك الإسرائيليون أنّ الاستثمار في صناعة الطواغيت وتنصيبهم كحكّام أبديّين على شعوب المحيط الرافض لوجودها، هو السبيل الأنجع لتدمير بذور المقاومة الشعبيّة لهذا السرطان الاستيطاني المستشري. لذلك كانوا على الدوام أصحاب القرار النهائي في استلام أيّ حاكم عربي لمقاليد السلطة وبقائه أو تغييره، وهذا ما أدركه أغلبُ الحكّام العرب أيضاً بشكل متفاوت حسب قربهم أو بعدهم عنها، وقد كان أكثرهم وأشدّهم التقاطاً لهذا الأمر حافظ الأسد الذي عمل معهم مبكّراً عندما كان وزيراً للدفاع عام1967، فقايض في لندن أثناء سفره مع مجموعة من ضبّاط الجيش آنذاك وفي خلسة عنهم، قايض الإسرائيليين على تسليم الجولان مقابل استلام الحكم، وهذا ما يؤكّده العديد من المسؤولين السوريين الكبار المعارضين للأسد والذين عاصروا تلك الفترة من حياة سوريا.
لم تقتصر خدمات حافظ الأسد لإسرائيل على تسليم الجولان بل قام بالقضاء على جميع الفصائل الثوريّة الفلسطينيّة في لبنان بعد أن روّض ما كان منها في سوريا، كما فتّت منظّمة التحرير الفلسطينيّة ثم دعم إنشاء كيانات بديلة عنها مثل حماس والجهاد الإسلامي بمساعدة حلفائه الإيرانييّن، كذلك قضى على الحركة الوطنية اللبنانيّة واغتال رموزها ومفكّريها، وبعد ذلك نصّب حزب الله حارساً أميناً على حدود إسرائيل الشماليّة. وقبل وفاته ضمن عند الأميركيين من خلال الإسرائيليين توريث الحكم لابنه بشّار بعد أن أثبت لهم عبر السنين التزامه المطلق بأمن كيانهم عبر الحدود المشتركة منذ انتهاء فصول مسرحية حرب تشرين عام 1973.
أكثر من ذلك، كانت له خلاياه الإرهابيّة الإجراميّة التي طالت رموز الحركات التحرّرية السورية والعربيّة أينما كانوا وأينما حلّوا، وقد صنع في العديد من الدول العربيّة خلايا سرطانيّة تروّج لسياساته وتدخّلاته في دول الجوار من خلال فروع حزب البعث في تلك الدول، وهذا ما وجدنا أثره بقوّة بعد اندلاع ثورات الربيع العربي عموماً وبعد اندلاع الثورة السوريّة خصوصاً. لقد استثمر ابنه بشّار في إرث أبيه من هذه الناحية خير استثمار.
الآن، وبعد نصف قرن على حكم العائلة الأسديّة لسوريا بات المشهد صارخ الوضوح، فلا أبقت هذه العائلة على دولة سوريا ولا على شعبها الذي كان أشرس تجمّعٍ بشريّ مناهض لوجود إسرائيل في المنطقة.
نصف الشعب السوري بات مهجّراً وشريكاً للشعب الفلسطيني في الشتات وهو بهذه الحال صار في منافيه أبعد ما يكون عن تشكيل تهديد استراتيجي لأمن إسرائيل أو وجودها، ومن بقي منه في سوريا بات نازحاً عن مدنه وقراه وعن أسباب رزقه، أو بات مقموعاً تحت سياط أجهزة مخابرات الأسد وميليشياته التي استجلبها من أربع رياح الأرض، أو بات في السجون والمعتقلات أو تحت الخيام وأشجار الزيتون لا يطلب سوى اتّقاء حمم نيران طائراته وطائرات حليفه الروسي.
لقد أضحت سوريا نهباً للطامعين، ما بين جيوش المحتلّين الأجانب وشركاتهم العابرة للقارّات والميليشيات الطائفيّة وأحقادها العابرة للتاريخ من جهة، وما بين أمراء الحرب وتجّار الدماء المحلّيين من جميع الأطراف من جهة ثانية. سوريا كما نعرفها لم تعد موجودة إلّا في ذاكرتنا نحن الذين أحببناها وعشقناها، سوريا مريضة وشفاؤها بعيد المنال.
ليس من مصلحة أحد سوى السوريين - من غير العصابة الحاكمة والمتعيّشين من فتات ما تتركه لهم- أن تقوم سوريا من تحت الرماد، فلا إسرائيل ولا روسيا ولا أميركا ولا أي بلد كان يرغب بذلك، وكلّ من يعتقد بغير هذا لم تتبيّن له الصورة كاملة بعد.
لن تشفى سوريا إلا بتضافر جهود أبنائها المخلصين لإنهاء حكم أسوأ عصابة عرفها التاريخ أولاً، ثم للبدء ببناء أسس المواطنة المفقودة والهويّة الوطنيّة السوريّة الجامعة ثانياً، ثمّ لوضع القطار على سكّة البناء للّحاق بركب الحضارة البشريّة ثالثاً، وما لم نحقّق هذا كلّه، ستبقى سوريا نهشاً للذئاب.