الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سوريا.. من زراعة "المراقد" إلى زراعة "المنصات"

سوريا.. من زراعة "المراقد" إلى زراعة "المنصات"

17.08.2017
د. أحمد موفق زيدان


العرب
الاربعاء 16/8/2017
أطلق القيادي البعثي التاريخي صلاح الدين البيطار على الشام جملته التهكمية المشهورة في الخمسينيات بأنها "مريضة"، مما استدعى أن يكون غالبية رؤسائها من الأطباء، اليوم وكأن تربة الشام مريضة أيضاً بحاجة إلى مهندسين زراعيين أجانب، فكان الاحتلال الإيراني في فترة التسعينيات وما بعدها مشغولاً بزراعة المراقد الشيعية، في حين انشغل الاحتلال الروسي هذه الأيام بزراعة المنصات، فكانت له منصة القاهرة وموسكو وحميميم والحبل على الجرار.
شكلت زراعة المراقد الشيعية الكاذبة والمفتعلة في الشرق السوري وضواحي دمشق ومناطق أخرى تربة خصبة للكذب الإيراني في التدخل لاحقاً بالشام، وقام المحتل الإيراني منذ سنوات بتهيئة الأرضية لذلك، عبر إقامة مؤسسات ولجان خدمية حول هذه المراقد، من أجل ربط مصالح الناس المحليين بها، فكانت الكذبة الكبيرة كذبة زراعة المراقد، كما هي زراعة الهيكل بفلسطين، من أجل سلخها عن إسلامها وعروبتها، ومهدت هذه المراقد كذريعة معلنة للتدخل الإيراني بحجة حمايتها والدفاع عنها، وكأن مرقد السيدة زينب، الذي ظل في حماية أهل السنة منذ بني أمية، وحتى الآن، لم يكن موجوداً طوال ذلك التاريخ، ولعل كتاب البعث الشيعي في سوريا الموجود على النت مهماً في هذا السياق.
اليوم يضاف إلى الزراعة الإيرانية الزراعة الروسية، لكنها زراعة سياسية لا عقدية ولا أيديولوجية، هدفها تفجير الثورة سياسياً، فكان لهم أن استحدثوا منصة القاهرة، ثم موسكو، فحميميم، وكلها منصات تلد بعضها بعضاً، والأم والأب هما موسكو التي تسعى من أجل بقاء ذيل العصابة الأسدية في الحكم، بعد أن قتلت وشردت ودمرت ما يعجز المرء والقلم عن تسطيره.
منذ بدء المفاوضات في جنيف وحتى الأستانة، ما بعدها وما قبلها وما بينهما، أدرك الصادقون العقلاء أن الدخول في مفاوضات دون سقف زمني ودون شروط ودون ضمانات دولية واضحة عبث في عبث، ومآله تضييع ثورة عظيمة بحجم الثورة الشامية، وفي الوقت الذي يُمني أعضاء الائتلاف والتفاوض أنفسهم برحيل الطاغية كانوا يقدمون التنازل تلو التنازل، لا فرق بين مخلصٍ وغير مخلص، ما دامت النتيجة نفسها، وبين باقٍ في حضن الائتلاف أو الهيئة، وبين عائدٍ لحضن حكم الحيوان، كما وصفه الرئيس الأميركي دونالد ترمب من قبل، فكانت المفاوضات من أجل المفاوضات، وتم نزع أنياب الائتلاف والهيئة ناباً ناباً، والمطلوب على ما يبدو أكثر وأكثر.
لعل الأكثر خطورة فيما يتعلق بالزراعة هو زرع العملاء والخونة عصابة الحيوان في جسم الائتلاف، فظهر من قبل رئيس الائتلاف أحمد الجربا، وأخيراً رأينا أعضاء في الائتلاف يعودون لحضن الحيوان ويعتذرون، ولا ندري كم من عميل وشبيح في صفوف الائتلاف والهيئة، ما دام رأسمال أن تكون عضواً فيهما -بغالب الأحيان- هو المال والنفوذ الأجنبيين، بغض النظر عن وجودك بين شعبك وتأثيرك فيه، ويظل القول إن الشام تنفي خبثها، كما أن عصابة الحيوان تستقطب كل الخبث المحلي والعالمي.;