الرئيسة \  تقارير  \  سوريا بين نيران الخصوم .. قراءة سياسية قانونية في موقفها من صراع إيران وإسرائيل

سوريا بين نيران الخصوم .. قراءة سياسية قانونية في موقفها من صراع إيران وإسرائيل

22.06.2025
عمر بكور



سوريا بين نيران الخصوم .. قراءة سياسية قانونية في موقفها من صراع إيران وإسرائيل
عمر بكور
سوريا تي في
السبت 21/6/2025
في ظل التصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل، تجد سوريا نفسها مرةً أخرى في عين العاصفة، لا كطرفٍ مباشر، بل كساحةٍ مفتوحة لتصفية الحسابات.
ورغم أن دمشق تعادي الطرفين بدرجات متفاوتة، إلا أن علاقتها المعقّدة معهما، قبل الثورة وبعدها، تجعل من موقعها الحالي محطّ تساؤل استراتيجي وقانوني في آنٍ معًا: هل يمكن لسوريا اليوم أن تُعيد تعريف موقفها الخارجي بعيدًا عن الانخراط في محور أو التصادم مع آخر؟ وهل تملك أدوات قانونية وسياسية لحماية نفسها من أن تكون مسرحًا دائمًا لصراع الآخرين؟
منذ عام 2011، تغيّرت معادلات السياسة الخارجية السورية بشكل جذري. لم تعد الدولة تمسك بزمام قرارها السيادي كما في العقود الماضية، ولم تعد تمتلك القدرة الفعلية على فرض موقف مستقل في نزاعٍ بحجم الصراع الإيراني الإسرائيلي. إلا أن هذه الحالة، بكل ما تحمله من ضعف سياسي، لا تعني أن على سوريا أن تبقى في موقع الجمود أو الصمت؛ بل العكس، فقد يكون هذا الوضع مدخلًا ضروريًا لإعادة بناء سياسة خارجية عقلانية تستند إلى حماية المصلحة الوطنية، من دون الارتهان لأيّ محور.
على سوريا أن تعيد تفعيل تمثيلها القانوني أمام الهيئات الأممية، وتؤسس لجهاز دبلوماسي قانوني متخصص، يتولى مهام التوثيق، والمرافعة، والمطالبة بالتعويض، ورفع الدعاوى ضد المعتدين، وعلى رأسهم إسرائيل.
وفي هذا السياق، لا يمكن تجاهل تصاعد الاعتداءات الإسرائيلية على الأراضي السورية، التي باتت شبه منتظمة خلال السنوات الأخيرة، وتُنفّذ غالبًا من دون ردٍّ ولا حتى تصريح خجول. هذه الاعتداءات، التي تُبرّرها إسرائيل بذريعة "الدفاع الوقائي" ضد ما تعتبره تهديدًا إيرانيًا، تُعدّ من أخطر المظاهر التي تُكرّس فقدان السيادة السورية وتطبيع خرق القانون الدولي على مرأى العالم.
إن ميثاق الأمم المتحدة واضح في تجريم استخدام القوة في العلاقات الدولية، باستثناء حالتين: الدفاع المشروع عن النفس في حال وقوع هجوم مسلح (المادة 51)، أو وجود تفويض صريح من مجلس الأمن.
لكنّ إسرائيل، في كل ضرباتها تقريبًا، لا تملك أي قرار دولي يشرعن تدخلها، ولا يمكنها إثبات حالة خطر وشيك وفوري كما تشترط الأعراف القانونية لتبرير الدفاع المشروع.
والأخطر أن سوريا، رغم كونها دولة عضوًا في الأمم المتحدة وتملك كامل الأهلية القانونية لرفع دعاوى أو تقديم شكاوى رسمية، لم تقم حتى الآن بتحريك ملفات قانونية جدية لمحاسبة إسرائيل، أو حتى لتثبيت روايتها القانونية في الهيئات الدولية. إن غياب الفعل القانوني السوري، سواء عبر مجلس الأمن، أو الجمعية العامة، أو محكمة العدل الدولية، يجعل من الدولة ضحيةً صامتةً أمام انتهاكات صريحة ومتكررة.
آلية استعادة السيادة والحفاظ عليها عبر القانون الدولي
إن استعادة السيادة لا تكون فقط بطرد الجيوش أو إنهاء الاحتلال، بل تبدأ بتفعيل الأدوات القانونية التي تتيحها الشرعية الدولية. على سوريا أن تعيد تفعيل تمثيلها القانوني أمام الهيئات الأممية، وتؤسس لجهاز دبلوماسي قانوني متخصص، يتولى مهام التوثيق، والمرافعة، والمطالبة بالتعويض، ورفع الدعاوى ضد المعتدين، وعلى رأسهم إسرائيل. كما يجب استثمار المنابر القضائية، كمحكمة العدل الدولية، واستخدام تقارير المقرّرين الأمميين ومجلس حقوق الإنسان لتثبيت وقائع الانتهاك. فالقانون الدولي لا يعمل تلقائيًا، بل يُستفاد منه حين يُفعّل، وتُبنى حوله سردية حقوقية واضحة.
الانفتاح العربي والدولي: فرصة تاريخية
في السنوات الأخيرة، بدأ يتشكل مناخ عربي ودولي يتجه نحو إعادة دمج سوريا في المنظومة الإقليمية. ورغم التحفظات الكثيرة، إلا أن هذه العودة التدريجية يمكن أن تشكل فرصة نادرة لبناء شراكات دبلوماسية جديدة تعزز من موقف الدولة في الساحة الدولية. يمكن لسوريا، إن أحسنت توظيف هذا الانفتاح، أن تطلب دعمًا سياسيًا صريحًا من بعض الدول العربية في معاركها القانونية، وتستفيد من قنوات الوساطة العربية لإعادة التوازن إلى علاقاتها الخارجية، لا سيما مع دول فاعلة في المشهدين الدولي والإقليمي. لكن ذلك يتطلب خطابًا متماسكًا، وموقفًا مستقلًا، واستراتيجية قائمة على المصالح لا على الولاءات.
القانون ليس أداة موازية للسياسة، بل هو أحد أشكال ممارستها. وسوريا، إذا أرادت أن تستعيد دورها ومكانتها، فعليها أن تخرج من منطق ردّ الفعل إلى منطق المبادرة القانونية.
دروس العراق ولبنان: حين تُهدر الفرص
العراق ولبنان مثالان صارخان لحالات فقدت سيادتها السياسية لصالح مراكز نفوذ داخلية وخارجية، وفشلت في تحويل مظلوميتها إلى أدوات قانونية ودبلوماسية فعالة. في العراق، ظلّ السجال القانوني حول الوجود الأجنبي عقيمًا، وتحول إلى شعار فارغ لا يُترجم إلى مواقف دولية. أما لبنان، فرغم تعرضه لعشرات الاعتداءات الإسرائيلية، لم ينجح في بناء حالة قانونية متماسكة تحشد الدعم الدولي.
إن تكرار هذه النماذج في سوريا سيكون كارثيًا، خاصة في ظل حالة التمزق الداخلي. على دمشق أن تتجاوز مرحلة التردد، وتبادر ببناء مشروع قانوني يليق بمكانة الدولة التي تسعى لأن تكون حرّة، مستقلة، وغير خاضعة لأيّ وصاية.
ما يمكن فعله
بعد أعوام من العمل في الساحة القانونية الدولية، أستطيع أن أقول: إن أيّ دولة، مهما كانت ضعيفة عسكريًا، يمكن أن تصنع لنفسها مكانة وهيبة إذا أحسنت استخدام أدوات القانون الدولي. لسوريا أن تبدأ بثلاث خطوات حيوية:
إنشاء هيئة وطنية مستقلة لتوثيق الانتهاكات الإسرائيلية ورفعها إلى الجهات الأممية.
تقديم شكاوى متواصلة إلى مجلس الأمن والجمعية العامة لإحراج إسرائيل دوليًا، ولو لم تُثمر مباشرة.
تشكيل لجان فنية مشتركة مع دول صديقة لمتابعة المسارات القانونية المتاحة، بما في ذلك التحكيم الدولي والمرافعات الاستشارية.
القانون ليس أداة موازية للسياسة، بل هو أحد أشكال ممارستها. وسوريا، إذا أرادت أن تستعيد دورها ومكانتها، فعليها أن تخرج من منطق ردّ الفعل إلى منطق المبادرة القانونية. فالقوة ليست في عدد الطائرات أو الحلفاء، بل في الحق الذي يُدافع عنه بثقة، واستراتيجية، وذكاء.