الرئيسة \  تقارير  \  سوريا الجديدة.. 1974 محدّث كما 1701 في لبنان الجديد

سوريا الجديدة.. 1974 محدّث كما 1701 في لبنان الجديد

16.07.2025
ماجد عزام



سوريا الجديدة.. 1974 محدّث كما 1701 في لبنان الجديد
ماجد عزام
سوريا تي في
الثلاثاء 15/7/2025
لسنا بالتأكيد بصدد التطبيع أو اتفاق سلام بين سوريا الجديدة وإسرائيل حسب الوقائع والتطورات على الأرض، أمّا الضخ المتعمد بهذا الاتجاه فيأتي كما العادة من مصادر إسرائيلية مجهولة-معلومة معنية بالتشويش وإثارة الفتن في سوريا الجديدة، كما زرع البلبلة والشك وسط مناصريها الكثر في العالم العربي والإسلامي، مع الانتباه إلى ما قاله الرئيس أحمد الشرع وكررته وزارة الخارجية بدمشق مراراً عن عدم وجود أي توجهات كهذه، وكما أوضح صراحة رئيس الوزراء في لبنان الجديد نواف سلام.
فالتطبيع والاتفاق مرتبطان بالمبادرة الشهيرة التي صدقت عليها الجامعة العربية بموافقة كل أعضائها في قمة بيروت، عام 2003، وبما أننا في السياق اللبناني السوري حيث سيرورة القيامة الجديدة واحدة فما هو مطروح عملياً في سوريا لا يتجاوز العودة إلى اتفاق "فك الاشتباك 1974" زائد أو محدّث تماماً، كما جرى في لبنان فيما يخص "القرار 1701" بعد الحرب الأخيرة وجبهة الرياء والمساندة الاستعراضية لغزة التي فتحها "حزب الله" لترسيخ سيطرته على البلاد وتجييرها لخدمة إيران وأطماعها الإقليمية، وارتدت وبالاً عليه مثلما في رواية الجريمة والعقاب، وأنهت عملياً مرحلة الوصاية الإيرانية على البلد الصغير والجميل والمقاوم دوماً على طريقته.
ردّ الحزب على جريمة الإبادة الإسرائيلية بغزة بشكل دعائي، واستغلت إسرائيل هذه المساندة الدعائية لشن حرب ضده بعد انتهاء المهمة العسكرية بغزة، وإعلانها رسمياً جبهة قتال ثانية..
إذن، بعد الحرب الأخيرة وجبهة المساندة الاستعراضية والدعائية لغزة، التي فتحها "حزب الله" لترسيخ سطوته على البلاد، ومصادرة قراراتها ومقدراتها لصالح إيران وسياساتها التوسعية بالعالم العربي، والدفاع عن مصطلح وحدة الساحات الذي جرى التنظير له لسنوات طويلة بعدما أعاد يحيى السنوار حركة حماس إلى محور إيران وميليشياتها الطائفية، وتبييضه بأثر رجعي بما في ذلك نظام بشار الأسد ونزع الصفة الطائفية والإجرامية عنه، مقابل الدفاع عن أي طرف بالمحور في حال التعرض لاعتداء أو هجوم إسرائيلي، مع التذكير بصمت النظام المدوّي خلال الحرب حيث لم يطلق رصاصة ولا حتى كلمة واحدة تضامناً مع غزة.
ردّ الحزب على جريمة الإبادة الإسرائيلية بغزة بشكل دعائي، واستغلت إسرائيل هذه المساندة الدعائية لشن حرب ضده بعد انتهاء المهمة العسكرية بغزة، وإعلانها رسمياً جبهة قتال ثانية، بينما يطيل بنيامين نتنياهو الحرب التي انتهت عملياً منذ أيار الماضي، إثر اجتياح وتدمير مدينة رفح بمعبرها ومحورها هناك لأسباب سياسية وحزبية تتعلق بالاحتفاظ بالسلطة تحسباً من انهيار ائتلافه الحكومي المتطرف.
واضطر الحزب إثر انكشافه التام أمام الضربات والعمليات الإسرائيلية إلى توسل وقف إطلاق النار والموافقة على توقيع اتفاق تنفيذ "القرار الأممي 1701" زائد أو محدّث، مع تشكيل لجنة عليا للإشراف على تنفيذ القرار برئاسة جنرال أميركي، بما في ذلك حصرية امتلاك الدولة اللبنانية السلاح وفرض سيادتها على كامل أراضيها، كما جاء في خطاب القسم للرئيس جوزيف عون والبيان الوزاري لحكومة نواف سلام الذي صوّت نواب الحزب لصالحه.
وعليه، وللأسف وبعد مواقف الحزب المتذاكية الأخيرة والتراجع عمّا وافق عليه تتعثر قيامة لبنان الجديدة، كما قال عن حق المبعوث الأميركي العربي الأصل توم باراك، إثر رفض الحزب تسليم سلاحه والإصرار على الإبقاء عليه لترسيخ هيمنته الداخلية ومبازرة إيران به في مفاوضاتها النووية مع أميركا، وكما أقرّ سمير جعجع ولبنانيون كثر يتحسّرون أو يغبطون سيرورة قيامة سوريا الجديدة، بينما ما يزال الحزب يحول من دون قيامة بلادهم.
وبالعودة إلى السياق والمسار السوري، وبعد سقوط نظام بشار الأسد تعاطت إسرائيل على عادتها بعدوانية وانتهازية مع استغلال تل أبيب سحب النظام المتعمد للجيش من الجبهة الجنوبية وتحديداً الفرقة الخامسة المكلّفة بالانتشار في جبل الشيخ والقنيطرة والجزء المحرر من الجولان، لتدمير مقدرات الدولة ومراكمة الصعوبات أمام إعادة بنائها، خاصة في البعد العسكري الدفاعي، وانتهاك قرار اتفاق فكّ الاشتباك 1974، وتجاوز المنطقة العازلة، واحتلال مناطق خارجها بما في ذلك الجزء السوري من جبل الشيخ الاستراتيجي الذي سلّمه النظام تسليماً مباشراً وعلنياً تقريباً للاحتلال مع أمر الانسحاب المشبوه ضمن قرار حلّ الجيش، لإيقاع الفوضى في البلاد وأيضاً للتلاقي مع الهدف الإسرائيلي في مراكمة الصعوبات أمام سيرورة بناء سوريا الجديدة.
بهذه الأثناء رفعت إسرائيل سقف الخطاب السياسي والإعلامي تجاه سوريا الجديدة وتبنّت دعوات واضحة للانفصال والتقسيم تحت ذريعة حماية الأقليات، بل دعت فعلاً ولو بشكل رسمي إلى إقامة مناطق حماية خاضعة للوصاية الأجنبية -أربعة أو خمسة كيانات محمية خارجياً- في تماهي مع فكرة سوريا المفيدة لإيران والمتجانسة لنظام الأسد.
مع ذلك اضطرت إسرائيل للتراجع عن خطابها أمام الأداء الذكي الحكيم والمثابر للقيادة في سوريا الجديدة، ومظلة الحماية الإقليمية والدولية الراسخة والواسعة لها، وأقلعت عن الخطط والمشاريع الانفصالية مع تبنّي لغة جديدة دبلوماسية أكثر تجاه القيادة الجديدة ولكن بخبث واضح وضخّ حملة دعائية مكثفة تتحدث عن التطبيع واتفاق سلام، وهو غير مطروح خاصة مع طرح المطلب التعجيزي بإزاحة ملف الجولان عن طاولة التفاوض بل اعتراف سوريا الجديدة بضمها ضد المزاج الشعبي العام والقانون الدولي.
أكّدت صحيفة "هآرتس"، في 10 تموز الجاري، عبر مصادرها في واشنطن، هذا الاستنتاج ونقلت حرفياً عن مصادر مطلعة متابعة لزيارة نتنياهو الأخيرة إلى واشنطن، التي التقي خلالها الرئيس دونالد ترمب مرتين: "أنه لا توجد تطورات تذكر وإسرائيل قد تنسحب من المناطق القريبة من البلدات السورية التي احتلتها بعد سقوط نظام الأسد لكنها ترفض الانسحاب من جبل الشيخ، كما تهرّب مصدر سياسي رفيع من الإجابة على أسئلة تتعلق بتقييم إسرائيل للقيادة الجديدة في سوريا".
أمّا التطبيع والاتفاق فمؤجلان وغير مطروحين حالياً، وهما مرتبطان بهضبة الجولان التي ما تزال على الطاولة، إضافة إلى حقيقة أن سوريا الجديدة لن تخرج أبداً عن التوافق والإجماع العربي..
وختمت الصحيفة العبرية بأنّ "التنسيق الأمني غير المباشر سيستمر، لكن لا إعلان رسميا بشأن العلاقات مع سوريا في المستقبل القريب، وأميركا لا تضغط على إسرائيل ومن وجهة نظرها ستفعل الأطراف ما تراه مناسباً لها".
هنا لا بد من التذكير أيضاً بتصريحات الرئيس السوري أحمد الشرع عن مفاوضات غير مباشرة والتمسك أولاً باتفاق 1974، وربما يكون انفتاح على تحديث توسيع وتقوية القوات الدولية (أندوف) –نظير يونيفيل في لبنان– وتشكيل لجنة للإشراف على التنفيذ بحضور أميركي مع سيطرة وسيادة الدولة السورية على كامل أراضيها والتزامها بالاتفاق كجزء من دفاعها عن مصالحها وأمن مواطنيها وحصرية احتكار السلاح والقوة -مصطلحات مستخدمة بكثرة في لبنان الجديد- مع الرفض القاطع لانتهاك إسرائيل للاتفاق في جبل الشيخ والمنطقة العازلة.
أمّا التطبيع والاتفاق فمؤجلان وغير مطروحين حالياً، وهما مرتبطان بهضبة الجولان التي ما تزال على الطاولة، إضافة إلى حقيقة أن سوريا الجديدة لن تخرج أبداً عن التوافق والإجماع العربي ما يعيدنا إلى تصريح رئيس الوزراء اللبناني نواف سلام عن المبادرة العربية، مع الإشارة كذلك إلى أن سوريا الجديدة لن تتخلى عن دورها تجاه فلسطين والقضايا العربية الأخرى، وكانت وستبقى قلب العروبة النابض لكن وفق المنطق الصحيح القائل أولاً: بضرورة استعادة الجسد السوري المنهك، عافيته، والقلب المتعب، نبضه الطبيعي.