الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "سوريا الثمانينات"..من جديد

"سوريا الثمانينات"..من جديد

13.10.2018
إياد الجعفري


المدن
الخميس 11/10/2018
بعيد مجازر حماة 1982، شاع بين السوريين، توصيف النظام للحمويين بأن "صوفتهم حمراء". فكانوا دوماً، عرضة للتُهم، وسوء الظن، من جانب أجهزة النظام الأمنية. واليوم، يعيش سكان مناطق الغوطة الشرقية، وريف حمص الشمالي، وبعض مناطق درعا، تجربة "الحمويين" ذاتها تقريباً.
وفي ظهوره الأخير، أمام اللجنة المركزية لحزب البعث الحاكم، اعتبر بشار الأسد، أن أولويته، في الوقت الراهن، هي "معركة إعادة تأهيل بعض الشرائح التي كانت في حاضنة الفوضى والإرهاب"، لكي لا " تكون هذه الشرائح ثغرة يتم استهداف سوريا في المستقبل من خلالها".
استخدام بشار الأسد لتوصيف "المعركة"، يظهر عدائيته العالية حيال سكان تلك المناطق، التي كانت إلى وقت قريب، معاقل شرسة مناوئة له. وهي عدائية تشابه تلك التي تعامل بها، نظام الأسد الأب، مع سكان المدن والبلدات التي كانت معاقل لنشاط الأخوان المسلمين الميداني، في الثمانينات، وكانت حماة في المقدمة، وبدرجات أقل، حلب، وبلدات في ريف إدلب. وحتى بعد القضاء النهائي على النشاط الميداني للأخوان المسلمين، بقيت العدائية ظاهرة وجليّة في تعامل أجهزة النظام، مع أبناء تلك المناطق. واستمر ذلك لفترة ربما تجاوزت عقداً من الزمان.
واليوم، في المناطق التي استعادها النظام خلال العام الجاري، تنشط أجهزته الأمنية لبث الخوف في أوساط الناس بكثافة. وتروّج الشائعات عن امتلاك النظام تقنيات تسمح له بالتجسس على المكالمات التي تتم بين أبناء تلك المناطق وبين أقاربهم وأهاليهم الذين هاجروا إلى مناطق سيطرة المعارضة في الشمال. ويصبح التواصل مع الداخل أكثر صعوبة. وتصبح المحادثات الهاتفية موجزة، وعمومية، يسودها الحذر.
وفقد العديد من وسائل الإعلام السورية المعارضة، التواصل مع نشطاء محليين، في تلك المناطق. ومن غير المعروف، إن كان التواصل انقطع جراء اعتقال الناشط، أم لرغبة الأخير الانكفاء عن العمل الإعلامي المعارض، خشية الاعتقال. لكن، ما هو واضح، أن المناطق التي دخلت في "تسويات" مع نظام الأسد، برعاية وضمانة روسية، تحولت إلى معتقلات كبيرة لسكانها، حتى أن الخروج والدخول إليها، يخضع للكثير من التدقيق الأمني، على حواجز نظام الأسد.
إنه عقد الثمانينات المشؤوم، الذي تنبأ به الكثيرون. فما بعد انتهاء المواجهات الدامية مع المعارضة، سيكون أصعب. حيث يعمل نظام الأسد الابن، على استنساخ تجربة الأب، في اتجاهين، الأول، التأكد من أن حواضن المجتمعات المحلية المعارضة، تم تأديبها، وضمان أن تكون قد دخلت في طور تثبيط أي رغبات بالعودة إلى النشاط المعارض. والثاني، الإمعان في إفقار الناس، وإشغالهم بمتطلبات الحياة المعيشية، التي يصبح تأمينها أصعب فأصعب.
ومن غير الواضح بعد، هل أن النظام يعمل بما يخالف الرغبة الروسية، في تلك المناطق، التي راهن سكانها على الضمانات الروسية، إلى حدٍ ما؟ أم أن الأمر يعبّر عن قناعة روسية بضرورة إعادة بناء حاجز الخوف في أوساط سكان تلك المناطق، تطابقاً مع وجهة نظر النظام؟ لكن من المؤكد، أن الضمانات الروسية تتهاوى. وباستثناء حالات قليلة، تتقلص الأنباء عن تدخل روسي لصالح تنفيذ إحدى الضمانات التي يخرقها النظام. فالمشهد الذي راهن عليه سكان مناطق "التسويات"، حينما لجمت الشرطة العسكرية الروسية، مقاتلين يتبعون للنظام، عن عمليات التعفيش في جنوب دمشق، تراجع، لصالح إطلاق أيدي مؤسسات النظام الأمنية، بصورة شبه مطلقة، في معظم مناطق "التسويات" حول دمشق، وفي شمال حمص، ودرعا.
ويعيد النظام، استخدام تكتياته القديمة ذاتها، التي اعتُمدت في الثمانينات، لتشييد حاجز الخوف. فعادت ظاهرة "المُخبرين" الذين يكتبون تقارير لجهات أمنية عن أي نشاطات مشبوهة في أوساط السكان المحليين، ويتم تجنيدهم من أبناء تلك المناطق، أو أنهم يتبرعون بأنفسهم، بكتابة هذه التقارير بغية التقرّب من أجهزة النظام الأمنية، في حالة "خواء" أخلاقي، شاعت بين السوريين في أوساط الثمانينات، بكثرة، وتعود للحياة مجدداً، حسب شهادات عيان، في مناطق "التسويات"، اليوم.
وعلى غرار طبقة "البعثيين"، في الثمانينات، تظهر اليوم، في مناطق "التسويات" أيضاً، طبقة جديدة، من نشطاء المعارضة سابقاً، ومن قادة "المصالحات"، لتتحول إلى ذراع سيطرة محلي، من أبناء المنطقة ذاتها، تخدم مصالح النظام، وتحظى مقابل ذلك بامتيازات واستثناءات، وتمارس فوقية ملحوظة على أبناء جلدتها. وربما الخلاف الوحيد مع طبقة "البعثيين" في الثمانينات، أن الطبقة الجديدة الناشئة اليوم، لم يتم أدلجتها بعد، فيما يبدو أنه استنساخ للتجربة الشيشانية، التي تحولت فيها قوى معارضة إلى حلفاء للروس وإلى ركائز لهم، في ضبط أبناء جلدتهم.
وهكذا، يبدو أن رافعي شعار "كنا عايشين"، أولئك التوّاقين لسوريا قبل العام 2011، تحديداً سوريا التي عاشوا فيها خلال العقد الأول من القرن الحالي، سيعانون من إحباط مزمن. فآمالهم بأن تعود "سوريتهم" المفقودة، حالما تنتهي "الحرب"، ستتحطم أمام مشاهد "سوريا الثمانينات" التي ستتفاقم خلال المرحلة المقبلة.