الرئيسة \  واحة اللقاء  \  سرقة الثورة السورية… ونظام الأبارتايد

سرقة الثورة السورية… ونظام الأبارتايد

16.09.2021
رياض معسعس


القدس العربي
الاربعاء 15/9/2021
يدخل منزلك لص محترف خلسة بعد ترصد، في ليلة حالكة. يعرف أن المنزل يحوي ما غلا ثمنه، وخطط لسلبه، وإذا واجهته صوب إليك سلاحا فإما أن يقتلك، أو يطردك من منزلك ويتملكه في ظل انعدام القانون، وهيمنة شريعة الغاب. كما فعل الصهاينة مثلا في فلسطين حيث احتلوا الأرض وطردوا أهلها، واليوم تنعت دولة الاحتلال بدولة الأبارتايد.
الحالة هذه تشبه إلى حد بعيد ما يقوم به النظام السوري مع أهل سوريا منذ اندلاع الثورة.
النظام الديكتاتوري
الثورة السورية هي أعز ما يملك معظم الشعب السوري (أستثني بعض الموالين، والمتملقين، والنفعيين، والمتسلقين) لأن الشعب السوري كان سيملك أعز ما يصبو الإنسان تملكه: الحرية. وهذه الكلمة هي أكثر ما يخيف نظاما ديكتاتوريا، طائفيا، قمعيا. يسعى لأن يكون ومن يدعمونه أقل أقلية في مواجهة الأكثرية كي يتسنى له الاستمرارية.
لقد قدم السوريون أعز ما يملكون: دماء أبنائهم، وممتلكاتهم، من أجل هذه الكلمة: الحرية.
وأعتقد النظام أن سقوط زين العابدين بن علي، ثم سقوط رؤوس أنظمة أخرى كما في لعبة دومينو أنه سيكون محصنا ضد الحرية، وضد الأكثرية، طالما أنه عمل خلال أربعة عقود على “تدجين” الشعب السوري بعد ترويعه في مجازر تدمر، وحماة، وحلب وسواها، ونظام المخابرات المتمرس يرصد كل نأمة تصدر عن أي سوري والسجون مليئة بهؤلاء الذين انتهى الأمر بكثير منهم إلى الموت تحت التعذيب.
بالطبع لم يكن هذا التصور صحيحا، بل كان مفاجئا له أن هناك من تجرأ في درعا، مهد الثورة، وخرج ليعلن بصوت عال: ” الشعب يريد إسقاط النظام ” بعد اعتقال أطفال وتعذيبهم، وقتل الطفل حمزة الخطيب، أول أيقونة للثورة، تحت التعذيب. إذن لا بد من سرقة الثورة بوصمها بالتقليعة المعتمدة من قبل كل نظام ديكتاتوري: بالإرهاب.
وكما تنعت دولة الاحتلال والأبارتايد الفلسطينيين بالإرهابيين وتقتلهم جهارا نهارا دون أن يحرك أحد ساكنا، بدأ النظام يقتل “الإرهابيين” السوريين المطالبين بالحرية، وكالساحر الذي يخرج الأرانب من أكمامه، أخرج النظام كل الإسلاميين من سجونه ليكمل فصول المسرحية تحت عنوان الإرهاب.
كل الميليشيات التي انضوت تحت مظلة الإسلام السياسي، أو “التكفيري”، أو “الجهادي” سواء كانت تتبع النظام، أم تتبع دولا خارجية، أو حتى ذاتية التمويل إن وجدت، صبت مياها كثيرة في طاحونة النظام، لأنه اتخذها كذريعة لضرب كل من شكل خطرا على وجوده، وسرقة الثورة، وأولهم الجيش السوري الحر عند انطلاقته وبدء الانشقاقات في جيش النظام.
خلال عامين من المواجهات الشرسة، والمجازر وخاصة الكيميائية منها، كاد النظام أن يهوي كمارد بقدمين من فخار فسارع لطلب النجدة من حليفيه: روسيا وإيران.
قمع الحريات
إذا كان نظام الأبارتايد الذي يطبق في فلسطين على أساس دين وعرق ( وفي الهند، ومينامار)، أو كما كان يطبق في أمريكا وجنوب إفريقيا على أساس اللون، فإن النظام السوري يطبق أبارتايد من نوع آخر على الشعب السوري على أساس موال ومعارض، فمن كان مواليا له الحق في العيش تحت سيطرة النظام في المدن التي دمرها سابقا ويخضع لكل إملاءات النظام، ويتحمل الأزمات، وغلاء المعيشية، وقمع الحريات، وفقدان الكهرباء، والوقوف ساعات بطوابير الخبز والغاز، والمحروقات، ولا يحق له أن يصدر عنه أي احتجاج وإلا فعقابه معروف، والمطلوب من الجميع الصمت بصبر، وكتمان الغيظ وإلا فالعصا الغليظة تتولى أمره.
أما كل معارض يجهر بمعارضته ويستمر في المطالبة بالحرية ويجابه النظام فله شأن آخر: إما أن يصبح لاجئا في زوايا الأرض الأربع ويسكن المخيمات في البلدان المجاورة كتركيا، ولبنان، والأردن، أو يحاول الوصول إلى أوروبا مشيا على الأقدام، أو تهريبا عبر البحار مع خطر ابتلاعه كما حصل مع آلاف السوريين. أو أن يستقل الحافلات الخضر لترحيله قسريا من مدينته وبيته (الذي يتم احتلاله فوريا من قبل الميليشيات الطائفية) إلى آخر معقل للمعارضة: إدلب.
وقد قالها بشار الأسد بالفم الملآن :” الأحداث في سوريا جعلت الشعب السوري أكثر تجانسا” أو بمفهوم آخر أن النظام نجح في سياسة الأبارتايد المعتمدة في عملية توازن بين أكثرية السنة والأقليات ومنها الطائفة العلوية.
إدلب: “غيتو” المعارضة
لقد عمل حليف النظام الروسي ضمن سياسة منهجية خبيثة هي الدخول في مفاوضات سياسية مع كل جيب معارض على حدة تحت مسمى “مناطق خفض التصعيد” مع استخدام العصا “لمن عصا” بقصف مركز بكل أنواع الأسلحة بما فيها الكيميائي. والشرط تسليم الأسلحة وركوب الحافلات الخضر والتهجير إلى المعقل الوحيد الذي مازال صامدا للمعارضة: إدلب.
لقد تحولت محافظة إدلب إلى ” غيتو” (معزل. كما كانت “غيتوات” الهنود الحمر في أمريكا، واليهود في أوربا). وهذا “الغيتو ” السوري مصيدة أخيرة حشر فيها كل الرافضين لنظام بشار الأسد، حيث يتم قصفها بشكل يومي من الروس وقوات النظام، والميليشيات الطائفية التابعة للفرس، ويطبق عليها حصار خانق. لكنها تشكل مع الوقت ” غيتو سنيا” يصار إلى عزله. كما تفعل دولة الاحتلال بمحاولتها تهويد هويتها وعزل نفسها لتصبح “أكبر غيتو يهودي في العالم”
درعا مهد الثورة ودرعها
بقيت درعا شوكة في حلق النظام فمنها انطلقت ثورة السوريين، وظلت تواجهه حتى آخر نفس، عسكريا وشعبيا ( تجلت المواجهة الشعبية للنظام برفض مسرحية انتخابات بشار الأسد والخروج في مظاهرات مناهضة تطالب بإسقاط النظام، بالإضافة إلى مواجهات عسكرية واغتيالات)، وبالسيطرة على درعا يعتقد النظام أنه يطفئ جذوة الثورة في مهدها.
اليوم لعب الروس لعبتهم كما في السابق، وتخلوا عن وعودهم كما جرت العادة، يرغمون ثوار درعا تحت التهديد إما بقصف المدينة بالطائرات، أو الترحيل إلى “غيتو” المعارضة في إدلب.
لقد استنجدت لجنة المفاوضات بكل زعماء العرب والعالم لدعم موقفهم وعدم ترحيلهم وقصف مدينتهم، إلا أن أحدا لم يكلف نفسه بتقديم الدعم، حتى في تصريح يندد بما يجري في درعا. فقط دولة قطر من بين كل دول الجامعة العربية نددت بقصف المدينة.. أما ما تبقى فكأن على رؤوسهم الطير والبقية تأتي.
كاتب سوري