سأحكيها لكم على بلاطة..
الموقف السياسي يُصاغ كما الذهب، والرأي السياسي يعلن على منبر من الشجاعة واللباقة وحسن التأتي، وجميل الأدب..
أما علم السياسة فيقرر كما يشرح الفقيه الأحكام، أو كما يتصرف الطبيب على المشرحة..
منذ زمن طويل أتشهّى أن أعلّم سياسة.. كما تعلمتها..في فصوصها وليس في نصوصها فقط..ثم يغلبني الخوف فأخاف!!
أتساءل هل أجرؤ أن أنقل النصوص والمقررات والتجارب كأنني في مختبر.. ؟؟ والعلم عند العلماء واحد، ماصدقوا وأخلصوا،
منذ زمن أتشهى ولا أجرؤ…
نعم لا أجرؤ..
كان النحويون إذا طلب أحد أن يقرأ عليهم كتاب سيبويه، يسألونه: هل ركبت البحر قط؟؟
وعندما درّسنا شيخنا كتاب " فتح باب العناية بشرح النقاية" في الفقه الحنفي..
طرح علينا بين يدي تلك الدروس اللؤلؤية، السؤال نفسه: قال إنه علم الفقه!! فهل ركبتم البحر قط؟؟
بدأنا بدراسة الكتاب على الشيخ رحمه الله تعالى، وهو ملازم في المطبعة..
أكشف لكم سرا ولا تحكوه لأحد إلا لخواص الخواص، وكان عندي كتاب في مكتبتي في حلب عنوانه "خاص الخاص" للثعالبي.. كتاب أدب ومختارات وملح…
أما السر ااذي أخصكم به وأبخل به عن سواكم فهو: "الشيخ يغني عن الكتاب، والكتاب لا يغني عن الشيخ" أقرر هذا أيها الصَّحفيون، وهذه حققها الرافعي فقال هي بفتح الصاد وليست بضمها..
كانت الرزية التي لا رزية مثلها يوم تركنا الشيخ رحمه الله تعالى ونحن في الفصول الأولى من كتاب فتح باب العناي!! تركنا وهـُجّر أو هاجر..
فبقينا نتخبط بين الصفحات..
وأعود بكم إلى علم السياسة…
وبدأت العلم من أرسطو بترجمة شكري عياد والفارابي وابن سينا ثم الخراج لأبي يوسف ثم الأموال لأبي عبيد ثم نحو سبعين كتابا من صناعة أهل الإسلام
ثم أمثال أمثالهم من كتب كل من كتب في السياسة من قديم وطارف..
أريد أن أفضي إليكم ببعض ما يقوله أصحاب الجلوات في جلواتهم، وأصحاب الخلوات في خلواتهم وبعض البوح الذي يُباح لأهل العشق في غمراتهم فأذكر قول الإمام حجة الإسلام الغزالي رحمه الله تعالى وأعلى مقامه في عليين: "كلام أهل العشق في حال السكر يُطوى ولا يُحكى.." فأطوي!!
وأقول لكم محبة من أراد أن يدرس علم السياسة فليركب البحر المحيط..
فهل إلى ذلك من سبيل؟؟
وكيف ينطق من في فمه ماء؟؟ وهكذا اختصروا لنا المأساة، قالوا: إن رجلا أراد أن يعلم ابنه علم الحديث؛ فيدأ بتحفيظه كتب الموضوعات، ثم الكتب الضعيفة.. فلما حفظ الفتى وتمكن وأتقن، فاجأه أبوه: اعلم يا بني أن كل ما حفظته موضوع وضعيف حتى لا تغرّ فتعرٌ وأما الصحيح فهو ما وراء ذلك!!
وأما الصحيح فهو ما وراء ذلك؟؟ هل التثت الظُّلم مع غياث الأمم؟؟
29/11/2025