الرئيسة \  تقارير  \  زيارة الشرع إلى فرنسا تبشر بمكاسب متعددة الأوجه

زيارة الشرع إلى فرنسا تبشر بمكاسب متعددة الأوجه

11.05.2025
حسن الشاغل



زيارة الشرع إلى فرنسا تبشر بمكاسب متعددة الأوجه
حسن الشاغل
سوريا تي في
السبت 10/5/2025
تُعد زيارة الرئيس السوري الشرع إلى فرنسا أول زيارة رسمية لرئيس سوري إلى أوروبا منذ عام 2011.
وتمثل الزيارة نقطة تحول مهمة في مسار العلاقات السورية الفرنسية - والسورية الأوروبية. وتأتي هذه الزيارة في ظل تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي. وتُشير هذه الزيارة إلى وجود نية متبادلة لتجاوز مرحلة الجمود والانفتاح على فرص التعاون المشترك. ولا تقتصر أهمية الزيارة على بعدها الرمزي في كسر العزلة السياسية، بل تتعداها إلى آفاق ومكاسب متعددة الأوجه، تشمل الجوانب الاقتصادية، والاستثمارية، والسياسية والأمنية.
وتأتي الزيارة في وقت حساس من عدة نواح، حيث تشهد سوريا توترات داخلية، وبعد تشكيل الحكومة المؤقتة والإعلان الدستوري واستعداد السلطة الجديدة في سوريا على التموضع في المنظومة العالمية والاقليمية، وتوترات مع اسرائيل.
ويُنتظر أن تفتح هذه الخطوة الباب أمام مرحلة جديدة من التفاعل السوري-الأوروبي، تقوم على المصالح المتبادلة، والاستقرار الإقليمي. ومن هذا المنطلق، تهدف هذه المقالة إلى مناقشة المكاسب المحتملة من جراء زيارة الرئيس الشرع إلى فرنسا.
إسرائيل تعمل من خلال الضربات العسكرية الجوية على إضعاف "نسبي" قوة الحكومة في المركز الممثلة بحكومة دمشق الحالية لصالح الأطراف الممثلين بقوات قسد، والفصائل الدرزية، وفلول النظام في الساحل.
ضبط الحالة الأمنية
لا يمكن إغفال الدور الأمني الفرنسي في منطقة الشرق الأوسط. ففي آخر اجتياح إسرائيلي للبنان بعد طوفان الاقصى، ضغطت فرنسا بجدية على إسرائيل لإنهاء العمليات العسكرية البرية، وإلى تراجع قواتها، بما يضمن استقرار لبنان، وعدم جرها إلى حرب مفتوحة مدمرة تخلط الموازين الداخلية. وهذا المقاربة التي تبنتها فرنسا تجاه لبنان ليست ببعيدة عن مقاربتها تجاه سوريا، وقد تحاول باريس أن تتدخل في الملف السوري الأمني المرتبط بإسرائيل، من خلال لعبها دوراً في التنسيق أو التفاوض غير المباشر بين الدولة السورية وإسرائيل، لوضع الخطوط العريضة التي تضمن الأمن على حدود الطرفين، ويمنع الانزلاق في حرب قد تدخل المنطقة في حالة عدم استقرار كبيرة.
ومن المهم التنويه له، أن إسرائيل تعمل من خلال الضربات العسكرية الجوية على إضعاف "نسبي" قوة الحكومة في المركز الممثلة بحكومة دمشق الحالية لصالح الأطراف الممثلين بقوات قسد، والفصائل الدرزية، وفلول النظام في الساحل، إلا أنها حذرة بذلك ولا تريد إسقاط حكومة الشرع، الذي يعد الشخصية الوحيدة القادرة على ضبط الحالة الأمنية في البلاد، وهنا لا نقصد فقط فلول النظام وقوات قسد والقوات الدرزية، بل ضبط الحالة الفصائلية التي كانت منتشرة في سوريا.
وإذا ما تدخلت فرنسا لضبط سلوك إسرائيل تجاه سوريا من عمليات قصف واحتلال أجزاء من محافظة القنيطرة، فإن ذلك سيساعد في استقرار البلاد، ويبدد حالة التخوف بين الطرفين، وينهي حالة التمرد لبعض الأطراف داخل سوريا، ويقطع الطريق أمام حصولهم على الدعم الإسرائيلي.
رفع العقوبات وإحياء الشراكة السورية الأوروبية سيفتح المجال أمام سوريا لتصدير صناعتها الرائدة في قطاع الصناعات النسيجية والزراعية إلى الأسواق الأوروبية مجدداً
مكاسب اقتصادية
قبل عام 2011، كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأكبر لسوريا، بحجم تبادل تجاري بلغ نحو 7.18 مليار يورو عام 2010. لكن بعد اندلاع الثورة السورية، فرض الاتحاد عقوبات صارمة شملت حظر استيراد النفط، وتجميد الأصول، وفرض قيود على التصدير والاستثمار، مما أدى إلى تراجع كبير في التبادل التجاري إلى 396 مليون يورو بحلول عام 2023.
في فبراير 2025، اتخذ الاتحاد الأوروبي خطوة نوعية بتعليق بعض العقوبات الاقتصادية، خصوصاً في قطاعات الطاقة، النقل، والمؤسسات المالية، في إطار السعي لإعادة دمج سوريا في المنظومة الاقتصادية العالمية.
وبعد انتهاء زيارة الرئيس السوري الشرع إلى فرنسا صرّح وزير الخارجية أسعد الشيباني "أن الزيارة مثلت نقطة تحول نحو رفع العقوبات، وتعزيز السلام والاستثمار في المنطقة".
رفع العقوبات وإحياء الشراكة السورية الأوروبية سيفتح المجال أمام سوريا لتصدير صناعتها الرائدة في قطاع الصناعات النسيجية والزراعية إلى الأسواق الأوروبية مجدداً.
وفيما يتعلق بملف إعادة الإعمار، الذي تُقدر تكلفته بأكثر من 300 مليار دولار، يُعد فرصة اقتصادية واعدة لكل من سوريا والدول الأوروبية، من خلال تبادل الاستثمار والخبرات. ومشاركة الدول الأوروبية سينعش السوق السورية.
وسوريا في موقع جغرافي يسمح لها بأن تكون عقدة لطرق التجارة الدولية البرية والبحرية، فهي تعد حلقة الوصل بين قارتي آسيا وأوروبا وبين أسواق الخليج العربي وتركيا ودول الاتحاد الأوروبي، وهذا الموقع يوفر للبلاد المرونة والسهولة للوصول إلى الأسواق الدولية المنتجة والمستهلكة، وأن تكون معبراً للسلع الأوروبية المتجهة لأسواق الخليج العربي، ما يمنح سوريا مصدر دخل كبيراً من خلال رسوم تجارة الترانزيت.
ويمكن أن تكون سوريا ممراً لخطوط الأنابيب القادمة من دول الخليج العربي إلى دول الاتحاد الأوروبي. وبحسب منصة الطاقة المتخصصة، تسعى السعودية لتصدير الهيدروجين الأخضر إلى دول الاتحاد الأوروبي. وهو ما يكسب سوريا أهمية جيواستراتيجية للدول الأوروبية، ويكسب سوريا إيرادات مرور خط الأنابيب.
يمثل التقارب الفرنسي السوري تحركاً استراتيجياً يحمل أبعاداً أمنية واقتصادية وسياسية.
شرعية دولية
لا شك أن الزيارة ستكون بمثابة اختبار لمستوى الانفتاح الذي يمكن أن تحظى به حكومة الشرع حالياً ولجدية واستعداد الدول الغربية للتعامل مع القيادة السورية الجديدة. وفي الغالب ستشكل هذه الزيارة نقطة تحول في العلاقات بين سوريا وأوروبا، وقد تفتح الباب أمام إعادة دمج سوريا في المجتمع الدولي، وفق معايير وشروط معينة قد أثارتها فرنسا.
وتأتي هذه الزيارة بعد تعيين قائم بالأعمال فرنسي في دمشق مؤخراً، والذي يمثل اعترافاً رسمياً بالحكومة السورية، والذي سيكون له انعكاس إيجابي على سياسة الدول الأوروبية تجاه سوريا، وقد نشهد في الأيام المقبلة جنوح الدول الأوروبية الأخرى للتعامل الرسمي مع الدولة السورية.
في الخلاصة، يمثل التقارب الفرنسي السوري تحركاً استراتيجياً يحمل أبعاداً أمنية واقتصادية وسياسية. تسعى فرنسا لضبط الاستقرار الإقليمي عبر الحد من التصعيد الإسرائيلي، فيما تفتح الخطوات الأوروبية نحو رفع العقوبات باباً لفرص اقتصادية واسعة تشمل إعادة الإعمار والتبادل التجاري. أما دبلوماسياً، فإن هذا الانفتاح يمنح الحكومة السورية اعترافاً متزايداً ويمهّد لإعادة دمجها في المجتمع الدولي وفق شروط متوازنة.