الرئيسة \  في وداع الراحلين  \  رياح المصيبة تعصف بشجرة الكرام من آل الأميري.. وبعد أحمد البراء، محمد اليمان في ذمة الله

رياح المصيبة تعصف بشجرة الكرام من آل الأميري.. وبعد أحمد البراء، محمد اليمان في ذمة الله

09.03.2024
زهير سالم




في وداع الراحلين
رياح المصيبة تعصف بشجرة الكرام من آل الأميري..
وبعد أحمد البراء، محمد اليمان في ذمة الله
زهير سالم*
وسمى الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز الموت مصيبة؛ فقال (فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ)
وأي مصيبة تنزل في الإنسان أعظم من مصيبة الفقد، يفقد الإنسان أمه أو أباه، أو أخته أو أخاه، أو من لداته من كان موئلا ومن كان سميرا، ومن كان مؤنسا، ومن كان أملا كبيرا…
ولا أخفي عليكم ضعفي، وإن كان يجب أن يُستر، وأنا الذي خلقت من ضعف وجبلت عليه، وأظل أحيانا أتردد في قبول حقيقة أن بعض من أعتدهم في حياتي ماتوا، وإن كنت أحفظ مثلكم خطاب الله لنبيه صلى الله وسلم عليه: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ)..
ولا أكتمكم أنني أظل أتمضمض بطعم فقد بعض الأحباب عدد سنين. وآبى حتى أن أحذف أسماءهم عن صفحات تواصلي، أو أرقامهم عن سجل هاتفي..!! وأقول لعلي…ولا علّ لعلي.
وبلغني هذا الصباح نبأ وفاة الاخ الرقيق الجميل محمد اليمان، ابن استاذ جيل، ومعلَمٍ من معالم حلب الأصيلة؛ عمر بهاء الدين الأميري، عين الأعيان، وحامل المهم والأهم، رجل الفكرة والسياسة، والرياسة بحق؛ حين يقصر بحقها المقصرون..
بلغني صباح اليوم، وكلنا يستعد لوداع شعبان، واستقبال رمضان، نبأ وفاة الأخ السعيد المفضال محمد اليمان الأميري، فقلت كيف وما زلت أتجرع نباء رحيل شقيقه أحمد البراء فلا أكاد أسيغه، مع علمي أنه من قدر الله الغالب الذي لا يستقبل إلا بالتسليم، وإلا بمقولة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)
وفاة الأخ أحمد البراء، وأنا ما زلت أظنها وقعت منذ شهر، أربكتني، بل ضعضعتني، وأنا أجد من حولي يسارعون للحديث عن البراء المثقف، والبراء المفكر، والبراء المعلم، والبراء الشاعر، والبراء الناقد..فزادوا من مصيبتي ومن لأوائي؛ كنت أستقبل كل هذا بصمت، وأتساءل في جواني الجواني من نفسي: وي ثم وي أيها النائحون؛ فإذا كنتم تعلمون كل هذا عن أحمد البراء، فأين كنتم منه؛ حين كنتم تقضون أمور الناس، فتقضون عليهم، بوشل من رأي، وقليل خبرة، ومن تدبير…!! حتى إذا هلك الصديق الجميل يوسف قالوا…ذاك شأن في الناس مكرور.
لم أكتب كلمة في وداع أحمد البراء رحمه الله تعالى، وظل ضميري لذاك يئن؛ لأني وآه من لأني ومن كأني..
كانت العرب، إذا فقدت في المشاهد رجالها؛ سألت أو تساءلت: وما فعلَ فلانٌ؟ وما فعل فلانٌ؟ وما فعل فلانٌ؟ يعنون وأين هم؟ وكيف غابوا وما حضروا، ويظن المزاحمون على القصاع والكراع، أن مثل هؤلاء الرجال يزاحمونهم على الفتيت والسخين…!!
وأعلم وراء هذا الشأن السوري المضطرب اليوم، رجال يجب أن تضرب رواحل الصادقين في البحث عن الصواب من الناس، ولو أردت أن أعدد لزدت؛ وقديما قالت: العرب: في بيته يؤتى الحَكَم؛ فأين نحن من رجال للرأي منهم فلان وفلان وفلان والبراء واليمان؟؟
وقال بعض الناس يوما: إن سورية لم يعد فيها رجال، وأقول بل لم يعد فيها من يعرف أقدار الرجال. وصار فيها الكثير من الذين يقولون "هم رجال ونحن رجال"
توفي أحمد البراء رحمه الله تعالى بصمت، وقد ذكرت لكم بعض ما كتب الكاتبون فيه. كتب الناس، وصمتُ..ليس نكرانا ولا قلة وفاء..
ولكن لأن الذين كتبوا قلبوا عليً المقلاة..
واليوم يغادرنا محمد اليمان في دار هجرته في مدينةالرياض، محمد اليمان الذي كنت أتملى لوحاته الفنية الجميلة، منذ كنا في حلب، قصائد شعر مرقومة على جدران القلوب توحى بخطوطها الممتدة معاني الحياة..
وبعض الشعراء يرسمون بالخطوط وبعض الشعراء يرسمون بالكلمات..
وإنما أرثي أنفسنا إذ أردد مع الأودي:
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم…
اللهم اغفر لأخينا محمد اليمان الأميري وارحمه وزده إحسانا وعفوا وغفرانا..
وأحسن عزاء أسرته وإخوانه أجمعين..
لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم يا رب العالمين..
وهيأ لسورية وللسوريين رجالا أمناء أقوياء يخرجوننا من هول ما نحن فيه.
وإنا لله وإنا إليه راجعون
لندن: ٢٦/ شعبان/ ١٤٤٥
٧/ ٣/ ٢٠٢٤
____________
*مدير مركز الشرق العربي