الرئيسة \  برق الشرق  \  رسالة مفتوحة إلى شباب تظاهرات تشرين الأبطال

رسالة مفتوحة إلى شباب تظاهرات تشرين الأبطال

12.11.2019
هيئة علماء المسلمين في العراق



أصدرت الأمانة العامة في هيئة علماء المسلمين في العراق؛ رسالة مفتوحة إلى شباب تظاهرات تشرين الأبطال، وإلى أبناء العراق جميعًا، وفيما ياتي نص الرسالة:
رسالة مفتوحة إلى شباب تظاهرات تشرين الأبطال
هيئة علماء المسلمين في العراق
يمر العراق في هذه الأيام بمرحلة خطيرة جدًا من تأريخه المعاصر؛ حيث أوصل النظام السياسي القائم فيه البلاد إلى أوضاع كارثية ومأساوية لا يمكن وصفها، وعلى كل المستويات: السياسي منها والأمني والاقتصادي والمعيشي والاجتماعي والثقافي.
وقد جرب الشعب العراقي على مدى سنوات طويلة كل الحلول الممكنة، ولجأ إلى كل طرق الرفض والتعبير عن رأيه فتظاهر واعتصم واحتج، ثم قاطع أخيرًا الانتخابات الماضية مقاطعة هي الأكبر منذ الاحتلال في عام 2003م، في مؤشرٍ واضح على تصاعد نسبة الوعي ووتيرة النقمة على النظام المحاصصي الطائفي الذي وضع العراقيين بين خياري الحياة المرة أو الموت البطيء.
وعلى الرغم من كل ذلك استمر العالم وما يُدعى بالمجتمع الدولي في سكوته المقصود على الجرائم البشعة التي ترتكب بحق العراقيين جميعًا، وهكذا وصلت الأمور إلى النقطة الحرجة، التي لا عودة عنها وانفجر غضب العراقيين عبر شبابهم في انتفاضتهم الرائعة في مطلع تشرين الأول؛ لتضع العراق على أبواب التحرير بعون الله تعالى، بتضحيات شبابه ودعم العراقيين جميعًا لهم.
ياشباب العراق
لقد أدهشتم العالم كله بفعلكم البطولي، الأصدقاء منهم قبل الأعداء، وأرسلتم رسالة قوية وواضحة إلى العالم كله بأنكم رجال إرادة صلبة لاتنثني أمام وعود الخائبين وتوسلات الفاسدين وقمع المستبدين.
ونجدنا اليوم أمام واقع استشرفناه منذ أكثر من عشر سنين، حينما وجه الشيخ حارث الضاري (رحمه الله) رسالة إلى العشائر العراقية في العاشر من تشرين الثاني من عام 2007م؛ مبينا فيها المخاطر التي تهدد العراق، وأشار إلى ما ينادي به شبابنا اليوم، داعيًا ومبشرًا ومطمئنًا ومنبهًا؛ حيث قال: ((أما مستقبل العراق فلن يستأثر به أحد، فنحن قادرون جميعًا -بإذن الله- على رسم مستقبل له لا يُقصى منه أحد، تناط فيه الأمور بأهل الكفاءة وذوي القدرة على مجاوزة المحنة وإعادة إعمار البلاد دون النظر إلى الطائفة أو العرق، ويكون قوامه التداول السلمي للسلطة بالوسائل المشروعة، ويحظر فيه أي عمل سياسي يعتمد برامج طائفية أو عرقية، ويمكننا أيضًا الاتفاق على دستور جديد للبلاد، يحفظ حقوق الجميع بعيدًا عن حراب الاحتلال وأطماع الطامعين، دستور يشارك فيه الجميع بلا استثناء، وليس كدستور الاحتلال الذي غيب إرادة الشعب العراقي، وصِيغَ على نحو يلبي رغبات المحتل وفئات سياسية معينة متورطة معه يعرفها الجميع)).
نعم هذا هو ما يحتاجه العراقيون اليوم، وهو عين ما عبر عنه شباب تظاهرات تشرين في مطالبهم المعلنة الداعية إلى تغيير واقع البلاد تغييرًا كاملًا، واقتلاع أسس النظام السياسي الذي يقمعهم الآن بآلات الحديد والنار.
يا أبناء العراق
لقد أثبتم صدقكم وصبركم وجهادكم ومطاولتكم، وقبرتم بحبكم للعراق الطائفية والعرقية، وفضحتم خِداع الجلادين وأكاذيبهم، ودفعتموهم إلى مأزق كبير يحاولون الخروج منه بكل الوسائل: الدموي منها وغير الدموي.
فالشكر لكم جميعًا ولكل العراقيين: نساءًا ورجالًا، أطفالًا وشيبًا، أصحاء ومرضى، الذين سطروا جميعًا أروع مشاهد التضحية والتكاتف الوطني والإبداع في حب العراق.
أما فرسان ساحة التحرير، ورماة (جبل أحد) فبخٍ بخٍ بهم؛ فهم الثلة الشجاعة التي أبت على نفسها إلا أن تحمي إخوانها من على برج الشرف وصهوة المجد في ساحة التحرير.
وكذلك فعل فيلق (التكتك) المغوار، وأبطال السواتر الفدائيون، وصيادو قنابل الغاز الشجعان.
أيها الإخوة
ليست هناك قوة على وجه الأرض أقوى من الشعب إذا توحد وتنفس هواء الوطنية النقي، وقد أكدت هذه الحقيقة انتفاضة تشرين، وكشفت عن ضعف (سكنة المنطقة الغبراء) وهزالهم على عكس ما كانوا يروجون؛ فقد وضعتهم هذه الانتفاضة في مأزق كبير وأججت الصراعات بينهم، وجعلتهم في حيرة من أمرهم في كيفية إنهاء الانتفاضة، فهم مختلفون بينهم ولا يستطيعون أن يتفقوا على حل؛ لأنهم مسلوبو الإرادة، ولا يريدون للعراق خيرًا، وهم بغير مصالحهم ومصالح أسيادهم لا يأبهون.
وهاهم يعمدون يائسين إلى خدعة انتظار احتدام الصراع، ثم فتح مناقصة للأطراف المتسلطة لترسو المناقصة على من يقدم تنازلات أكثر كما يتوهمون، غافلين عن رفض العراقيين لهذا المنطق الرخيص؛ الذي يسعى لبقاء النظام بكل سوآته وجرائمه.
يا أبطال ساحة التحرير
ستبلغ هذه التظاهرات النقطة الحرجة التي تغير المسار السياسي في البلد؛ لأنها فعل جماهيري غير مسبوق من الشعب في موقف رافض لكل الجهات المتنفذة سياسيًا ودينيًا؛ وعليه ندعوكم إلى ضرورة التعبير عن مطالبكم بكل قوة ووضوح ومن خلال أصوات صادقة وأيدٍ أمينة، فالعمل الذي تقوم به اللجنة المنظمة لتظاهرات تشرين وبياناتها له أثره البارز في جميع الساحات، ولكنه ينبغي أن يخرج للعلن في صورة ما أكثر فاعلية.
وندعو المثقفين العراقيين جميعًا بمختلف أوصافهم ومجالات إبداعهم إلى المبادرة بموقف جماعي ساندٍ ومؤطرٍ لأفكار السقف الوطني الذي عبرت عنه الانتفاضة وبيانات اللجنة المنظمة للتظاهرات، وبما يعزز من انتشار هذا الإطار، ويقوي التحركات السياسية والإعلامية للجنة المنظمة في الساحات الخارجية.
وقد آن للجان الدعم الخارجية أن تُعلن، ولجماعات الضغط في كل مكان أن تنشط لإسناد التظاهرات بكل الوسائل الممكنة في محيطنا القريب والمحيطات الأبعد، والمعول بعد الله على التجمعات العراقية الكبيرة في بلاد الاغتراب التي لها أثر كبير في زيادة ألق الثورة وفاعليتها.
وللمخذلين والمتشككين والمترددين والمعاندين نقول لهم: دعوا خيارنا الوطني يمضي في طريقه، ودعوا من تسمونهم جماعة (سنة وشيعة هذا الوطن ما نبيعه) يجربون خيارهم بعد أن فشلت خياراتكم وطاحت بالأرض توهماتكم، ودعونا نثبت صحة استشرافنا ودقة تعويلنا على أبناء العراق ووطنيتهم، وأكرمونا بصمتكم، وتوقفوا عن ركوب أمواج التظاهرات والتنظير بالأفكار والتشكيك بالقدرات والتمسح بالوطنيات، وقد كنتم من قبل تتهكمون عليها وتعدونها (طينًا) يعبدُ من دون الله.
تحية لشعوبنا العربية والمسلمة في دعمها لانتفاضة العراقيين، وندعوها إلى تفاعل أكبر فهي طريقهم جميعًا للخلاص.
وأخيرًا نقول لإخواننا العراقيين جميعًا ولطليعتهم الشابة: قد آن لانتفاضة تشرين آن تكون (ثورة) تقتلع الباطل وأدواته وذيوله وآثاره من أرض العراق الطيبة، فمرحبا بالثورة التي تصنعون ومرحبًا بالمستقبل الذي تنشدون ياشباب (ثورة تشرين).
الأمانة العامة
13/ربيع الأول/1441هـ
10/11/2019م
--
وحدة إرسال البيانات والتصاريح في قسم الإعلام
هيئة علماء المسلمين في العراق