رسائل ماكرون لتركيا بحضور الشرع
12.05.2025
سمير صالحة
رسائل ماكرون لتركيا بحضور الشرع
سمير صالحة
سوريا تي في
الاحد 11/5/2025
حتى ولو تباعدت الرؤى التركية الفرنسية في التعامل مع العديد من الملفات الإقليمية فلا شيء يزعج أنقرة في أن يفتح الرئيس ماكرون أبواب قصر الإليزيه أمام نظيره الشرع وأن يدعو الغرب لتسريع خطوات رفع العقوبات عن سوريا الجديدة وأن تتبنى باريس دعم إبقاء سوريا موحدة متماسكة في وجه المشروع الإسرائيلي.
حرص الرئيس إيمانويل ماكرون في المؤتمر الصحافي المشترك مع نظيره السوري أحمد الشرع، الذي يزور باريس في أول زيارة رسمية له إلى عاصمة أوروبية بدعوة فرنسية، على توجيه رسالة قوية، لم تخلُ من استعراض للقوة، وكان لتركيا، التي ترى فرنسا أنها تسعى للانفراد بالملف السوري، نصيبها منها. إذا كان الدعم الفرنسي لسوريا الجديدة هو لمصلحة كل السوريين فلم لن ترحب تركيا به حتى ولو أعلنت باريس أنها ستقف إلى جانب الشرع بانتظار تحول الأقوال إلى أفعال؟
يريد ماكرون إقناع دمشق بعدم الإصغاء لما تقوله وتريده أنقرة معولا على طموحات يريد تحقيقها: أن يقود الملف السوري باسم المجموعة الأوروبية، وأن تدعمه واشنطن في ملء الفراغ الذي سيحدث بعد إنسحاب القوات الأميركية من شرق الفرات ، وأن تسهل له تل أبيب مهمة تأمين الضمانات التي تريدها هناك من دون التصعيد العسكري والأمني الذي سيوتر الوضع أكثر فأكثر، وأن يحصل على دعم بعض العواصم العربية التي يقلقها تمدد النفوذ التركي في سوريا ويهمها لعب الورقة الفرنسية ضد أنقرة عند اللزوم.
بين أهداف ماكرون في سوريا وتحريك أوراق "قسد" وإسرائيل والدعم الأوروبي والتوغل في الملف اللبناني والحصول على بعض الدعم العربي لمواجهة النفوذ التركي نيابة عن الجميع. العقبة الأكبر هي مواقف ترمب وتصريحاته حول أن تركيا هي التي فازت في سوريا وإقناع واشنطن بتغيير مواقفها.
لماذا تنزعج أنقرة من حوار فرنسي سوري يرحب بدعم اتفاق "قسد" ودمشق وبضرورة تنفيذ بنوده؟ ومن موقف فرنسي رافض للممارسات والاعتداءات الإسرائيلية ضد سوريا؟ ويدعو لتسهيل رفع العقوبات الغربية عن السلطة الجديدة؟
لماذا تنزعج أنقرة من حوار فرنسي سوري يرحب بدعم اتفاق "قسد" ودمشق وبضرورة تنفيذ بنوده؟ ومن موقف فرنسي رافض للممارسات والاعتداءات الإسرائيلية ضد سوريا؟ ويدعو لتسهيل رفع العقوبات الغربية عن السلطة الجديدة؟
لأن ماكرون يصر على إبقاء آلاف الدواعش في سجون "قسد" وتحت رعايتها وضرورة محاكمتهم حيث هم في سوريا والعراق، وعدم استردادهم. ولأنه يقول أن الانتقادات التي يوجهها البعض في الداخل الفرنسي بسبب حواره مع القيادة السورية في دمشق ينبغي أن تأخذ بعين الاعتبار التمدد التركي في سوريا "لا تتعاونوا معهم ودعوهم تحت نفوذ الأتراك".
ماكرون يرديد استرداد بعض ما فقدته فرنسا على خط الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب القوقاز لصالح اللاعب التركي في الأعوام الأخيرة وهذا من حقه. لكنه يريد من قيادة الشرع أن تسهل له المهمة وتعطيه ما يريد في سوريا تحت عنوان "الحوار المفيد والصارم".
تريد فرنسا أن تعود لإنشاء خط الربط الاستراتيجي القديم بين لبنان وسوريا بعد تراجع نفوذها على أكثر من جبهة. وهي لا تريد التخلي عن ملف شرق المتوسط وخطط استخراج وتصدير الغاز ونسف التكتل السباعي الذي شيدته قبل 5 سنوات بدعم إسرائيلي يوناني. كما أنها تحمل أنقرة مسؤولية ذلك خصوصا في بلدان الاستعمار الأفريقي وجنوب القوقاز وخسارة الملف الأرمني هناك لصالح تركيا وروسيا.
وضع ماكرون على رأس لائحة المطالب التي يريدها من الشرع تسريع المرحلة الانتقالية وإنجاز وعود التغيير والإصلاح السياسي والدستوري والاجتماعي، لكنه لم يهمل "ضرورة طمأنة" إسرائيل، وتفعيل الحوار الإيجابي مع لبنان ومواصلة الحرب ضد حزب الله وداعش، والتعاون مع الشركاء الغربيين، والانفتاح على " قسد ".
ذهب الشرع إلى فرنسا في محاولة لسحب ورقة "قسد" من يد الغرب، لكن ماكرون فاجأه بإعلان "عدم ترك الأكراد السوريين دون دعم فنحن مدينون لهم بالولاء". أولويات باريس حسب التسلسل الفرنسي في سوريا هي تسهيل إعادة اللاجئين، تأخير انسحاب القوات الأميركية، رفع العقوبات بحسب الأفعال وعلى ضوء تقييم ما بعد 6 أشهر، وتأمين حماية مخيمات "داعش" في شرق الفرات ومحاكمة عناصره حيث هم في سوريا والعراق.
المشجع أكثر من غيره كان أن يسمع الشرع من ماكرون نفسه، أن فرنسا ستعمل على عدم تمديد العقوبات الغربية ضد سوريا، وأن ما تقوم به إسرائيل ممارسات سيئة، حيث لا يمكن حماية أمن بلد ما من خلال تعريض أمن بلد آخر للخطر خصوصا وأن الرئيس السوري أعلن بحضوره عن محادثات غير مباشرة تتم مع إسرائيل عبر وسطاء.
الفارق في المواقف وحجم التنسيق في التعامل مع السلطة السورية الجديدة واضح بين أنقرة وباريس منذ لحظة سقوط نظام بشار الأسد . فرنسا تقول على لسان وزير خارجيتها جان نويل بارو أنها لا تكتب شيكا على بياض وسترصد الأفعال وليس الأقوال . وتركيا سلمت الشيك لأحمد الشرع قبل أشهر طويلة على طريق إسقاط النظام وبناء الدولة السورية من جديد.
تواصل تركيا عرقلة التمدد الفرنسي في أكثر من بقعة جغرافية تباعدت المصالح والحسابات بشأنها . بالمقابل تعمل فرنسا على الحد من طموحات أنقرة الإقليمية، لكن في المشهد السوري لا يمكن لأنقرة تجاهل حقيقة بروز فرنسا كلاعب يقود الملف باسم المجموعة الأوروبية وهي التي بعثت بوزير خارجيتها جان نويل بارو، بصحبة وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك إلى دمشق لتهنئة الشرع بتوليه منصب الرئاسة ودعوته لزيارة باريس. وأن فرنسا قد تقود عملية التحول في المواقف السياسية الأوروبية حيال سوريا ومسألة رفع العقوبات عنها، إلى جانب ممارسة المزيد من الضغوطات الأوروبية على تل أبيب لوقف اعتداءاتها على سوريا. وأن ترتيب باريس للمؤتمر الدولي حول سوريا في منتصف شباط المنصرم كان مؤشرا سياسيا مهما باتجاه ترجمة هذه السياسات .
رغم التباينات الحادة بين السياسات التركية والفرنسية في سوريا، تلتقي مصالحهما في ملف تسهيل عودة اللاجئين ومكافحة الإرهاب وعودة الاستقرار مما يخفف أعباء البلدين الأمنية والمادية، ودعم انتقال سياسي يضمن الاستقرار تحت عنوان "سوريا موحدة".
كما أن كلا الطرفين معنيان باستقرار شرق الفرات رغم الخلاف حول "قسد" ودورها، وفرص التنسيق المشترك في خطط وبرامج إعادة إعمار سوريا.
تملك تركيا الجار السوري الثقل الجغرافي واللوجستي ، وتملك فرنسا بالمقابل شركات ضخمة وشهية للمشاريع العملاقة . فهل تتحرك دمشق للاستفادة من هذا الثقل الوازن والدخول على خط التقريب بين باريس وأنقرة .
تتعامل تركيا مع دمشق كشريك مرن لا كحليف أيديولوجي، ودمشق أيضا تريد توظيف انفتاحها على أنقرة في الداخل والخارج وفق ضرورات ومتطلبات أمنية وسياسية واقتصادية واضحة. من الممكن تحويل ذلك إلى فرصة تقارب وشراكة للبلدين مع فرنسا نفسها على طريق التهدئة الإقليمية بين باريس وأنقرة بعد تراجع الدور والنفوذ الإيراني هناك.
تتقاطع مصالح تركيا وفرنسا في سوريا من باب الواقعية السياسية. تسجيل اختراق ثنائي في سوريا ، سيحمل فوائد استراتيجية للطرفين وللمنطقة، أهمها فتح الطريق أمام خفض التوتر داخل الناتو، وتقليص الفوضى، ومحاصرة النفوذ الإيراني والتصعيد الإسرائيلي، وضمان تحولات آمنة في سوريا.
تحولات المشهد السوري بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة برئاسة الشرع، إلى جانب تراجع النفوذ الإيراني، وانكماش الدور الروسي، وظهور إشارات انفتاح أميركي، قد تمنح دمشق هامشًا جديدًا للمناورة. حضور دمشق كحلقة وصل بينهما لم يعد مجرد تفصيل سياسي، بل احتمال استراتيجي قابل للتطور، وهذا قد يتيح لها فرصة لإعادة تموضعها كطرف عربي وإقليمي فاعل يحولها إلى جزء من الحل لا من المشكلة.