الرئيسة \  رسائل طائرة  \  رسائل طائرة 14/9/2019

رسائل طائرة 14/9/2019

14.09.2019
زهير سالم





وجاءتني تعقيبات مهمة من إخوة كرام
وكل ما يذكره بعض  الاخوة الكرام تعليقا على ما أكتب  حق .
وهو ليس محل الحوار .
كل الذين كانوا ينصحون الحسين من الصحابة بترك الخروج والتريث لم يكونوا مؤيدين في الواقع لبيعة يزيد .
الحوار حول تقدير الموقف التكتيكي الذي تبناه سيدنا الحسين  كما نقول في هذا العصر .
هل الخروج بالطريقة التي حصل فيها ، وبالركون إلى القوم الذين ركن سيدنا الحسين إليهم  ..كان صحيحا هذا هو محل الحوار ، أو محل الخلاف .
كم كنّا لنكون سعداء ومغتبطين لو ان سيدنا الحسين انتصر على  يزيد المتغلب القادم إلى الخلافة عن طريق التوريث .
اما قول العرب : غلبني فلان على أمره أو على نفسه فهو يعني أنه سبقني وأفلت مني وكان الحق ان أسبقه .
على كل هذه العبارة هامشية في السياق .
أيها الاخوة نحن متفقون على أمرين :
حب آل البيت والترضي عن الحسين .
والبراءة من قتلة الحسين .
فلماذا يضيق بعض الناس في تقويم حدث تاريخي
والحباب بن المنذر رضي الله عنه يقول للرسول الكريم : أم هو الرأي والحرب والمكيدة ..
كلنا نقول فلان غير معصوم فإذا نسب إليه أحد خطأ في تقدير موقف سياسي قامت الدنيا ولم تقعد
سبحان الله
=============================
عود إلى خروج سيدنا الحسين بن علي رضي الله عنه .
ونصحه سيدنا عبد بن عمر بن الخطاب فأكثر عليه .. وودعه وكان لا يشك في أنه بخروجه مقتول ..
أريد أن أؤكد قبل المضي في ذكر نصيحة عبد الله بن عمر أنه ليس من هدف ما أكتب النيل من مكانة الحسين ولا محبته ولا هيبته . ولكنه تقويم لحدث كان له الأثر الفاجع في تاريخ الإسلام والمسلمين .
وأؤكد أيضا أنه ليس من هدف هذا التقويم الدفاع عن يزيد ، ولا عن عبيد الله ، ولا عن القتلة  المجرمين. ..
إن نقل نصائح الصحابة ومن أفواه أشخاص هم سادة المجتمع يومئذ يبين لنا كيف كان هؤلاء الكبار ينظرون إلى الأمر بأبعاده كافة ..
سأضيف أمرا آخر مهما جدا ، وأنا أستفيد من كل التعليقات التي تصلني بطريقة مباشرة وغير مباشرة ، وبعضها يحاول حرف ما أستشهد به عن غايته ـ أو جرنا للجدل حول ساحة نحن أكثر اتفاقا عليها ، أقول المهم بل الأهم بل الأكثر أهمية أن كلام الناصحين من جلة الصحابة الذين سأستشهد بكلامهم كان قبل أن يقرر الفقهاء ما سمي " بنظرية المتغلب " وإقراره على ما تغلب عليه ، والتسليم له في الكلام الكثير الذي دار حولها ..
أكرر نحن في إطار تقويم " حدث سياسي " فقط وبهذا البعد يجب أن تقرأ ، ومن خلاله يجب أن يتبلور موقفنا من الحدث التاريخي بجملته .
وإليكم نصيحة سيدنا عبد الله بن عمر بن الخطاب له . رضي الله عن عبد الله وعن أبيه ..
حين بلغ عبد الله بن عمر خبر خروج الحسين بن علي وعبد الله بن الزبير من المدينة  إلى مكة للتحصن بها ،رافضين بيعة يزيد لقيهما ابن عمر  وقال لهما :
أذكركما الله إلا رجعتما فدخلتما في صالح ما يدخل فيه الناس ، وتنظران، فإن اجتمع عليه الناس لم تشذا، وإن افترق عليه كان الذي تريدان .
ثم لما بلغه خروج الحسين مستجيبا  لأهل الكوفة لحقه ابن عمر على مسيرة ليلتين ، أي على الطريق لئلا تفوته النصيحة ، فقالله : أين تريد يا ابن بنت رسول الله ؟ أجابه الحسين رضي الله عنه : العراقَ، وأراه ما معه من طوامير وكتب ، فقال له عبد الله بن عمر : لا تأتهم ...قال الحسين رضي الله عنه : هذه كتبهم وبيعتهم. فقال عبد الله : إن الله خير نبيه بين الدنيا والآخرة، فاختار الآخرة، وإنكم بضعة منه، لا يليها أحد منكم أبداً، وما صرفها الله عنكم إلا للذي هو خير لكم ، فارجعوا فأبى الحسين ..
 فاعتنقه ابن عمر، وقال: استودعك الله من قتيل . أي أنه كان لا يشك في أن الحسين يسير إلى القتل ..
 وكان ابن عمر يقول بعد ذلك: غلبنا الحسين بن علي بالخروج، ولعمري لقد رأى في أبيه وأخيه عبرة، ورأى من الفتنة وخذلان الناس لهم ما كان ينبغي له ألا يتحرك ما عاش وأن يدخل في صالح ما دخل فيه الناس، فإن الجماعة خير . ومعنى قوله غلبنا الحسين بن علي بالخروج ..أنه كان يرى أن من واجب مشيخة الصحابة يومها الأخذ على يد الحسين ، ومنعه من الخروج لئلا يصير إلى ما صار إليه رضي الله عنه .
انتهى من مصادر متعددة ..
قضاء الله نفذ والعبرة لمن اعتبر
14 محرم 1441
زهير سالم
=============================
ومع إجماع أهل السنة والجماعة على فضل سيدنا الحسين ، وسابقته ومكانته ..فإن أحدا من علمائهم الثقات لم يمجد خروجه ، ولم يؤيده فيه . بل كانوا في جملتهم إلى إنكار الخروج أقرب ، بعضهم باسم الشريعة ، وبعضهم باسم السياسة وإحكام التدبير . وإنما ورد تمجيد الخروج على ألسنة طائفة من زعانف أهل الرفض ، والمترددين بين السنة والبدعة منهم ..وسأعمل خلال أيام على تتبع بعض ما قيل لسيدنا الحسين ، وبعض ما قيل عن خروجه . تتبعا لا ينقض حبي وولائي لسيدنا الحسين ولآل بيت النبوة الأطيبين  ، ولا يصادر إنكاري على من باشر قتل الحسين ومن أمر به ومن رضي به ..
نصيحة " محمد بن علي بن أبي طالب " المعروف بمحمد ابن الحنفية لأخيه الحسين قبل خروجه مروية في أكثر من مصدر من مصادر التاريخ ..وتلحظون أن النصيحة تحذر من الخروج من باب السياسة وأن أمر الخروج يحتاج إلى إحكام ..
" لما بلغ محمد بن الحنفية عزم أخيه الحسين على الخروج إلى الكوفة قدم عليه وقال: يا أخي أنت أحب الناس إلي، وأعزهم علي، ولست أدخر النصيحة لأحد من الخلق أحق بها منك، تنح ببيعتك عن يزيد بن معاوية وعن الأمصار ما استطعت، ثم أبعث رسلك إلى الناس فادعهم إلى نفسك، فإن بايعوا لك فاحمدن الله على ذلك، وإن أجمع الناس على غيرك لم ينقص الله بذلك دينك ولا عقلك، ولا يذهب به مروءتك ولا فضلك. أني أخاف أن تدخل مصراً من هذه الأمصار وتأتي جماعة من الناس فيختلفون بينهم، فمنهم طائفة معك، وأخرى عليك فيقتتلون فتكون لأول الأسنة طعما، فإذا خير هذه الأمة كلها نفساً، وأباً، وأماً، أضيعها دماً، وأذلها أهلاً .
فقال الحسين: فإني ذاهب يا أخي ، قال: فانزل مكة فإذا أطمأنت بك الدار فسبيل ذلك، وإن نبت بك لحقت بالرمال وشعف الجبال، وخرجت من بلد إلى بلد حتى تنتظر إلى ما يصير أمر الناس وتعرف عند ذلك الرأي فإنك أصوب ما تكون رأياً وأحزمه عملاً حين تستقبل الأمور استقبالاً، ولا تكون الأمور عليك أبداً أشكل منها حين تستدبرها استدباراً قال: يا أخي قد نصحت فأشفقت وأرجو أن يكون رأيك سديداً  . "
=============================
" التقويم " مصطلح من السوق التجاري ..
لن أكثر الكلام حتى لا يضيع . ودخلت كلمة التقويم لغة العصر من أوسع بابها . ومن تقويم العود / إلى تقويم السلوك إلى تقويم التاريخ إلى تقويم السلعة إلى تقويم الأسنان إلى تقويم التجار ..
يعتمد التاجر عادة يوما لدورة سنته المالية . يتوقف فيه عن البيع والشراء , ويجرد فيه عروض تجارته . وموجودات صندوقه ، وجملة حساباته دائنا ومدينا ثم يخرج بنتيجة أولى : ربح أو خسر ، ويترك الأرقام تجيب وليس الأماني ..
ثم بنتائج فرعية كثيرة :
السلع الرائجة - والسلع الرابحة - والسلع البطيئة - ونلك التي كانت عبئا - والذمم المدينة وتقويم أصحابها - و..و... و... ثم يضع خطة عامه الجديد بناء على كل تلك المعطيات .
السؤال الملح : هل نحن في الثورة السورية بعد ثماني سنوات بحاجة إلى مثل هذا ؟! فإن كان ..فمن المؤهل للقيام به ؟!
فإن تم ..فمن الذي يملك الجرأة لتحمل نتائجه على الناس ؟!
فإن أعلن ..فمن يملك القدرة على تقديم البدائل المشروعة الممكنة والمجدية ..ثم تحمل عبء التقدم بها ..
أديروها بالعقول والقلوب معا . وليس بأحدهما . فما يغني قلب عن عقل ....
لندن : 13/ محرم / 1441 - 12/ 9 / 2019
زهير سالم : مدير مركز الشرق العربي
=============================