الرئيسة \  تقارير  \  رسائل دمشق إلى الخارج: ماذا عن الداخل؟

رسائل دمشق إلى الخارج: ماذا عن الداخل؟

01.05.2025
عمر قدور



رسائل دمشق إلى الخارج: ماذا عن الداخل؟
عمر قدور
المدن
الثلاثاء 2025/04/29
لم تنل تصريحات كوري ميلز، عضو الكونغرس الأميركي، اهتماماً من السوريين. إذ نقل عن الرئاسة انفتاحها على تحسين العلاقات مع إسرائيل. التصريح نقله قبل أسبوع تلفزيون "العربي"، وهو جزء مما خرج به ميلز، الذي نقل أيضاً استعداد الرئاسة للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، وفق تفاهمات معينة، وذكر أنه سيسلّم الرئيس الأميركي رسالة من الرئيس الانتقالي أحمد الشرع. الأوساط الموالية للسلطة تجاهلت تماماً هذا الجانب، وهي نفسها قبل شهور ما كانت لتفوّت مثل هذه الأقوال أيام العهد البائد.
وقبل أربعة أيام قال أسعد الشيباني، وزير الخارجية، أمام مجلس الأمن: "أعلنّا مراراً التزامنا بأنّ سوريا لن تشكل تهديداً لأي دول في المنطقة والعالم، بما فيها إسرائيل". الشيباني طالب المجلس بالضغط على إسرائيل كي تسحب قواتها التي تجاوزت خط اتفاقية الهدنة بين البلدين، وتجاهل تصريحات إسرائيلية عديدة تُعدّ تدخلاً سافراً في تفاصيل الشأن السوري. يُذكر أنه تم اعتقال اثنين من حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية في سوريا، قبيل سفر الشيباني إلى نيويورك، فيما عُدّ شروعاً في تنفيذ مطالب أميركية.
القائمة بأعمال البعثة الأميركية لم ترحّب بالشيباني، بخلاف ما فعل مندوبو الدول الأخرى. وكررت أن بلادها تواصل تحميل السلطات السورية المؤقتة المسؤولية عن نبذ وقمع الإرهاب، وتبني سياسة عدم اعتداء على البلدان المجاورة، واستبعاد المقاتلين الأجانب من تسلّم مناصب رسمية، ومنع إيران من استغلال الأراضي السورية، والتخلص من أسلحة الدمار الشامل. وأضافت المندوبة دوروثي شيا أن الشعب السوري يستحق قيادة شفافة ومسؤولة، ملتزمة بمستقبل أكثر سلاماً وازدهاراً بعد الدمار في ظل حكم الأسد.
وقد صار معلوماً أن واشنطن وضعت شروطاً عديدة من أجل تمديد رفع العقوبات الاقتصادية على سوريا لمدة سنتين، يُنظر بعدها فيما إذا كانت السلطة قد أحرزت تقدّماً فيما هو مطلوب منها. ويُنظر داخلياً على نطاق واسع إلى حراك الرئاسة ووزارة الخارجية بأنه منصبّ على موضوع رفع العقوبات الأميركية التي تعيق عزم الدول الراغبة في تقديم المساعدات، وعلى ذلك تلقى الرسائل الإيجابية تجاه إسرائيل قبولاً، ويعتلي ملف العقوبات قائمة الأولويات من دون منازع.
الفكرة السائدة حالياً هي السعي لإقناع وسطاء، ومن ثم الإدارة الأميركية، برفع العقوبات. الفكرة نفسها تتضمن حصول السلطة على شرعية دولية فيما لو رُفعت العقوبات عنها، وبذلك تكون الشرعية الخارجية سابقة على الشرعية الداخلية المؤجّلة لخمس سنوات بموجب الإعلان الدستوري، حيث لن تشهد المرحلة الانتقالية انتخابات تُمتحن بها شعبية السلطة، أو تفرض عليها نوعاً من الرقابة. على هذا الصعيد يبدو التوجّه الداخلي محدَّداً بمخرجات ما سُمي مؤتمر الحوار الوطني، ثم الإعلان الدستوري، وعلى الجميع الالتزام به، أو الالتحاق به كما هو مطلوب من الإدارة الذاتية الكردية والسويداء غير الخاضعة كلياً للمركز.
أيضاً فيما يخص منطقتي الجزيرة والسويداء، يبدو سهلاً الاستسلام لفكرة أن التفاوض مع الخارج وإرضاءه هما السبيل لإخضاعهما للمركز، أو أنه السبيل الأسهل. إلا أن ذلك ينطوي على عدم إبداء اهتمام حقيقي بمطالب المنطقتين، ومنها مطالب يمكن القول بصلاحيتها للنقاش السوري العام، لأنها تنصرف إلى طبيعة النظام السياسي في البلد. وكما هو معلوم فالثورة السورية اندلعت أصلاً للاعتراض على النظام السياسي، وطالبت بالحريات وبنظام ديموقراطي تشاركي.
بالطبع، لا يجوز إنكار تأثير العامل الخارجي فيما يخص الجزيرة والسويداء، بما في ذلك التصريحات التركية المتتالية الخاصة بمستقبل مناطق الإدارة الذاتية. المسألة هي في الطريق الذي تسلكه السلطة لمعالجة الملفين المركّبين، فالتركيز على الخارج منزلق خطير مجرَّب في سوريا، وقد كان رضا الخارج دائماً يُصرف في الداخل بعدم الاكتراث بمتطلبات السوريين. وقد ظهر هذا حقاً بانشغال المستويات العليا من السلطة بالتوجه إلى الخارج، بينما هناك على الأرض ما يُنذر بكوارث كبرى، سواء لجهة التهديد الماثل بتفجير الوضع مجدداً في الساحل، أو الحوادث المتفرقة (لكن المتكررة) والتي قد تؤدي إلى انفجار مماثل خاص بالدروز. والحال مع الأكراد لم يعد مبشّراً كما كان عقب توقيع التفاهم مع قسد، خصوصاً بعد بيان الرئاسة الغاضب من البيان الذي أعقب المؤتمر الكردي الجامع لكافة التنظيمات الفاعلة.
واحد من انتقادات السوريين الأساسية لحكم الأسد كان مصوّباً على سعيه إلى إرضاء الخارج على حساب الداخل، وقد قيل الكثير (مدحاً وذمّاً) في تغليب الأسد الأب التوازنات الخارجية على الداخل، ويمكن بسهولة العودة للتاريخ وملاحظة تزايد إهمال الداخل كلما توطدت العلاقة مع الخارج. وعندما انطلقت الثورة في عهد الابن، ورفض مطالبها الأولى التي اقتصرت على الحريات والمشاركة السياسية، كان واضحاً أن الشطر الذي يكمل الإعراض عن مطالب الداخل هو تدعيم الشراكات الخارجية التي كان لها الغلبة على حكمه نفسه.
النموذج المعهود، في سوريا وغيرها، أن يستغل الخارج ضعف السلطة في الداخل لفرض شروطه. في حالتنا الراهنة، يصح القول إن السلطة ليست في أفضل حالاتها وهي تواجه انتقادات خارجية تخص ملفّات داخلية، حتى إذا كانت الانتقادات على سبيل الضغط لترضخ في بنود لا تتصل بالهمّ السوري. على سبيل المثال، استُهلت جلسة مجلس الأمن المذكورة بإحاطة للمبعوث الدولي إلى سوريا، ورد من ضمنها أن "العديد من السوريين غير متأكدين من مكانهم في سوريا الجديدة الناشئة. هناك تركيز للسلطة. ولا تزال خطط إرساء سيادة القانون، وعقد اجتماعي جديد، وانتخابات حرة ونزيهة في نهاية المطاف، غير واضحة".
في الجلسة ذاتها تناوب معظم مندوبي الدول الأعضاء على الإشارة إلى مجازر الساحل، وإلى ضرورة معاقبة الجناة. وطالبت المندوبة الأميركية بمحاسبة "جميع مرتكبي الفظائع، وخصوصاً من هم في موقع القيادة، لإثبات أن لا أحد فوق القانون في سوريا الجديدة". وأكدت السفيرة على "أن تُظهر القيادة المؤقتة بوضوح أنها تجاوزت ماضيها، وتلتزم بقيادة شفّافة ومسؤولة"، وعلى أن سياسة بلادها ستكون على أساس الأفعال.
بموجب رطانة عهد الأسد، توصف المطالب الأخيرة للسفيرة بأنها تدخّل سافر في التفاصيل الداخلية السورية، ولا يُستبعد أن يتسرّب بعض من الرطانة إلى الآن. لكن التذرع بالسيادة يغفل أن قوى الخارج تستغل استحقاقاً يُفترض أنه وطني، وأن يُعالج من دون وضعه في قائمة شروط لقوة دولية، مع التذكير بأن هذه القوة قد تتراجع في مطلبها هذا إذا حصلت على ما تريد من مطالب أخرى لها الأولوية لديها.
في وضع كالوضع السوري، ليس مطلوباً من أية سلطة الدخول في مواجهات خارجية، عسكرية أو سياسية، لا تتناسب مع حالة الانهيار. لكن من الملحّ إدراك أن موقع القوة الحقيقي المستدام هو في الداخل، وأن قاعدة "صفر مشاكل" في الخارج غير ممكنة طالما بقيت غير متحققة في الداخل.