الرئيسة \
تقارير \ دبلوماسية سورية محفوفة بالمخاطر: اتفاق أمني سوري-إسرائيلي في الجنوب
دبلوماسية سورية محفوفة بالمخاطر: اتفاق أمني سوري-إسرائيلي في الجنوب
22.09.2025
منهل باريش
دبلوماسية سورية محفوفة بالمخاطر: اتفاق أمني سوري-إسرائيلي في الجنوب
منهل باريش
القدس العربي
الاحد 21/9/2025
تتزايد التكهنات حول امكانية التوصل إلى اتفاق أمني بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، يهدف إلى إعادة ترسيم الحدود الأمنية في الجنوب السوري.
بالتزامن مع بدء اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، تتزايد التكهنات حول امكانية التوصل إلى اتفاق أمني بين الإدارة السورية الجديدة وإسرائيل، يهدف إلى إعادة ترسيم الحدود الأمنية في الجنوب السوري.
هذا الاتفاق، الذي يأتي بعد سقوط نظام بشار الأسد في كانون الأول (ديسمبر) الماضي، قد يمثل نقلة نوعية في التوازنات الإقليمية، مدعوماً بجهود أمريكية مباشرة تحت إدارة الرئيس دونالد ترامب، الذي يسعى لتعزيز إرثه الدبلوماسي قبل نهاية ولايته الثانية وإظهار أن “دبلوماسية القوة” التي ينتهجها تأتي نتائجها في إنهاء الأزمات وفرض حلول يعتقد بجدواها.
من المتوقع أن تشهد نيويورك إعلاناً رسمياً من ترامب عن هذا الاتفاق أو على الأقل “إعلان مبادئ” يمهد لتسوية شاملة. ربما يكون ثمنه بالنسبة للرئيس الشرع هو إلغاء عقوبات “قانون قيصر” على سوريا والإعلان رسميا عن طلب انضمام الحكومة السورية إلى جهود “التحالف الدولي للقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” مقابل ضمانات أمنية لإسرائيل.
خريطة طريق إلى السويداء
في ظل التوترات المستمرة في جنوب سوريا، أعلنت وزارة الخارجية السورية عن اجتماع ثلاثي عقد في دمشق الأسبوع الفائت، جمع وزير الخارجية أسعد الشيباني، ونظيره الأردني أيمن الصفدي، والمبعوث الأمريكي توماس براك.
كان الاجتماع استكمالاً لمحادثات عمان في تموز (يوليو) وآب (أغسطس)، حيث اعتمد المشاركون خريطة طريق لحل الأزمة في محافظة السويداء التي شهدت اشتباكات دامية أثارت مخاوف من تفاقم التصدعات الداخلية، مع التأكيد على وحدة سوريا وسيادتها.
تركز الخريطة على شراكة ثلاثية بين دمشق وعمان وواشنطن وتهدف إلى إعادة إعمار سوريا، والمصالحة الوطنية. واستندت الخريطة إلى مبادئ أساسية: السويداء جزء أصيل من سوريا، مع بناء ثقة تدريجية تؤدي إلى اندماج كامل. وجاء في أحد بنودها: دعوة لجنة التحقيق الدولية المستقلة للأحداث في السويداء، مع محاسبة المرتكبين وفق القانون السوري، وإجراءات قانونية ضد المتورطين في انتهاكات بحق المدنيين.
كما يضمن الاتفاق إيصال مساعدات إنسانية وطبية كافية بالتعاون مع الأمم المتحدة، بدعم أردني-أمريكي، وإعادة الخدمات الأساسية مع تمويل دولي.
أمنياً، نصت الخريطة على نشر قوات داخلية مدربة على طريق السويداء-دمشق لأمان الحركة، مع مساعدة خارجية، وسحب المقاتلين المدنيين من حدود المحافظة، إضافة إلى نشر شرطة منضبطة استناداً إلى اتفاق عمان، وتسهيل عودة السكان المتضررين.
إنسانياً، تدعم جهود الصليب الأحمر لإطلاق المحتجزين، وخطط إعادة إعمار القرى.
على الصعيد الاجتماعي، تقود دمشق سردية وطنية تعزز الوحدة والتعددية، مع مكافحة خطاب الكراهية عبر تشريعات جديدة.
كما تدعو عمان لوفود من مكونات السويداء (دروز، مسيحيون، سنة وعشائر بدوية) لاجتماعات مصالحة، وتشكيل شرطة محلية تحت قيادة وزارة الداخلية، وتفعيل مؤسسات إدارية، وتأسيس مجلس محافظة للمصالحة. كما تتولى أمريكا تفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري، بدعم أردني، مع احترام سيادة سوريا، وإنشاء آلية مراقبة مشتركة.
الجنوب منزوع السلاح
كشف تقرير صادر عن معهد دراسات الحرب الأمريكي “ISW” عن مقترح إسرائيلي مفصل لاتفاق أمني مع سوريا، يركز على إعادة ترتيب المناطق الأمنية في جنوب غرب سوريا. ويقسم المقترح المنطقة إلى ثلاث مناطق رئيسية منزوعة السلاح بدرجات متفاوتة، مستوحى من اتفاقية السلام الإسرائيلية-المصرية عام 1979 التي قسمت شبه جزيرة سيناء إلى مناطق A وB وC مع قيود عسكرية متدرجة بناءً على البعد عن الحدود الإسرائيلية.
ووفق مصادر مطلعة على المفاوضات، يُعتبر هذا المقترح “مطالب قصوى” إسرائيلية، حيث لا يتضمن تنازلات كبيرة من الجانب الإسرائيلي، مقابل انسحاب تدريجي من الأراضي السورية المحتلة مؤخراً ـ باستثناء قمة جبل الشيخ الاستراتيجية التي تصر إسرائيل على الحفاظ عليها لمراقبة نشاط حزب الله في لبنان غربا والأنشطة الإيرانية السرية في سوريا، كما تزعم. وترتفع قمة جبل الشيخ أكثر من 2800 متر عن سطح البحر.
استنادا إلى خريطة المعهد المذكور ووكالة “اكسيوس” و”تايمز أوف إسرائيل” فإن مقترح إسرائيل لاتفاق أمني مع سوريا الجديدة، يركز على إعادة ترتيب المناطق الأمنية في جنوب غرب سوريا.
المنطقة المتوسطة تشير إلى سحب السلاح من كامل المساحة الممتدة من شرق طريق دمشق -عمان وصولا إلى غرب المحافظة، على ان تبقى المنطقة المنزوعة السلاح في القنيطرة ومناطق أخرى بعمق يصل إلى 10 كم تحت إشراف القوات الدولية.
الخطير بالمطالب الإسرائيلية هو جعل منطقة الحظر الجوي في كامل منطقة ريف دمشق الغربي والجنوبي وصولا إلى جرمانا وبعض مناطق الغوطة الشرقية، ما يعوق عمليا استخدام مطار المزة العسكري ومطار الثعلة وغيرهما من المطارات في درعا. عمليا سيكون من الاستحالة بمكان على الطائرات العمودية السورية الطيران في جوار العاصمة دمشق.
وهذه المطالب تشكل تحديا للإدارة السورية٫ وتستغل إسرائيل حالة الضعف الكبيرة الحالية بعد أن دمرت غالب الدفاعات الجوية ومنصات إطلاق الصواريخ، وهو ما يعكس سياسة إسرائيل الأحادية التي تهدد بتعميق الاحتلال، ويعزز فرضية عدم الانسحاب من الأراضي التي انتشرت فيها خلال الشهور العشرة الماضية.
تحديات الاتفاق ومخاطره
يحمل السير نحو الاتفاق أخطارا جمة، حيث تتعرض دمشق لضغوط أمريكية كبيرة للتوصل إلى الاتفاق المزمع، ما قد يؤدي إلى تنازلات أرضية مؤلمة، تمس السيادة.
فسوريا، التي تعاني من جروح داخلية عميقة قد تجد نفسها مضطرة لقبول شروط إسرائيلية توسع نفوذها تحت غطاء “الأمن المشروع”، خاصة مع تسارع الاتصالات برعاية أمريكية لإبرام اتفاقات أمنية وعسكرية قبل نهاية العام.
وقد يؤدي هذا إلى استقرار مؤقت في الجنوب، لكنه يعمق التبعية السورية للقوى الخارجية، ويثير تساؤلات حول مصير الجولان المحتل، حيث ترفض دمشق الشروط الأحادية وتسعى لاستعادة السيادة الكاملة وسط مرحلة حساسة في المفاوضات.
كما أن الفراغ الأمني الناتج عن نزع السلاح في المناطق الجنوبية قد يؤدي إلى تفاقم التوترات المحلية، حيث يعقد غياب الأجهزة الأمنية الفاعلة ضبط السلاح، ما يسمح بانتشار العصابات والجماعات المسلحة، ويعرض المناطق لمخاطر خارجية مثل النشاط المحتمل لخلايا إيرانية أو أخرى تتبع لتنظيم “الدولة”، كما حدث في فترة ما بعد سقوط الأسد.
من بين المخاطر البارزة أيضاً، وجود عناصر جهادية متشددة داخل الجيش الوليد، ما زالت تحتفظ بأيديولوجيا سلفية جهادية رغم انفصالها عن تنظيم “القاعدة” ومحاولات اعتدالها، ما قد يؤدي إلى تمرد داخلي أو تباين في المواقف.
أما في حال الانسحاب العسكري للقوات الحكومية، فإن قوة الدروز في السويداء قد تشكل تحدياً لسيطرة دمشق، حيث ستبقى فصائل السويداء العسكرية الوحيدة المتبقية، الأمر الذي سيمنع عودة البدو إلى المحافظة سواء داخل مدينة السويداء أو القرى التي ينتشرون بها داخل الحدود الإدارية للمحافظة.
ومع اقتراب زيارة الشرع إلى الأمم المتحدة، الأربعاء، واجتماعات وزير خارجيته الشيباني في واشنطن، يبدو أن الأيام المقبلة ستكشف عن نتائج ملموسة، وهذه التطورات تكشف عن دبلوماسية سريعة، لكنها محفوفة بالمخاطر.