الرئيسة \  مشاركات  \  داعش والإرهاب أو جدلية الدين والسياسة

داعش والإرهاب أو جدلية الدين والسياسة

09.05.2017
د. محمد أحمد الزعبي




رغبت إلي إحدى الفضائيات قبل بضعة أشهر أن أجيبهم على عدد من الأسئلة التي تقع جميعها في إطار فيلم يقومون بإنتاجه حول العلاقة بين الدين والسياسة ولاسيما في سوريا في ظل نظام عائلة الأسد ( الأب والإبن) ، وتحت عنوان محدد أطلق عليه منتجو هذا الفيلم " جدلية الدين والسياسة ". ومن جهة أخرى فإن من متابعتي لبرامج بعض الفضائيات الإخبارية العربية هذه الأيام وجدت أن القاسم المشترك الأعظم بين برامج هذه الفضائيات هما موضوعا داعش والإرهاب .
وكسسيولوجي وجدت أن هناك رابطاً قوياً بين هذين الموضوعين : داعش والإرهاب من جهة ، وجدلية الدين والسياسة من جهة أخرى ، وسوف أحاول في هذه المقالة تفكيك هذه العلاقة المركبة بين أضلاع هذا المربع ( الدين ، السياسة ، داعش ، الإرهاب )، وصولاً إلى فهم علمي وعملي لما جرى ويجري في أقطار الربيع العربي عامة ، وفي بلدي الحبيب سوريا العربية بلد المليون شهيد ، والمقر الرئيسي (وهذا مع الأسف الشديد) لداعش، على وجه الخصوص .
بداية لابد من الإشارة إلى أن مفهوم " داعش " إنما ينطوي بحد ذاته - وهذا من وجهة نظرنا - على الجماعات الاسلامية المتعصبة ، التي غالباً ما تعيش في الماضي ، بعيدا عن الحاضر والمستقبل ، والتي تضم بصورة رئيسية :
ــ العناصر المتطرفة التي كانت في سجون بشار ، والتي قام بالإفراج عنها وهو يعلم علم اليقين
أنها ستعود إلى محاربته ، الأمر الذي يمثل الفخ الذي نصبه بشار ومعه أتباعه وأنصاره لثورة مارس ٢٠١١ ، حيث سيصمها فوراً ب " العصابات المسلحة " ( وهو ما فعله في خطابه الأول بعد أسبوعين فقط من خروج الناس بمظاهرات سلمية تطالب بالإصلاح والتغيير ولم يكن يخطر على بالها في تلك الفترة إسقاط النظام ) و لاحقا ب " الجماعات الإرهابية " المعادية للعلمانية والحداثة والتقدم ، وبالتالي المعادية للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الذين بات عليهم أن يتحالفوا معه ( كعلماني مثلهم ) من أجل القضاء عليها ( داعش ) ،
ــ المجموعات الإسلامية المتعصبة دينيا ، بل والتي يمثل إسلام القرن الأول الهجري النموذج الإسلامي المثالي الذي ينبغي للمسلم الحقيقي اتباعه ، ويدخل في إطار هذه المجموعات اليابسة الرؤوس والعصية على التغييرومواكبة العصر، كل الذين لايرون العلاقة الجدلية التي تربط بين مثلث الحاضر والماضي والمستقبل من حيث أن أن الحاضر هو ابن الماضي وابو المستقبل في آن واحد ، وأن أضلاع هذا المثلث ( الماضي والحاضر والمستقبل ) يكمل بعضها بعضا ، وبالتالي فإنه لايمكن النظر إلى أحد أضلاع هذا المثلث خارجا عن إطار وحدته وتكامله .
ولهؤلاء الإسلاميين المتطرفين نقول : إن التطرف في الرأي وفي الموقف هو آفة الموضوعية ،
 وإن المزج السياسي والاجتماعي بين الماضي والحاضر والمستقبل ، هو- برأينا - الموقف الاسلامي والعلمي الحقيقي الذي يجد تعبيره العملي في شعار الإسلام المعتدل والوسطي والمتمثل بنظرنا بمقولة " الدين لله والوطن للجميع " ، أي أن كافة المؤمنين هم أخوة في الله من جهة ( إنما المؤمنون إخوة ) وفي المواطنة من جهة أخرى .
إن الربط بين الجماعات الإسلامية المتطرفة والإرهاب ، إنما يعود أساسا إلى فهم هذه الجماعات المتعصبة الخاطئ للإسلام ، وبالتالي فإن ممارساتهم الخاطئة والمدانة إنما تستند أساسا إلى هذا الفهم الخاطئ ، من حيث أن الحياة الدنيا كلها بنظرهم لاتمثل أكثرمن ممر عبور إلى الحياة الأخرى ، إنهم بهذا الفهم الضيق للدين الإسلامي الرحب ، يتجاوزون ماقاله الرسول الكريم ( ص) أو ربما أحد صحابته ( رضي ) مامعناه " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا " من حيث أن مضمونه يشمل كلا من الدنيا والآخرة معاً ، وليس فقط الآخرة . كما أن قول خال بن الوليد في رسالته لكسرى أنو شروان ملك الفرس " لقد جئتك بقوم يحبون الموت كما تحبون الحياة " إنما هو عمل من أعمال الحروب ، وطريق إلى الإنتصار في الحياة الدنيا وليس في الحياة الأخرى ، وهو يتماهى مع مقولة " إعمل لدنياك كأنك تعيش أبداُ " ومع مقولة " اعمل لآخرتك كأنك تموت غداً " .
إن التطبق العملي لشعار " الدين لله والوطن للجميع " ، يقتضي من رجال الدين أن ينزلوا من السماء إلى الأرض، وهو مايتماشى مع قوله تعالى : ( وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ، ولا تنسى نصيبك من الدنيا ، القصص /77 ) ويقتضي من العلمانيين أن يروا البعد الأخلاقي في العلاقات الاجتماعية التي تربط بين الناس ، ذلك البعد ( بضم الباء )الذي أوصت به كافة الأديان السماوية وفي مقدمتها الدين الإسلامي الحنيف الذي قال رسوله الكريم محمد بن عبد الله " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ". ونرى من جهتنا أن أخوة المواطنة إنما تأتي على رأس هذه المكارم .من حيث قبول جميع أبناء الوطن الواحد بأن بأنهم أخوة في الله وفي المواطنة .
 أما داعش ، أو كما يرغبون " الدولة الإسلامية في العراق والشام " فوصيتنا لها ، هو أن ترى الصورة بأبعادها الثلاثة : الماضي والحاضر والمستقبل ، وليس فقط ببعدها الماضوي الذي يقص ( فقط ) جزءاً من الحقيقة ، ولكنه لايقص القصة كلها . وذلك لكي لاتظل تعمل في خدمة النظام ، سواء عرفت أم لم تعرف . ذلك النظام المجرم والقاتل والطائفي ، الذي لامس عدد ضحاياه من الشعب السوري حتى الآن المليون شهيد وعدد مهاجريه ومهجّريه العشرة ملايين . إن عدم التخلي عن نظام قاتل مجرم بصورة واضحة لالبس فيها ولا عوار ، إنما يعني تطبيقياً التخلي عن الإسلام نفسه. هذا مايراه كاتب هذه المقالة ، والله أعلم .
3.
إن الكلام عن مربع ( داعش ، الإرهاب ، الإسلام والسياسة ) يسمح لنا بأن نتوقف قليلاً عند
مشروع الأستانا الروسي حول " تخفيف التوتر " في المناطق الأربع المتوترة في سوريا ، وذلك بضمانة الثلاثي (!!) روسيا ، إيران وتركيا ، حيث بدأ سريان مفعول هذا الإتفاق " الثلاثي " منتصف ليلة الجمعة / السبت المصادف يوم 6 أيار (وبالمناسبة فإن هذا اليوم هو يوم عيد الشهداء الذين أعدمهم جمال باشا السفاح في دمشق وبيروت قبل مائة عام ) . وكما هو معروف فإن سيادة الوريث بشار لم يلتزم بما نص عليه مشروع أسياده الروس والإيرانيين العتيد ، كما أن الضامنين الثلاثة لم يحركوا ساكناً حيال خرق بشار لهذا الإتفاق ، بما يجعلنا نؤكد مرة أخرى ، أن كون الضامنين الرئيسيين لهذا الإتفاق هما روسيا وإيران ، فإن المثل الشعبي " حاميها حراميها " إنما ينطبق هنا على كل من الضامن والمضمون على حد سواء .
 لايوجد بين يدي الآن إحصاء بعدد الشهداء من المدنيين الأبرياء ، ولا بعدد الأطفال والنساء والشيوخ ، الذين سقطوا هذا اليوم بالذات ( 6 أيار)، ليس تحت سمع وبصر مجلس الأمن الدولي فقط ، وإنما تحت سمع وبصر السيد بوتين صاحب المشروع وضامنه الأساسي .
 لقد هجا عمر أبو ريشة ذات يوم جميل مردم بقوله :
إن أرحام السبايا لم تلد مجرما كمثل هذا المجرم ( وأشار إلى جميل مردم الذي كان حاضراً )
وأراني مضطراً اليوم ، وبعد مارأيت وماسمعت ، ان أسحب مضمون قول عمر أبو ريشة على كل من بشار الأسد وفلادمير بوتين وولي الفقيه ،مضيفاً : " ألا بئس الضامن والمضمون" " .