الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "داعش" لا يسقط بالحرب

"داعش" لا يسقط بالحرب

13.02.2019
محمد عايش


القدس العربي
الثلاثاء 12/2/2019
يحلو للولايات المتحدة الترويج إلى أنها تخوض آخر معاركها مع تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، كما يتحفز الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى إعلان نهاية التنظيم، وانتهاء معارك اجتثاثه في سوريا، وهو الأمر الذي لا يعدو كونه مجرد خديعة للناخب الأمريكي وللرأي العام في الولايات المتحدة ليس أكثر، والسبب ببساطة أن هذا التنظيم لا يمكن أن ينتهي بالحرب.
التجربة التاريخية في محاربة التنظيمات المتطرفة، ومآلات تلك الحروب، يجب أن تكون حاضرة، ففي عام 1996 قصف الطيران الأمريكي مواقع لتنظيم "القاعدة" في السودان، ومعسكرات كان يديرها الشيخ أسامة بن لادن. وفي عام 2001 غزت القوات الأمريكية أفغانستان برياً، وأسقطت نظام حركة طالبان، وهُيئ للعالم حينها أنها سحقت تنظيم "القاعدة" الذي نفذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول، ولم يعد للتنظيم وجود. وفي عام 2003 دمّرت الولايات المتحدة كل شيء في العراق، لنكتشف بعدها بفترة وجيزة أن العراق كل العراق تم تدميره باستثناء معسكرات أبومصعب الزرقاوي، التي أفلتت من الخراب، لا بل انتعشت في استقطاب الشباب ممن هم أكثر تطرفاً من "القاعدة" وأخواتها.
كل الحروب التي شنتها الولايات المتحدة وحلفائها من أجل القضاء على التنظيمات المتطرفة باءت بالفشل، ونتائجُها أصبحت ماثلة أمامنا اليوم، ولم تعد بحاجة إلى خبراء ليصدروا فتوى في فشلها، فلو نجح العدوان الأمريكي على السودان سنة 1996 لما نفذت "القاعدة" هجمات سبتمبر، ولو حقق احتلال أفغانستان أهدافه لما ظهر الزرقاوي ولا معسكراته في العراق، ولو نجحت الحرب الأمريكية على العراق واجتثت من تسميهم "الإرهابيين" لما وجدنا "داعش" في سوريا بعدها بسنوات.. واقع الحال هنا يقول بأنها حروب فشلت ولم تتمكن من القضاء على الإرهاب ولا على الفكر المتطرف مطلقاً.
التجارب السابقة، خاصة الأمريكية، تؤكد على أن القضاء على التنظيمات الإرهابية بواسطة الحرب والحل العسكري أمر غير ممكن، وأنه كلما تم القضاء على جيب من جيوب الإرهاب يظهر آخر في أي مكان تضعف فيه الدولة، وأن المدنيين في نهاية المطاف هم من يدفع ثمن الحروب الأمريكية، التي تهدف للقضاء على الإرهاب من دون أن تقضي عليه بالفعل. أما سبب فشل الحروب والحلول العسكرية في القضاء على التنظيمات المتطرفة فهو أولاً، أن هذه التنظيمات ليست تشكيلات عسكرية منظمة كالجيوش النظامية، وبالتالي يمكن هزيمتها وإسقاطها بالحرب التقليدية المباشرة. وثانياً – وهو الأهم – أن الإمدادات البشرية التي تحصل عليها هذه التنظيمات مصدرها الشباب اليائسين والمحبطين. والمقصود هنا هو أن هذه التنظيمات المتطرفة تتغذى على اليائسين من التغيير السياسي السلمي، والمحبطين من المشاركة السياسية، وهؤلاء ينتمون إلى دول تفتقد للديمقراطية وحقوق الإنسان، ولا تتيح لمواطنيها التعبير عن آرائهم وأنفسهم، وهؤلاء يصلون إلى مرحلة من الإحباط تولد لديهم القناعة بأن العنف وحمل السلاح هو الطريق الوحيد للتغيير. وهذا ما يُفسر لماذا ظهر تنظيم "داعش" على أنقاض ثورات "الربيع العربي" ورداً على الثورات المضادة التي صادرت آمال الناس في التغيير السلمي في بلادهم.
الديمقراطية وتعزيز الحريات واحترام حقوق الإنسان هي الطريق الوحيد للقضاء على العنف والإرهاب
خلاصة القول هنا هو أن الديمقراطية وتعزيز الحريات واحترام حقوق الإنسان هي الطريق الوحيد للقضاء على العنف والارهاب، وهو الوسيلة الوحيدة للقضاء على التنظيمات المسلحة المتطرفة، لأنَّ الدولة المدنية الحديثة والديمقراطية، التي تحترم حقوق مواطنيها، تتيح دوماً الوسائل السلمية للتغيير والمشاركة السياسية، وهو ما يجعل من حمل السلاح "لزوم ما لا يلزم"، كما يجعل أمام كل شاب طريقاً مفتوحاً للمشاركة والتغيير ولا يدفع به نحو الجنوح إلى التطرف والعنف.
لو أرادت الولايات المتحدة القضاء على تنظيم "داعش" وأي من مخلفاته فعليها أن تتوقف عن دعم أنظمة الاستبداد في العالم العربي، وأن تعمل من أجل تشييد دول ديمقراطية حديثة، أما قنابلها وصواريخها وطائراتها فقد تؤدي إلى انتهاء نسخة "داعش" الحالية في سوريا لكنها بالمطلق لن تُؤدي إلى انتهاء هذه الظاهرة بشكل جذري.