الرئيسة \
تقارير \ خطط النفوذ "ما بعد إيران" : تلزيم لبنان لسوريا؟
خطط النفوذ "ما بعد إيران" : تلزيم لبنان لسوريا؟
19.06.2025
المدن
خطط النفوذ "ما بعد إيران" : تلزيم لبنان لسوريا؟
مانشيت - المدن
الاربعاء 18/6/2025
يقع لبنان بين نارين. النار الإسرائيلية المستمرة بالضربات والاستهدافات والشروط السياسية. والنار السورية، في ظل التقدم السياسي الذي تحققه سوريا والتقارب المستمر مع الولايات المتحدة الأميركية ومع الدول العربية، وخصوصاً السعودية. منذ شن إسرائيل ضرباتها ضد إيران لم يصدر أي موقف سوري يدين الاعتداءات. كان ذلك مؤشراً واضحاً على طبيعة الموقف السياسي لدمشق، التي تتقارب مع واشنطن إلى حدود بعيدة، وسط إصرار أميركي على انتاج تفاهمات أو اتفاقات سورية- إسرائيلية. كل ذلك يوحي بأن الولايات المتحدة الأميركية تريد لسوريا أن تلعب دوراً مشابهاً لما كان عليه دورها سابقاً، في فترات التفاهم بين هنري كيسنجر وحافظ الأسد.
"اتفاقية الخطّ الأحمر"
بعد حرب العام 1973 ولدت اتفاقية سرية بين وزير خارجية أميركا هنري كيسنجر والرئيس السوري حينها حافظ الأسد، سُمّيت "اتفاقية الخطّ الأحمر". والمقصود بها أن الرجلين وضعا خريطة للبنان أمامهما، فخطّ كيسنجر خطاً أحمر للنفوذ الإسرائيلي الذي يصل إلى حدود نهر الأولي، ويمنع سوريا من تجاوزه، بينما وضع حافظ الأسد خطاً أحمر لجهة البقاع والشمال، بمعنى أن هذه المنطقة ستكون خاضعة للنفوذ السوري. وبناء على هذه الاتفاقية جاء تدخل سوريا في لبنان في العام 1976 ضد منظمة التحرير الفلسطينية والحركة الوطنية. فيما اجتاحت إسرائيل جنوب لبنان في العام 1978.
ما بعد هذه السنوات، تولى النظام السوري ضرب منظمة التحرير الفلسطينية حيث يعجز الإسرائيليون. فمثلاً بعد اجتياح العام 1982 وإخراج منظمة التحرير من لبنان، وعودة ياسر عرفات إلى طرابلس، تولى حافظ الأسد شن حرب ضده في المدينة حتى أخرجه منها ومن لبنان نهائياً. كان التفاهم الأميركي السوري حينها ينطلق من خلفية مواجهة "مشروع عبد الناصر" أو القومية العربية، بوصفه مشروعاً عدائياً ضد إسرائيل وهدفه استمرار المواجهة العسكرية ومواصلة العمل العسكري المسلح ضد إسرائيل. استكمل الأسد مشروعه بتفكيك الحركة الوطنية وإبعاد حلفاء منظمة التحرير الفلسطينية عنها، كما فعل مع الحزب التقدمي الإشتراكي، وحركة أمل التي خاضت حرب المخيمات، بالإضافة إلى خوض معركة ساحقة ضد المرابطون في بيروت.
الدور السوري
بناء على هذه المعارك، ورثت "سوريا الأسد" كل الأدوار في لبنان، أي دور عبد الناصر ودور منظمة التحرير الفلسطينية، وبقيت هي القوة المقررة. الأمر الذي عادت وعززته إثر اندلاع حرب الخليج واجتياح صدام حسين للكويت وتشكيل التحالف الدولي ضده، يومها انخرط الأسد إلى جانب دول الخليج والأميركيين ضد صدام. وعلى إثرها نتج تفاهم أميركي سعودي سوري حول وقف الحرب في لبنان وتلزيمه لسوريا. اليوم يبدو الوضع مشابهاً في ظل الحرب الإسرائيلية الإيرانية. سوريا تقف إلى جانب الأميركيين ودول الخليج، أما لبنان فعلى الرغم من التقدم الذي تحقق بانتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة بمعايير أميركية سعودية، يبدو أنه لا يزال يتعثر ويتأخر عن مسار دمشق، وهذا ما يدفع الأميركيين والسعوديين إلى ممارسة المزيد من الضغوط لسحب سلاح حزب الله والدخول في المسار الذي يريدونه.
في هذا السياق، هناك تنامٍ لدور سوريا، خصوصاً في ضوء الحرب الإسرائيلية الإيرانية. إذ أن دمشق التي تميل إلى الموقف الأميركي، يبدو أنها ستضطلع بدور الإسهام في إضعاف المحور الإيراني وتفكيكه. وهو ما بدأه أحمد الشرع منذ دخوله إلى دمشق، من خلال وقف كل عمليات تهريب الأسلحة أو الأموال لحزب الله.
مواقف أحمد الشرع واضحة في مواجهة إيران وحزب الله. وهذا ما يشير إلى أن دمشق قد تلعب دوراً في تقويض نفوذ إيران وحلفائها، خصوصاً أن موقع سوريا استراتيجي وأساسي بالنسبة إلى المشروع الإيراني. فمنذ بدء الحرب الإيرانية الإسرائيلية، أرسلت دمشق تعزيزات عسكرية إلى الحدود مع العراق ومع لبنان. غاية هذه الحشود إبقاء الاستنفار والتحسب لأي تحركات قد يقدم عليها حلفاء إيران باتجاه سوريا، أو من خلال استخدام أراضيها. الهدف الآخر، إبقاء حزب الله أو حلفاء إيران في العراق بحالة تحسب لما قد تقدم عليه القوات السورية. وهذا يعني إبقاء الحزب في حالة انشغال، ومنعه من الانخراط في هذه الحرب بين تل أبيب وطهران.
الحشود العسكرية
لا يمكن فصل هذه التطورات عن مسار التقارب بين دمشق وواشنطن، إلى جانب علاقة سوريا الجيدة بكل من السعودية وتركيا. واللافت أنه بعيد اندلاع الحرب الإسرائيلية الإيرانية، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتصالاً بالرئيس الأميركي دونالد ترامب وأبلغه بأنه يجب التحسب لعدم حصول أي تطورات غير محسوبة في سوريا. وما كان يقصده أردوغان نقطتين، الأولى عدم تحرك حلفاء إيران في سوريا أو باتجاهها، والثانية عدم اندفاع إسرائيل للدخول أكثر إلى سوريا وتوسيع مناطق سيطرتها. بعدها حصل اتصال من قبل أردوغان بأحمد الشرع، وأبلغه بفحوى الحديث مع ترامب، وجرى التنسيق حول زيادة الحشود على الحدود مع لبنان، وخصوصاً في ريف دمشق وريف حمص، بالإضافة إلى زيادة الحشود العسكرية على الحدود مع العراق.
كل ما يجري يشير إلى أن القوى الإقليمية والدولية، تسعى إلى إعادة رسم خرائط النفوذ والأدوار. وتتعاطى هذه الدول مع الواقع وكأن دور إيران سيتغير كلياً في المنطقة بعد الحرب، فيما تسعى تركيا إلى توسيع دورها سواء في سوريا أو في شرق آسيا. كما أن السعودية ستكون صاحبة دور أكبر في سوريا بالتفاهم مع الأميركيين والأتراك. وهو ما يظهر من خلال اللقاءات والاجتماعات التي عقدت بين مسؤولين سعوديين والسفير الأميركي في تركيا توم باراك، وهو نفسه المبعوث الأميركي إلى سوريا الذي سيتولى الملف اللبناني في المرحلة المقبلة. وهذا ما يؤكد أن ملف لبنان ومساره سيكون مرتبطاً بالوضع في سوريا.
النصيحة الأميركية
في هذا السياق، ينتظر لبنان زيارة سيجريها باراك إلى بيروت للقاء المسؤولين وسيبحث فيها عناوين عديدة وواضحة، أولها نصيحة تتصل بضرورة مراقبة المسار السوري والتشبه به، لجهة حصر السلاح وسحبه من يد حزب الله، وإنهاء حالة الصراع مع إسرائيل من خلال إنجاز الترتيبات الحدودية اللازمة. وهذه تقتضي إيجاد حل نهائي لمزارع شبعا لسحب أي ذريعة من حزب الله لتعليله التمسك بسلاحه أو بمعادلة تحرير الأرض. علماً أن حسم ملف مزارع شبعا سيكون مرتبطاً بشكل مباشر مع سوريا.
في حال لم ينجح لبنان بمواكبة هذا المسار، فإن الضغوط الأميركية ستتزايد، بالإضافة إلى مواصلة إسرائيل لعملياتها العسكرية وتكثيفها. أما مع سوريا، فالمسألة مرشحة لاهتزازات أمنية ومناوشات في حال عدم حسم مسألة ضبط الحدود ومعالجة الكثير من الملفات العالقة.