الرئيسة \  مشاركات  \  خراب بيروت وصفقة البيض الفاسد

خراب بيروت وصفقة البيض الفاسد

08.08.2020
المحامي فوزي مهنا



يقول المونسنيور اللبناني "ميشال الحايك": "القضية اللبنانية كبيرة، إذا حملها الصغار همّ أوقعوها وهي أوقعتهم!" أليس هذا هو حال لبنان اليوم؟ بعد أن أوقعها هؤلاء الصغار في المصائب والنكبات والخرائب؟ كان افلاطون على الشاطيء الآخر من بيروت يحلم بالحكم الصالح الذي يتم عندما يحكم الفلاسفة الحكماء الدولة، لا أن يحكمها العسكر أو الميليشيات الطائفية المسلحة.
أية سلطة باتت تقود لبنان اليوم؟ من أزمة إلى أزمة تهرب ، وما أن كانت تتجاوز واحدة حتى تستعد لاستقبال أزمة جديدة أكثر تعقيداً، وبدلاً من أن تسعى هذه السلطة وما قبلها من سُلط لحلها، أخذوا يُكدسونها الواحدة بعد الأخرى، (تحت الفراش) كما يقول الُمغيّب فاروق الشرع، بروايته المفقودة، الصادرة بالعام 2015 حيال ما كانت عليه أوضاع سورية قبل الانفجار.
لا بل أخذوا من اللجوء السوري والتواجد الفلسطيني شماعة، ليغطوا بها عار عجزهم وفشلهم في بناء شبكات الكهرباء والمياه الصالحة للشرب، وحل موضوع الزبالة، والحد من المحسوبية والفساد ونهب المال العام، ليس ذلك فحسب، وإنما أخذوا من بعضهم البعض ذريعة للتفشي، وللتأكيد على ذلك يكفي الاطلاع على ما يكيله كل منهم بمواجهة الآخر من تهم بالفساد، على مدار الساعة من خلال صفحات التواصل الاجتماعي ولقاءاتهم الرسمية وغير الرسمية.
لقد غاب عن لبنان اليوم النظام البرلماني الديمقراطي الحر، وحلّ محله نظام الأصهار والمقربين من عائلة "دلاس" وحكم الميليشيات الطائفية، وأصحاب مزارع الحشيش، الولاء هنا في هذه الدوحة، أولاً للطائفة ثم للمصلحة فالزعيم فقوى الخارج ، لذلك لا غرابة أن يُصنّف لبنان من بين الدول الأكثر فساداً في العالم، مثله مثل ليبيا والعراق وسورية، البلاد المنكوبة بالحروب والدمار، لا بل يتحكم به صهر الجنرال عون، الذي يرى في الكيان الصهيوني أنه أقرب له من بعض اللبنانيين، وأنه باستطاعته العيش مع هذا الكيان برغدٍ وأمان، أكثر منهم، فكيف بالسوريين أو الفلسطينيين، كما يقول شارل أيوب صاحب جريدة الديار.
مشكلة الرئيس عون أنه أراد كرسي الرئاسة بأي ثمن، حتى لو على جثة الدولة اللبنانية، لذلك عاش على المتناقضات وسيموت بسببها ، لقد سبق أن تحالف مع خصوم سوريا صدام وعرفات ، حاربها ثم عارضها، بعد ذلك أخذ يتمسك بذيولها، عارض حزب الله وطالب من باريس وأمام الكونغرس الأمريكي بنزع سلاحه، ثم أبرم وثيقة تحالف معه لتكون "صفقة البيض الفاسد"، عارض نهج الزعامات اللبنانية المستندة على العائلية والمحسوبية والتوريث، ثم أورث صهره العائلة والتيار والدولة معاً.
بكلمته التي وجهها الى عموم اللبنانيين بمناسبة عيد الاستقلال 75 قال عون: "إن دخول العنصر الخارجي يفقدنا حرية القرار" وهو يعلم علم اليقين لصالح من يحكم هو وحلفائه في حزب الله اليوم، والأطرف من هذا وذاك كان خطابه في الأمم المتحدة الذي دعى فيه لجعل لبنان مركزاً لحوار الحضارات والثقافات والأديان والأعراق في العالم، وهو الذي عجز عن الحوار مع غيره من أطراف لبنانية أخرى طيلة سنوات، لولا إبرامه صفقة البيض الفاسد تلك.
صفقة مشبوهة سارعوا جميعاً لابرامها بغية تحقيق مآرب شخصية، فعون لم يتمكن من الوصول لقصر بعبدا، لولا سلاح حزب الله ، بالمقابل فإن الحزب كان بحاجة ماسة لغطاء داخلي، والأهم دولي، كي يستر عري تبعيته للخارج ويشرعن سلاحه ويوطد أركان دويلته في الضاحية، وإلا بات خارجا عن الشرعية اللبنانية والدولية في آن، بالمقابل سعد الحريري دعم عون بوصوله للرئاسة، مقابل وصوله الى رئاسة الحكومة، كل ذلك والخاسر الأكبر كان ولا يزال هو لبنان من ثم شعبه المغلوب على أمره.
أية سلطة هذه؟ أحدهم يقول إنها مفرقعات كانت تحضر للاحتفالات العامة، وآخر متفجرات، وثالث مواد كيماوية شديدة الانفجار! بل أية دولة هذه التي يقودونها؟
هل سمعتم بدولة لا تعرف عدد الموظفين لديها؟ يقول الكاتب راجح خوري في جريدة الشرق الأوسط (8 يونيو ٢٠١٩) "أنه رغم طلب لجنة المال في البرلمان من مؤسسات الدولة تقديم لوائح بعدد الموظفين عندها، تبين أن كثيراً منها لا يعرف كم هو عدد الموظفين لديه" والذي يضيف "تصوروا دولة اتخذت قراراً في أغسطس (آب) 2017 بوقف التوظيف، ليتبيّن بالأرقام أن سياسييها قد وظفوا عشرة آلاف مدني وعسكري بعد هذا القرار، تحديداً بفترة الانتخابات البرلمانية، لأسباب نفعية واضحة، كما تبين والكلام لخوري أن في لبنان «أستاذ» لكل ثلاثة تلاميذ، بعض هؤلاء الأساتذة ليسوا في مستوى التلامذة، ليس ذلك فحسب رغم حجم الدين العام المرتفع فإن لبنان يدفع 300 مليون دولار سنوياً لمؤسسة تأصيل نسل الجواد العربي".
ثم هل سمعتم بدولة لم تجرؤ على القيام بأي إحصاء رسمي للسكان منذ عام 1932 خشيةً من كشف الحقائق، بسبب الانقسامات الطائفية وحساسية التوازن القائم عليها النظام السياسي الحالي، وما قد تمارسه بعض المكونات من ضرب المعادلة الطائفية القائمة، فيما إذا ثبت أن هناك تحولاً ديموغرافيًا كبيرًا لصالحها.
والأصح ماذا بقي من عظمة لبنان بفضل هؤلاء؟ من رئيس جامعة لبنان عام 1953 الأكاديمي والأديب القدير فؤاد افرام البستاني، إلى الحقوقي الشهير، صاحب أكبر مكتبة قانونية بالشرق الأوسط أدمون نعيم 1970 إلى الأكاديمي والسفير بطرس ديب 1977 إلى الدكتور جورج طعمة 1980 من هؤلاء الهامات اللبنانية الوطنية والعلمية الكبيرة، إلى طبيب أسنان مشكوكاً في صحة شهادته العلمية، هو من يرأس الجامعة اللبنانية اليوم، وفقاً لرسالة الشيخ محمد علي الحاج العاملي رقم 33 الموجهة للرئيس نبيه بري (جنوبية 12 سبتمبر، 2018).
من شارل مالك أحد من صاغوا شرعة حقوق الانسان، وأبو الدبلوماسية اللبنانية فؤاد بطرس، وأمين معلوف والياس خوري وغسان سلامة وزير الثقافة السابق، عميد معهد باريس للشئون الدولية، المثقف وخبير السياسات العامة، صاحب العلاقات الدولية العابرة للقارات، الذي ترشح لشغل منصب الأمين العام لليونسكو، والذي كان سيعيد بترشيحه شيئاً من صورة لبنان، وفقا لسمير عطالله (جريدة الشرق الأوسط).
إلى وزير خارجية لبنان جبران باسيل الذي أصرّ على ترشيح اسم مجهول في عالم الثقافة والدبلوماسية "فيرا خوري لاكويه" لذلك المنصب، بدلاً من سلامة، والقول لعطالله، لتحل لاكويه، في مؤخرة القائمة في التصويت، إلى تاجر المخدرات النائب سركيس سركيس الذي اشترى مقعده النيابي، مقابل إدراجه على لائحة التيار المملوك للوزير باسيل (الديار 30 تموز 2018).
ختاماً مالذي أجهز على درة الشرق بيروت بهذا ألكم من الخراب؟ بروايته جمهورية الموز والحكواتي، الصادرة حديثاً، يقول نمر فريحة عن حكام لبنان اليوم: إنهم أنانيون فاسدون ابتلي بهم الشعب اللبناني، الذي يتغنى "بإنجازاتهم" إنجازات لا تتجاوز مصالحهم ومصالح أقربائهم، وهذا الشعب لم يرتقِ بنظرهم إلى درجة المواطنين، الذين يصح فيهم ما قاله بسمارك" لـ"تاليران": لا أرى فيك إلا كومة قذارة في قفاز من حرير".
فريحة لم يكتفِ بذلك التوصيف وإنما أخذ يحذر اللبنانيين من عملية الذبح التي يتعرض لها الكيان اللبناني برمته، على أيدي هؤلاء المسئولين، قائلاً: "إنها صرخة للتنبيه مما نحن سائرون نحوه "بسعادة"، وكأننا غفاة أو مخدرون من مفعول "الحشيش" مضيفاً إنها أشبه بقصة عصفور الشوك الذي يحط على الشوكة وينتظر أن تثقب صدره حتى تنفذ إلى قلبه، فيصدح ألماً، بينما من يسمعه يظن أنه يغني طربا