اخر تحديث
الخميس-25/04/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
مشاركات
\ حِرفة التنظير، وحكيم سرمدا !
حِرفة التنظير، وحكيم سرمدا !
18.03.2019
عبدالله عيسى السلامة
قال أحد الظرفاء ، قديماً : مازال فلان ، بخير، حتى أدركته (حِرفة) الأدب !
وقد سُمّي الأدب ، هنا ، حرفة ، يعمل العقلُ ، في إطارها !
فماذا تسمّى أعمال العقل ، في الأمور، التي لا تُعَدّ حِرَفاً ، ولا إطارَ لها ، يضبط حركة العقل ، فيها ، مثل المصطلحات الدارجة ، اليوم ، التي يتسابق بعض الناس ، إلى الاتّصاف ، ببعض مضموناتها ، مثل : مصطلحات (مفكّر، ومنظّر، وأمثالهما) !؟
لابدّ ، من التفرقة ، ابتداء ، بين : التفكير، والتنظير، والتخطيط .. كيلا يضلّ الذهنُ ، بين المصطلحات !
التفكير:هو عمل عامّ ، لعقل الإنسان ! فالعقل قد يقكّر، بأيّ شيء ، وبأيّ أمر، ممّا هو قادر،على التفكير به ؛ بشكل تلقائي ، أحياناً ، وبتوجيه من صاحبه ، أحياناً ! وقد يحاول العقل ، التفكير بأمور، ليس مؤهّلاً ، للتفكير بها ، فيُخفق ، وينكفئ !
أمّا التنظير: فهو وضع النظريات ، استنباطاً ، من حوادث متكرّرة ، أو ظواهر كثيرة الحدوث ، ضمن نسق واحد ، أو أنساق متشابهة ، ممّا تدركه الحواسّ ، ويخضع لعمل العقل !
أمّا التخطيط ، فهو وضع الخطط ، لتنفيذ مشروعات مستقبلية : صغيرة أو كبيرة .. خاصّة أو عامّة .. طويلة الأجل ، أو قصيرته ! وهو من أعمال العقل ، المذكورة ، آنفاً ، ولكنه أيسرها ، على العقل ، بشكل عامّ ! فكلّ عقل سليم ، مؤهّل للتفكير، هو قادر على التخطيط ، بحسب : استطاعته ، وخبرته ، ومؤهّلاته ، والموضوعات التي يخطّط لها : صغيرة أو كبيرة .. سهلة أو معقّدة !
والأعمال ، التي يمارسها الإنسان ، في حياته اليومية ، قد تُكسب صاحبها خبرة ، وقدرة ، على أيّ من الأمور المذكورة : التفكير الاحترافي الخاصّ الموجَّه ، والتنظير، والتخطيط !
وقد يكتسب بعض الناس ، شهرة حقيقية ، بين الناس ، في أمر ما ، من هذه الأمور ! وقد تكون الشهرة ، جُزافية ، أو مجّانية ، يكسبها صاحبها ، بطرق مختلفة ، وعند التجربة ، يتبيّن زيفها !
حكيم سرمدا :
راجت ، في بعض الأوساط ، من عشرات السنين ، حكاية ، هي أقرب إلى الطرفة ، منها إلى القصة الواقعية، وقد تكون واقعية ، لكنها تُذكر على أنها طرفة..عن رجل وُصف بأنه حكيم، في بلدة، تقع في الشمال السوري، اسمها : سَرمَدا ! وملخّص الحكاية : أنّ ثوراً ، في إحدى القرى ، أراد أن يشرب ماء ، من خابية .. فمدّ رأسه فيها ، فعلق الرأس ، في داخلها ، فعجز الثور، عن إخراج رأسه ، وعجز أهل القرية ، كذلك ، عن إخراج رأس الثور! وكان الناس بين خيارين ، هما : كسر الخابية ، أو قطع رأس الثور! ولم يكن أحد حريصاً ، على أيّ من الخيارين ! فتذكّر بعضهم (حكيم سرمدا) ، واقترح إحضاره ، لمعالجة الأمر! وحين حضر الحكيم ، ورأى المشهد ، فكّر قليلاً ، ثمّ أشار على أهل القرية ، بقطع رأس الثور، فقطعوه ! ثمّ حاولوا إخراجه ، من الخابية ، بعد أن غطس فيها ، فعجزوا ، فنصحهم الحكيم ، بكسر الخابية ، فكسروها ، واستخرجوا رأس الثور! فذهبت هذه الحادثة مثلاً ، وصار حكيم سرمدا ، مثالاً ، للحكمة المجّانية !
وكلمة (حكمة) ، تشمل الأمور العقلية ، الواردة أعلاه ، عامّة ، بحسب تعريف المصطلح (الحكمةُ : وضعُ الأمور في مواضعها) !
وبناء على ذلك ، يُطرح سؤال ، هو: إذا كان الأدب ، وهو حرفة منضبطة ، بحدود معيّنة ، يوصَف مُحترفُه، بالصفة الواردة ، أعلاه ( مازال فلان بخير، حتى أدركته حرفةُ الأدب ).. فماذا يقال ، عمّن أدركته حرفةُ التنظير، في كلّ شيء ، ولكلّ شيء ؟ ولا بدّ أن يأتي التفكير، قبل التنظير؛ إذ لا تنظير، بلا تفكير!
نقول: ماذا يقال ، عمّن امتَهنوا (التنظير) ، أو احترفوه ، فصاروا يتجوّلون ، بأخيلتهم ، في شتّى العوالم : المأهولة ، والمجهولة .. التي يستطيع العقل ، الخوض فيها .. والتي يعجز، عن الاقتراب ، من شطآنها ؛ لأنها فوق مستوى قدراته ، كلها !
ماذا يقال عن هؤلاء ، الذين أطلقوا الأعنّة ، لخيالاتهم ، للخوض ، في كلّ علم ، بما في ذلك العلوم الأرضية، المعروفة لدى غيرهم ، والمجهولة لهم .. وعلوم السماء ، المحجوبة عنهم ، وعن غيرهم ، إلاّ في حدود ، ما أوحى الله به ، لأنبيائه ورسله !
والطريف ، أنه ، كلّما كان المرء ، من هؤلاء ، أشدّ جهلاً ، كان أجرأ ، على الخوض ، فيما لايعلم ، من أمور الغيب والشهادة ! بل ، ربّما كان ، على أمور الغيب ، أشدّ جرأة ؛ وإلاّ فما معنى، أن يكون، في نظر الدهماء: مفكّراً ومنظّراً !
وإذا كانت الأمور تقاس بنظائرها ، وجرأةُ الجاهل ، على الخوض فيما يَجهل ، تقاس بما هو مثلها ؛ فإن حكيم سرمدا ، يُعَدّ - قياساً إلى هؤلاء المنظّرين - شديد الرصانة والاتزان ؛ برغم كونه ، لم يحصل ، على شيء ، من الشهرة ، التي حصلوا عليها ، بين دهماء المهووسين باللهاث ، خلف النظريات المشحونة ، بالتفاهة والبلاهة !
فضررُ (حكيم سرمدا) ، انحصر، في ذبح الثور، وكسر الخابية ! أمّا ضرر هؤلاء ، فهو الدمار الشامل، للأمّة، وكلّ مالديها ، من : قيَم ، وأخلاق ، ومُثل عليا ! وليسوا كلّهم ، بالطبع ، من الطراز المخرّب المدمّر؛ فالكلام ، هنا ، مقتصر، على أولئك ، الذين استغلّوا التفكير- الواجب ، في الأصل - وانحرفوا به ، ليجعلوه أداة تدمير! واستغلوا التنظير- المشروع ، في الأصل – ليَحرفوه ،عن مهمّته الأساسية ، إلى مهمّة ،لا صلة له بها، وهي: العبث الفكري الهدّام !
ولن نُسمّي ، هنا ، أحداً ، من المنظّرين ، الذين ملأوا خزائن المكتبات ، باللغو الفارغ ، المسمّى تنظيراً ، وقيمتُه الأولى ، لدى الدهماء ، تكمن ، في كونه مشحوناً ، بمعاول الهدم للأمّة : هدم كلّ ما لديها ، من قيَم ومقدّسات !