الرئيسة \  مشاركات  \  حول مسرحية تأهيل بشار .. من يؤهل من ؟ كيف ؟ ولماذا؟

حول مسرحية تأهيل بشار .. من يؤهل من ؟ كيف ؟ ولماذا؟

13.01.2019
د. محمد أحمد الزعبي




(1)
تشير كلمة (تأهيل) هنا إلى عملية مزدوجة من الفك والتركيب للشخص المعني ، لجعله من جهة راغباً في العودة إلى (أهله) ، ومن جهة أخرى مقبولاً من هؤلاء (الأهل ) بعد أن هجرهم وضل عن سبيلهم ( إذا لم أقل خانهم ) . ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا وبعد مرور ثمان من السنين العجاف ، ارتكب فيها هذا الذي يريدون تأهيله اليوم عشرات المجازر الكيماوية ، ومئات المجازر غير الكيماوية ، وقتل مئات الألوف من الأطفال والنساء والشيوخ ، وغيب مثلهم في غياهب السجون ، وهجر ( بتشديد الجيم ) الملايين أقول : السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو : من سيؤهل من ؟ وكيف ؟ ولماذا؟.
(2)
إن ماينبغي قوله لهؤلاء ( المؤهلين !! بكسر الهاء ) المحترمين ، هو أن كل ما قامت به عائلة الأسد (الأب والابن ) منذ عام ١٩٦٧ وحتى يومنا هذا ، كان بعلمكم ، هذا إذا لم يكن بموافقتكم ، وذلك في إطار تعاونكم ( غير المعلن ) مع الابن تحديداً ، في وقف موجة الربيع العربي التي كانت تهدد عروشكم وكراسيكم بل وجيوبكم التي كُنتُم تملؤونها بعرق العمال والفلاحين وعرق الفقراء والضعفاء من أبناء الشعوب التي كُنتُم تحكمونها بالباطل .
(3)
لقد كان تجميد عضوية نظام الأسد في جامعة الدول العربية أمراً مفروضا عليكم أيها السادة المؤهلين ( بكسر الهاء ) بعد قيام الثورة السورية ضده آذار ٢٠١١ ، وبعد أن باتت رائحة الجرائم آلتي ارتكبها بحق المدنيين والتي تم وضعها من قبل الثوار ، ومن قبل كل شرفاء العالم ، في خانة الخيانة. ( اللي بيقتل شعبو خاين ) تزكم الأنوف ، ولم يكن أمامكم سوى القبول بهذا التجميد، أو الصمت إلى أن تحين فرصة أخرى ويبدو أن سوخوي بوتين ومقام السيدة زينب قد أتاحا لكم هذه الفرصة ، وها أنتم تغتنموها لإصلاح ماأفسده الربيع العربي عليكم .
(4)
إن مهمتكم أيها المؤهلون ( بكسر الهاء ) المحترمون ( وهي مهمة بالوكالة ) في إعادة تأهيل ( أبو البراميل ) كرئيس شرعي لسورية إنما تدخل - برأينا - في إطار منحه شرعية (شكلية ) تؤهله فقط لإعطاء وجود القوات الأجنبية في سوية ، والتي استدعاها لنصرته وإنقاذه ، شرعية (شكلية بدورها ) تسمح لشرعيتهم (المزعومة) بالتعاون مع شرعيته ( المزعومة أيضاً ) لتدمير مابقي من سورية ، وقتل وتهجير من بقي من سكانها ولاسيما العرب السنة منهم (تحت مسمى مكافحة الإرهاب طبعاً !!) ، ناهيك عن مهمته الرئيسية التي ورثها عن أبيه ألا وهي حماية حدود ( إسرائيل ) والتطبيع معها ، وبالتالي التخلي عن القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني، وهو الدور المشبوه الذي لعبه الأب في لبنان عندما سمح له أمريكياً وإسرائيلياً بدخوله، وسحق المقاومة الشعبية ضد ( إسرائيل ) بجناحيها اللبناني والفلسطيني فيه عام ١٩٧٦.
(5)
إن هذا يعني أننا أمام مسرحية درامية سوداء يتبادل فيها كل من المنتج والمخرج والممثل وكاتب السيناريو الأدوار ، إخفاء للحقيقة وتضليلاً للمشاهدين . هذا مع العلم أن المسرح الذي تدور فيه أحداث هذه المسرحية ( مسرحية تأهيل بشار ) هو ليس سورية الصغرى ( الجمهورية العربية السورية ) ، وإنما هو سورية الكبرى ، التي تشتمل فيما تشمل الكيان الصهيوني ( إسرائيل ) بوصفها لاعباً رئيساً في كل مستويات وأبعاد وفصول هذه المسرحية . ولاسيما في فصلها الذي نحن بصدده الآن ، ألا وهو ، محاولة إعادة تأهيل هذا الحليف الاستراتيجي لها ، وتكريسه حاكماً لسورية هو وَذُرِّيَّتِهِ الطائفية ، إلى أجل غير مسمى . إنه هذا التعاطف والتودد بين ( إسرائيل ) ونظام عائلة الأسد يبدو من حيث الشكل ، تعاطف إنسانياً بين أقليتين مضطهدتين ( بفتح الهاء ) ضد الأكثرية في سورية الكبرى ، أما من حيث المضمون ، فلا أراني بحاجة إلى إيضاحه .
(6)
ولابد من التذكير هنا ، إلى أنه عندما غزت جحافل جورج بوش الابن العراق عام ٢٠٠٣ ، كان واضحا لكل ذي بصر وبصيرة ، أن الهدف الحقيقي من هذا الغزو الإنجلو - أمريكي ، كان المجيء بمجموعة عراقية مشابهة لتلك التي وصلت إلى الحكم في دمشق عام ١٩٧٠ ، وأيضاً لتلك التي وصلت إلى الحكم في طهران عام ١٩٧٩ . وبالتالي خلق قاعدة جغرافية - تاريخية لصراع اجتماعي نوعي جديد في الوطن العربي ، يحل محل الصراع العربي - الإسرائيلي المستمر منذ ١٩٤٨ ، ألا وهو الصراع الطائفي (السني - الشيعي )، في لبوسه القومي (العربي - الفارسي)، الذي ( الصراع النوعي الجديد ) من المفروض أن يقلب الأمور في الوطن العربي رأساً على عقب لعدة عقود من الزمن ، ولاسيما بعد أن تم خلق ( داعش ) السنية ، ووضعها في مقابل ولاية الفقيه الشيعية, الأمر الذي سمح لـ ( إسرائيل ) أن تضع رجليها في ماء بارد وتتفرج على هذه المسرحيات الهزلية العربية والإسلامية .
(7)
إن الدور الذي يقوم به بعض الحكام العرب فيما بات يسمى (إعادة تأهيل بشار الأسد ) إنما هو دور بـ ( الوكالة ) ، يبدأ شكلاً بتأهيل بشار ، وينتهي عملياً بالاعتراف والتطبيع مع الكيان الصهيوني على حساب كافة القضايا الوطنية والقومية العربية ، وعلى رأسها القضية الفلسطينية ، الأمر الذي سيسمح لـ ( اسرائيل ) أن تتسلى بالتفرج على الجميع ( السنة والشيعة ) وهم يتلذذون بأكل لحوم بعضهم بعضا ، بل وتقوم بتشجيعهم على ممارسة هذا المنكر دينياً ودنيوياً ، وذلك تمهيداً للدخول في صفقة ترامب ( صفقة القرن ) لتصفية القضية الفلسطينية . إن محاولة أمريكا وروسيا وإيران ، ومعهم معظم القادة العرب ، الآباء منهم والأبناء ، إعادة تأهيل بشار الأسد ونظامه الطائفي، العسكري ، الفاشي ، وفرضه على الشعب السوري ، بالقوة ، إنما يدخل - برأينا - في إطار محاولة تنفيذ هذه (الصفقة ) والتي يقتضي تنفيذها المحافظة على جذوة الصراع الطائفي السني - الشيعي حية , وإخراجها من ( تحت الطاولة ) إلى ( فوق الطاولة ) ، إلى أن يرفع كل الناطقين بلغة الضاد الراية البيضاء .
(8)
إن مانخشاه وننبّه إليه هنا ، هو أن الوصول إلى مثل هذه النتيجة المؤسفة والمؤلمة ، قد يستلزم. - إذا ماحصل - إضافة إلى إعادة تأهيل أبي حافظ ( بشار الأسد ) ، تصفية كافة خصومه السياسيين الذين شاركوا في ثورة آذار ٢٠١١ ، إضافة إلى تصفية كل من قال ، أو لايزال يقول ( لا ) لصفقة ترامب وبوتين ، سواء أكان سنياً أو شيعياً ، وسواء أكان في فلسطين نفسها ، أو في أي مكان من الوطن العربي ، تماماً كما حصل للمرحوم صدام حسين عام ٢٠٠٣ في بغداد . هذا والله أعلم .