الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حلم منتصف ليلة صيف

حلم منتصف ليلة صيف

21.09.2021
يحيى العريضي


يحيى العريضي
سوريا تي في
الاثنين 20/9/2021
"حلم منتصف ليلة صيف": عنوان مسرحية كوميدية شكسبيرية؛ يختلط فيها الواقع، بالحلم، بالغيرة، بالقانون، بالواجب، بأوامر الأبوة، بسلطان الحب، بالسحر، بتغيُّر الانسان لحيوان؛ وكل ذلك دون دم أو دمار؛ وصولاً إلى اعتذار الممثلين من المشاهدين. أما الحلم الذي ينقله هذا المقال فلا علاقة له بالكوميديا، بل بأقسى أنواع التراجيديا وأكثرها ندرة. مسرحيتنا واقع كأنه حلم؛  يعجز حتى شكسبير، لا عن كتابته، بل مجرّد تخيّله.
"الغيرة" في مسرحيتنا هي غيرة الحاكم من كل شيء؛ هي أنانيته؛ هي منبع "فجعنته" الموروثة للاستحواذ وللتملّك المريض الناتج عن رعب الفراغ والإحساس بالضعف والدونية؛ ما يدفع لتدمير كل شيء للحفاظ على ذات مهددة منبوذة. غيرة السوري في الداخل- وقد نجا بروحه من براميل الحاكم- أن يخرج من قبرٍ اختاره عنوة لضعف أو نذالة؛ وغيرة مَن هو في الخارج ممَّن لازال يشتمُّ رائحة الوطن، ولو كان ممزقاً أو قبرا.
"القانون" في مسرحيتنا مفصَّل على مقاس الحاكم وأهوائه، وما يسدُّ فراغه وفراغاتها. "الواجب" تحوّل إلى علاقة عهر بين الحاكم والمحكوم: إذا وصل الحق أو جزء منه للمحكوم، فهو "مِنَّةً" أو مكرمة" أو عبر التوسّط؛ أما حق المحكوم تجاه الحاكم فيأتي عبر الخوف والإذلال والجور من قبله، وعبر النفاق والمراوغة وتحليل المُحَرَّم من قبل المحكوم: " العبث بمال الدولة حلال!"؛ وهذا انتقام العاجز من الظالم.
"أوامر الأبوة" في مسرحيتنا يمثلها "الأب القائد" و"الرئيس المُلهَم" في نفاق متبادَل، يحوّل الهزيمة إلى "نصر"، وخسارة الأرض أمام مغتصبها إلى "تحرير"، وصرخة الحرية إلى "إرهاب"، والصبر على العوز والذل أمام الأفران ومحطات الوقود إلى "صمود" "ودفاع واجب عن النفس"، حسب مَن يمثِّل الحاكم.
"سلطان حب" مسرحية شكسبير تحوّل في مسرحيتنا إلى استراتيجية مواجهة رسمها "الأب القائد"، واختطّها لحكمه من الساعة الأولى. فبينما بنى المحكوم حياته على العيش المسالم، والقبض على جمر الصبر، ووجع الطاعة بالخوف؛ بنى الحاكم حبّه على منسوب الرضوخ والخنوع والفساد والإفساد؛ وإلا، فالبطش والاعتقال والقتل والتشريد هو المصير؛ فكان الحب قاتلاً؛ عملاً بمقولة: "ومِنَ الحب ما قتل".
أما "السحر" في مسرحيتنا، فكان بالنوم بأحضان إسرائيل- محتلة الأرض، ومغتصبة الحقوق- في الخفاء؛ والظهور بمظهر "المقاومة والممانعة والصمود والتصدي"، في العلن. كان السحر بادعاء "السيادة"، في وقت يتم شحن الحاكم لديار المحتل، ووضع اليد على مقدرات البلد. كان السحر بالارتهان لملالي طهران؛ وكان بوصف طلاّب الحرية بأدوات المحتل التركي.
أما "الحيوان" في مسرحيتنا فهو الوصف الذي فاز به مَن استخدم كل أدوات القتل بما فيها المُحرم لـ"ينتصر" على " إرهاب الشعب السوري"؛ ومن ثم نَيْلُ لقب "ذنب الكلب"، حتى مِن قِبَل حُماته الروس. الحيوان ذاته في مسرحيتنا كان قد وصف من ثار عليه بالجراثيم والعملاء والخونة.
كان حلم الإنسان السوري تاريخياً أن يكون له مكان مرموق على هذه الأرض انسجاماً مع ما قدمت بلده للبشرية. انحسر هذا الحلم بعد تسلط الاستبداد إلى مجرد عيش آمن
أما "الاعتذار" في مسرحيتنا، فهو بعيد المنال. لم يكن في مسرحيتنا أي اعتراف ولو بخطأٍ بسيط مِن قِبَلِ الحاكم، ولا حتى أي إحساس بما حدث أو يحدث. كان لدينا انفصامٌ كاملٌ عن الواقع. حتى أحد مخرجي المسرحية- ويُدعى بوتين- بارَكَ لبطل مسرحيتنا بنجاحه بالانتخابات الأخيرة، وبثقة الجمهور الكبيرة به. رغم كل ذلك لم نطلب اعتذارا، بل مجرد  قبول بعملية سياسية، وتنفيذ لقرارات دولية، ترفع العقوبات والمقاطعة عن بلدنا، وتعيد نازحينا وإعمار بلدنا؛ وأن يعيش  إنساننا السوري بكرامته حراً عزيزاً مساهما بالحضارة البشرية، كما كان.
كان حلم الإنسان السوري تاريخياً أن يكون له مكان مرموق على هذه الأرض انسجاماً مع ما قدمت بلده للبشرية. انحسر هذا الحلم بعد تسلط الاستبداد إلى مجرد عيش آمن، وبقاء مستور. ثم انحدر إلى حالة من الانسحاق، ليتساوى الموت بالبقاء بعد عقد زمني رأى السوري في اليقظة ما لا يحصل في الحلم. أما حلم نظامه، فكان الأبدية والأبدية فقط؛ فكان أهم ما استلزم ذلك هو سحق وجعل السوري بلا حلم. وعند ضياع حلم الحاكم، تحولت كل سوريا إلى أرض يباب وشبه بشر.
أخيراً؛ وبحكم أن السوري كطائر الفينيق، وبحكم إيمانه بأنه "من رمادها تقوم الأشياء"، وبحكم معرفته الحقيقية باندحار حكم الظالم؛ مهما كان خبث حماته من الملالي، وبهلوانية حماته من الروس، ومحاولاتهم البائسة بإحيائه؛ إلا أن هذا العالم لا يمكن أن يحتمل حالة سرطانية قاتلة لذاتها ولمحيطها؛ فالحلم السوري ممكن وضروري؛ ولا بد من تحويله إلى واقع، لأنه يستند إلى حقائق سورية؛ فليس هناك أكثر وفرة من الحكماء في سوريا، مهد الحضارة ومنزل الديانات؛ فأينما كان أو ذهب هذا السوري يتألق، ويخلق الحياة من العدم.
لا بد من استنفار هؤلاء الحكماء؛ كي يشكلوا مجلساً تأسيسياً يمثل عقل وإرادة وروح سوريا، يكلف لجنة خبراء لكتابة مبادئ ما فوق دستورية لمرحلة انتقالية؛ وينشىء مجلساً عسكرياً يعيد كل سلاح إلى عهدة الدولة؛ يتواصل مع الجهات المتدخلة في سوريا عبر الأمم المتحدة- صاحبة القرارات المتعلقة بسوريا- يطلب من القوات الأجنبية الخروج؛ ينشىء مجلساً اقتصادياً، يشرف على صندوق ومشروع إعادة الإعمار؛ يخلق البيئة الآمنة لعودة طوعية حرة كريمة للاجئين؛ يكتب دستوراً للبلاد؛ يشرف على انتخابات حرة ديموقراطية لا مكان فيها لحاكم ظالم؛ هكذا تعود سوريا وأهلها إلى الحياة.