الرئيسة \  مشاركات  \  حلب .. مأساة العصر الإنسانية

حلب .. مأساة العصر الإنسانية

03.12.2016
غسان مصطفى الشامي




عندما غزا التتار بلاد المسلمين في القرن السابع الهجري تعرضت الدولة الإسلامية لظروف عصيبة وعسيرة واستباحت جيوش التتار ديار المسلمين، وسفكوا وسقطت المدائن الإسلامية ودمروها ونهبوها، وحسب مصادرنا التاريخية الإسلامية فقد كانت الدولة العباسية تعاني من ضعف وتدهور كبير ولم تستطع الوقوف في وجه جيوش التتار التي زحفت إلى عاصمة الخلافة العباسية بغداد وقتلت الخليفة المستعصم وقتلت قرابة مليوني مسلم وأحرقت الأخضر واليابس ودمرت مكتبة بغداد العظيمة وكانت من أعظم المكتبات على وجه الأرض حتى أن إحراق مكتبة بغداد كان له تأثير على تأخير الحضارة الإنسانية مئات السنين، وواصل التتار القتل والتدمير إلى أن استعاد المسلمين قوتهم وجمع شتاتهم وهزموا التتار في رمضان من سنة 658هــ في معركة عين جالوت على أرض فلسطين.
سردت لكم جزءً من أحداث هامة جرت في التاريخ الإسلامي ربما لكي أقرب لكم مشهد مما يحدث هناك في بلاد الشام في حلب وحمص وغيرها من المدن السورية من قتل ودمار واستباحة للدماء، وسأكتفي في هذا المقال بالحديث عن ما يحدث في مدينة حلب الشهباء، هذه المدينة التاريخية الصامدة والتي لها مداد تاريخي كبير ولها دور أصيل في تاريخنا الإسلامي، وأنجبت المئات من العلماء والمفكرين .. هذه المدينة التاريخية الجميلة الغنية بجمال طبيعتها ومواردها أصبحت اليوم تعيش مآسي ونكبات كبيرة.
إن مدينة حلب تحيا هذه الأيام أوقات عصيبة وهي تقصف بالطائرات الروسية وطائرات النظام من كل حدب وصوب، وفيها قرابة( 300 ألف )  محاصر في 36 حيا سكنيا ، وتكالبت عليهم طائرات الروس وأعوانهم والنظام تقصف كل متحرك وساكن في هذه المدينة، حتى المستشفيات الميدانية لم تسلم من القصف والتدمير، والعالم كله شاهد قتل الأطفال والنساء، وشاهد الطائرات الروسية وهي تقصف المشافي في حلب، وتعرضت قوافل الإغاثة تعرضت للقصف والاستهداف الروسي، و تعاني المناطق الشرقية من حلب الشهباء من نقص شديد في الأدوية والمستلزمات الطبية وسط ازدياد معاناة الجرحى الذين استشهد الكثير منهم بسبب استمرار النزيف وهم مصابين، وحسب المصادر الإعلامية المستشفيات الثمانية التي أقيمت في شرق حلب مكتظة بالجرحى ويعمل فيها عشرات الأطباء وتفتقر إلى الكثير من الاحتياجات الطبية وتوقفت   هذه المستشفيات عن الخدمة بعد تعرضها للقصف الروسي المتواصل على كافة أرجاء حلب، أما المدارس فهي أيضا لم تسلم من القصف الروسي وتعرضت للتدمير ولم تعد صالحة للتعليم . 
إن حلب اليوم تعيش مأساة إنسانية لا يمكن وصفها أو الحديث عنها، فقد دمرت الطائرات الروسية وطائرات النظام الحاكم كافة مرافق الحياة في هذه المدينة، والكل فينا يشاهد عبر وسائل الإعلام القنابل والبراميل المتفجرة التي تسقطها الطائرات الروسية على أحياء حلب؛ ونشاهد أثار الدمار والآلام التي يحياها الناس في حلب والكثير من المدن السورية.
ويصف الناشط السوري عبد الحميد البكري  الأوضاع المأساوي في حلب قائلا  " مرت علينا خمس سنوات وكل سنة نقول هي الأصعب، ولكن لا أظن أن نصل لأصعب مما نحن فيه الآن، نجلس بجانب الجريح وننتظره كي يموت، ونقف عاجزين أمام صرخة طفل يحتاج للحليب، أو جائع يحتاج الطعام، ما يحصل الآن لم أقرأه في كتب التاريخ، حلب مأساة العصر، لقد تركونا نواجه المصير لوحدنا، إما الموت بالبارود أو الموت بسلاح الجوع، وهما خياران أحلاهما مر، وحتى الأطفال لا مكان آمن لهم في حلب .
إن حلب الشهباء مليئة بالقصص المأساوية التي تدمي القلوب وتفزع النفوس، ولا أعلم إلى متى تظل المعاناة ؟؟؟ ولقد أصبحنا نسمع أرقام عن الشهداء في حلب الشهباء، وأصبحت الأخبار لا طعم لها جراء مواصلة القتل والدمار للإنسان في حلب، وهناك قصص وآلام لم تنقلها لنا الأخبار والكاميرات، وهناك أناس يتمسكون بأرضهم ووطنهم ويعيشون تحت القصف والدمار ولن يرحلوا عن حلب التي قضوا فيها سنين حياتهم وعاشوا فيها أيامهم الحلوة والمرة .
إن المجتمع الدولي شاهد زور على ما يحدث في حلب وما يحدث في الكثير من المدن السورية، ولن يتحرك المجتمع الدولي يوميا ليدافع عن أبناء الشام بل سيبقى المتفرج على هذه المأساة ويتحدث عنها في البيانات والرسائل الرسمية والمبعوثين الدوليين الذين لا يحركون ساكنا أمام مقتل الأطفال والشيوخ والنساء في الشام.
المشاهد في مدينة حلب السورية فظيعة ولا يمكن وصفها، وهي بالفعل مأساة عصرنا الإنسانية عندما يتم قتل الآلاف من الأبرياء دون أن يحرك المجتمع الدولي ساكنا ودون أن يكون لهم سندا أو جيش عربي يدافع عنهم، إنهم يعيشون ساعات اليوم تحت القصف والقنابل يواجهونها بصلابة وعزيمة وإرادة حرة؛ ونحن  في فلسطين المحتلة الواجب علينا أن نكثف لهم الدعاء بأن يحفظهم الله ويحميهم من القصف والدمار اليومي .
إلى الملتقى ،،