الرئيسة \  مواقف  \  حكايانا الشعبية أفلام الأطفال على عهد طفولتنا

حكايانا الشعبية أفلام الأطفال على عهد طفولتنا

15.10.2018
زهير سالم




في سني طفولتنا الأولى ، لم يكن هناك تلفزيون ، ولا ميمي ولا ميمو .. ومع ذلك كان لنا عالمنا الممتع الجميل ..
كانت حكايات قبل النوم من الأمهات والأخوات والعمات والخالات والجارات العجائز تملأ الفراغ ، وتشكل رافدا مهما في صناعة الوجدان ...
حكايات العفاريت والجن والبيوت المسكونة يتداولها الكبار فيما بينهم على مسمع من الصغار ، كانت تشكل حالة من الرهاب الحقيقي ظل منطويا في أعماقنا حتى اليوم . أسماء مثل : " سبدلا " الي بشق الحيط وبتدلى " أي لا ينفع معه إغلاق باب ، كان في وقعه مثل اسم بشار الأسد لأطفال سورية اليوم . ربما لطفل مثلي كان اسم " أبو دبي اللي بياكل البنت وبخلي الصبي " لا يعنيني كثيرا فأنا صبي وأبو دبي غير مهتم بمثلي.
وبعيدا عن حكايات الجن والعفاريت كان هناك معجم للحكايات الجميلة ، كنا لا نمل من استعادة حكايتها من أهلينا . وهي تشكل مادة جديرة بالدراسة للأدب الشعبي بقيمه وتطلعاته ونبله وما زرعه فينا . هذه الحكايات الشعبية لا أحد يعلم من وضعها ولا من ألفها ويبدو أن من حق كل راوية - ذكرا كان أو أنثى - أن يزيد وينقص فيها حسب أعمار المخاطبين والظرف الذي تحكى فيه .
وأشعر أمام عناوين كثيرة ما تزال تتربع في ذاكرتي أن من حق هذه القصص علينا أن تسجل وأن توثق وأن تدرس في إطار أدبي معاصر تكتشف كل ما في مخزوننا الثقافي من إيجابي وسلبي ..
لا أستطيع أن أزعم أنني في هذه العجالة أستطيع أن أنثر كل ما في ذاكرتي من عناوين ، ثم أن نقوم بسرد متضمنات هذه العناوين بطريقة تعاونية منظمة . ولكن أحب أن اقول أن هذه الحكايات أيضا كانت موزعة على سنوات الطفولة العمرية ..
بدأ من حكاية " عنزة العنوزية " وحسحس وبسبس وحباب ورباب ، وانتهاء بحكاية الأمير " حسن الأقرع " الذي ينقذ عرش أبيه .
من هذه الحكايات مثلا " الطير الأخضر " الذي يمشي ويتمختر المليئة بالألم العاصف من زوجة الأب ، ولو تتبعنا صورة زوجة الأب بعد موت الأم في تراثنا الشعبي لكان ذلك صالحا لرسالة ماجستير حقيقية . وحكاية صالحة وبديعة ، وحكاية محمد لولو ، وحكاية سالم وابنة عمه سالمة . حيث كنا نسمع عن أرقى مشاعر الحب الطفولي . وحكاية " أرض الكوسا لا تدوسا " وحكاية " عنقا عنقا بنت الريم ، وحكاية " يا هند وياهنود ويا مسك ويا عود أخوك هلمسكين سنوا له السكاكين . وحكاية " ايش شفتي من شيخك ؟ بصوم وبصلي وبقري الأولاد " في التربية على طاعة المشايخ حتى لو رأيتهم يأكلون لحم زملائك . وحكاية " القطة التي قطع القهواتي ذنبها " وحكاية " قزيزان وقصيبان وحديدان " في تعليمنا أن من بيته من قصب أو زجاج لا يرجم الناس. وحكاية " سن التوم " التي يقابلها في التراث المصري عقلة الأصبع وحكاية " خاتم المارد " المسمى مصباح علاء الدين . ..
في كل هذه الحكايات كنا نسمع حكايات الصبر والألم والمعاناة مع حسن الخاتمة من العبارات الدارجة في وصف منقطع الأرض " أرض حفرة نفرة ما فيها غير الله والحشيشة الخضرة " أو " لاطير يطير ولا وحش يسير "
في كثير من هذه الحكايات يتدخل القدر مجردا في صورة شيخ يلبس أبيض بأبيض ولحيته بيضاء ، ويعطي البطل كبة من حرير تقوده إلى الصواب ..
العفاريت في هذه الحكايات جميعا ينامون وعيونهم مفتوحة فإذا كانت عيونهم مغلقة فهم مستيقظون . ولكن البعد الأجمل في هذه الحكايات أنك يجب أن تقتل العفريت بالضربة الأولى القاضية . وإذا قال لك تني تقول : ما علمتني أمي . يعني لا يحق أن تضرب العفريت ضربتين .
هذا الدرس الذي نسيه كثير من السوريين بين يدي هذه الثورة . كنت أنادي عليهم العبوها : كش ملك . وهم يفرحون على بيدق هنا وفيل أو حصان هناك .
هذا بحث طويل أسأل الله أن يعينني عليه .
لندن : 4 / صفر / 1440
14/ 10 / 2018
ــــــــــــ
*مدير مركز الشرق العربي