الرئيسة \  واحة اللقاء  \  حرب أم لا حرب في ربوعنا؟

حرب أم لا حرب في ربوعنا؟

08.12.2018
دلال البزري


الجزيرة
الخميس 6/12/2018
تتجدّد الضربات الإسرائيلية العلنية على مواقع إيرانية في قلب سورية وعلى حدودها، خارقة بذلك "هدنة"، علنية أيضاً، فرضها الاشتباك الروسي الإسرائيلي في الخريف المنصرم. ومع هذه الضربات، يتجدّد السؤال الوطني: هل تندلع الحرب عندنا، أيضاً؟ أم ماذا؟ يجيبك صاحب القرار بالحرب، حزب الله، بحجةٍ تكاد تكون جوهريةً، تنفي تماماً إمكان حصول هذه الحرب على أرض لبنان، فالحزب خرج مع بشار الأسد منتصراً من حربه على السوريين، كما خرج، قبل اثني عشر عاما، منتصراً في حربه ضد إسرائيل، في موقعةٍ رعاها الله والتاريخ والإستراتيجية. والانتصار، مثل الرأسمال، يجرّ بعضه. ثم إن الصورايخ التي كدّسها الحزب، بالآلاف، سوف "تعيد إسرائيل إلى العصر الحَجَري". لن يتجرّأ الإسرائيليون على فتح معركة في لبنان، لأن لبنان سوف يهزمهم، كما هزمتهم غزة أخيرا، وأرغمت نتنياهو على تجميد عدوانه عليها.
حرب أم لا حرب إذن؟ والجواب السلطاني: كلا. لا حرب. ثم إذا كان لا بد من حرب، فهذه انتصاراتنا السابقة والحاضرة، وهذه صواريخنا، وهذه التعقيدات الإقليمية.. فليتفضّلوا! اطمئنوا.. فنحن الأقوى.
في المقابل، تبدو إسرائيل متواضعة. إنها خائفة. ولا تفوّت مناسبةً إلا وتدعمها بخوفها. هي
"الخوف سبب ديناميكي لخوض أشرس الحروب، بل هو ديناميكية بحد ذاتها" طوال عمرها خائفة، ما مكّنها من خوض حروبها التوسعية، لكنها اليوم دخلت في الحسابات الإقليمية التي تسبّبت، هي نفسها، بإستدراج بعضها. وتعقيدات هذه الحسابات تسحب عنها ثقتها العارمة بنفسها. يجب أن تفكر بعقلها، وليس فقط بعضلاتها. بل ربما تحتاج إسرائيل للخوف، كي تبقى معسْكرة، تدافع عن نفسها من محيط يكرهها، مهما بلغت من تصور لنفسها. نتنياهو في الأمم المتحدة لم يعبِّر سوى عن خوفه، عندما أعلن، بيقينية تامة، أن حزب الله يمتلك معامل صواريخ في العاصمة اللبنانية ومحيط مطارها. والجنرال تامير يدعي، قائد الجبهة الداخلية الإسرائيلية، يكرِّر أخيرا خشية رئيسه، أن الحرب المقبلة على بلاده ستكون صعبةً وخطرة، وستهدِّد الأمن القومي الإسرائيلي. وبرأيه، أنها سواء اندلعت في الشمال (لبنان) أو الجنوب (غزة) فإنها ستشمل الوسط (تل أبيب)، وستكون "من دون شك أكثر صعوبةً وإيلاماً مما سبق".
الآن، انظر إلى الفارق بين الإثنين: بين لبنان وإسرائيل. في الأول، يُفتي أولو الأمر بأن لا حرب. بأن ناموا على حرير، لن يفعلوها! يقولها مطبْطِباً على جمهورٍ مذعور ملمّ بأهوال الحرب. وفي الثانية، إسرائيل، استنفار عصبي عاطفي، وطني، تحتاج إليه، هذا الخوف، لاستعادة هيمنتها العسكرية المطلقة؛ أو ربما فقدت أوهامها، وباتت لا تطمح إلا لتعديل ميزان القوى، بما يخدم أمنها وحسب. وقوامها خوفٌ من تفوّق العدو، والنيْل من أمن البلاد. من جهة سكينة الواثق، ومن جهة أخرى استنفار الخائف، والخوف سبب ديناميكي لخوض أشرس الحروب، بل هو ديناميكية بحد ذاتها.
ولكن مع فرق كبير، لا تراه العيون المنتصرة، المزهوّة بسحقها الشعب السوري، والمتغاضية عن انفكاك حلفائها الداخليين عنها، فإسرائيل الخائفة تتصرّف على هذا الأساس. أي أنها تتوقع حرباً، تقول مثل أعدائها إنها لن تكون البادئة بها، مسقطةً حربها التمهيدية على الأرض 
"من العبث التكرار أن لا نظام يحكمه غير الأمر الواقع، أي القوة العارية أو المبطّنة أو المتواطئة" السورية، بطائراتٍ تمرّ عبر الأجواء اللبنانية، كأن هذه ليست حربا. أي أنها تهيئ لشرعية عدوانيتها بخوفها على نفسها، تجنّد الدبلوماسيين والأصدقاء واللبويات حول هذا الخوف. ثم تنظم المناورات العسكرية والمدنية، وتبني الملاجئ، تضبط الإنفاق العسكري، تصنع، تزدهر، تغتني، تعيش في نظامها الخاص. أما لبنان، وما أدراكَ! من العبث التكرار أن لا نظام يحكمه غير الأمر الواقع، أي القوة العارية أو المبطّنة أو المتواطئة. ولا لتكرار أن كل شيء فيه ينهار، ولم تتوقف أشكال حروبه الأهلية عن التأجّج، لغتها فيه البذاءة والاستقواء وسوء الطالع. وهو مقبلٌ إلى المزيد. وقوته الأقوى، المتسلحة بالصواريخ "الدقيقة"، تنفخ بنفسها، بقرار غيرها وعتاده وأمواله ومستشاريه، إلا من قواه البشرية: فالوقود هنا هو نحن، بحجرنا وحيواتنا.
تغيرت المعادلة، منذ انتصارات إسرائيل الساحقة الماحقة. كانت هي أيضا منتشية بانتصاراتها، إلى أن جَلَبت أشراراً آخرين، ينافسونها الآن على الهيمنة والانتصار. وتغير المعادلة القديمة لم يأتِ لصالح الشعوب المعنية بتوسعيتها، ولا لصالح الفلسطينيين أنفسهم، بدليل أن أوضاعهم تزداد سوءا أينما وجدوا، خصوصا في لبنان، حيث يعيشون في ما يشبه نظام الفصل العنصري، المخترَق، تتشدّد القبضة الحديدية عليهم مع كل "انتصار" ممانع على إسرائيل و"عملائها في المنطقة". تغيرت المعادلة؛ لم تَعُد إسرائيل واقفةً على رأس الهرم الشرق أوسطي. صار لها منافسون، قوى مسماة إقليمة ودولية، تتفوّق عليها بالسلاح والتكتيك. إسرائيل باتتْ واحدةً من بين هذه القوى؛ ترأسها روسيا، تسكت عليها الولايات المتحدة، وتشاركها بأقدارٍ متفاوتةٍ إيران وتركيا. والأهم من ذلك كله أن شعوب تلك "القوى" تنعم بالسلام، فيما شعوبنا الموهوبة بالموت تقفز من حربٍ إلى أخرى، من شقاءٍ إلى آخر، بخفّة، بقلّة تفكير، بقلّة حساب، بمهارة استرخاص الحياة والمستقبل.