الرئيسة \  مشاركات  \  حدثان كبيران في يوم واحد

حدثان كبيران في يوم واحد

19.08.2020
د. محمد أحمد الزعبي




تعني مفردة حدثان حسب بعض قواميس اللغة العربية ، مصائب الدهر ونوائبه ، ولكننا عنينا بها في في عنوان هذه المقالة أمران وقعا في يوم واحد هما : التطبيع الإماراتي مع إسرائيل ( العدو الصهيوني ) ووفاة الدكتور المرحوم عصام العريان القيادي في جماعة الإخوان المسلمين بمصر في سجن العقرب ، ورفض السيسي تسليم جثته إلى ذويه ، مع الإدعاء المشبوه في أن السلطات الحكومية ( السيسية ) هي من سيقوم بدفنه (!!) . وتشير كلمة المشبوه هنا إلى أن سلطة الجنرال السيسي لاتريد أن تعرف أسرته ، وبالتالي الآخرون ، بالدور الحقيقي المشين لنظام السيسي في قتل عشرات ، إن لم نقل مئات السجناء ، ولا سيما من الإخوان المسلمين ، وبمن فيهم الرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي رحمه الله . حدثان كبيران ومؤسفان وقعا في يوم واحد هو الخميس الموافق 13.08.2020 . إن دويلة محمد بن زايد ( الإمارات العربية المتحدة ) الذي يتلقى أوامره وتعليماته فيما ينبغي عليه أن يفعل أو لايفعل من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الحالي ( ترامب ) . لقد أراد ترامب ومعه محمد بن زايد ، من فتحهم باب التطبيع مع الكيان الصهيوني (!!) ، أمام بعض المترددين من الحكام العرب ، ولا سيما الخليجيين منهم ، أن يلج هؤلاء الحكام هذا الباب ( باب التطبيع مع الكيان الصهيوني ) دونما خجل أو وجل لامن الشعب الفلسطيني ولا من الشعب العربي وذلك في طريقهم المفروشة بالورود إلى الولايات المتحدة الأمريكية ، حيث ينتظرهم في البيت الأبيض كل من ترامب وكوشنيرونتنياهو وفي يد كل منهم باقة من التقدم والتنمية والديموقراطية وحقوق الإنسان ، وأيضاً كمية من الدواء ( التطعيم ) الذي توصل إليه علماؤهم ضد وباء الكورونا ناهيك عن أكذوبة التوقف المؤقت ( بناء على طلب ترامب )عما عرف بعملية الضم .
 في أواخر القرن التاسع عشر ، كان عدد من اليهود المتدينين مايزال مترددا في قبول مقولة هرتزل أن فلسطين هي " أرض بلا شعب " وهو مايبحث عنه اليهود الذين هم حسب عراب الصهيونية العالمية " شعب بلا أرض ". أرسل هرتزل لجنة من هؤلاء المترددين إلى فلسطين ( أرض الميعاد ) ليروا بأم أعينهم حقيقة الأمر ميدانياً . وعندما وصلت اللجنة إلى فلسطين ، و رأت بأم أعينها كذب ادعاء هرتزل ، بأن فلسطين " أرض بلا شعب " أرسلت إليه من فلسطين البرقية التالية " العروسة جميلة جداً ولكنها متزوجة من آخر " وذلك في إشارة إلى تكذيب مقولته في أن فلسطين هي " أرض بلا شعب "
 يبدو يبدو لنا هنا أن السيد محمد بن زايد ، قد قبل أطروحة هرتزل في أن فلسطين هي أرض بلا شعب ، ذلك أن مفهوم الشعب لاينطبق بنظر هرتزل ولاحقاً بنظر ترامب ومحمد بن زايد وشلة المطبعين - على مايبدو - على الشعب العربي الفلسطيني ، وإنما ينطبق فقط على الإسرائيليين بل وربما على الأوروبيين منهم ، من مواطني ومهاجري ماقبل و مابعد عام 1948
وفي عودة إلى الحدث الثاني ، نقول : لاأظن أن أحدا يجهل ، أن الإخوان المسلمين في مصر وفي سورية خاصة ، هم من خشي ويخشى الغرب بشقيه الأطلسيين وصولهم إلى السلطة ، ذلك أنهم يعرفون الأسباب الحقيقية لإنشاء الغرب الكيان الصهيوني في منطقة " الشرق الأوسط " ،ودوره في إلهاء الأنظمة العربية بالصراعات البينية ،والدينية والطائفية عن التنمية وعن الحداثة وعن الدفاع عن الإنسان وحقوقه وعن المواطن وحريته وكرامته . ولذلك فهم ( الإخوان ) قد وقفوا ويقفون مع الشعب العربي الفلسطيني ، في دفاعه عن أرضه ، وعن المسجد الأقصى الذي يؤدون صلواتهم في رحابه ، والذي يخص دينياً عامة المسلمين وليس فقط الفلسطينيين . إن كل المؤيدين لإسرائيل في العالم اليوم ، ولا سيما في أوربا وأمريكا وروسيا ، بصورة أساسية ، هم من أيد عبد الفتاح السيسي في إطاحته بالرئيس الشرعي المنتخب محمد مرسي ، وقدموا له المال والسلاح ، وهم من صمت ويصمت على زج الآلاف المؤلفة من الإخوان المسلمين ، والذين من بينهم الدكتور عصام العريان ، في السجون منذ عام 2013 ، ولا سيما سجن " العقرب " منها ، وحتى اليوم ،حيث شهدت وتشهد هذا السجون استشهاد العشرات ، بل المئات منهم ، أمام أعين العالم بمشرقه ومغربه ، ومن بين هؤلاء الشهود ( شهود لاأسمع لآأرى لاأتكلم ) الدول التي تدعي لنفسها الديموقراطية والدفاع عن حقوق الإنسان (!!) . إن مايبدو واضحاً هنا ، هو أن الدفاع عن إسرائيل مقدم عند هؤلاء على الدفاع عن الديموقراطية وحقوق الإنسان ، ودون أن ننسى أن هؤلاء ( الديموقراطيون !) هم من أتى بدولة الخميني الشيعية ، لتتصارع مع الدول السنية في المنطقة العربية ( صراع العقارب في دارة النار )، في ظل إدارة إسرائيل والغرب لهذا الصراع ، ولا سيما في سورية والعراق واليمن ولبنان ، بما يبقي رحى هذا الصراع الطائفي تطحن الأخضر واليابس، وخاصة بعد أن جري تطعيمها ( الرحى) بدولة أبي بكر البغدادي ( الإسلامية !) داعش ( ألا لعن الله من أتى بها ومن سوّقها ) بحيث تستمر في الدوران والطحن ، ودونما توقف ، إلى أن يشاء الله !!.
نعم ، إنهما حدثان كبيران وقعا في يوم واحد . ووفق رؤية الكاتب ، فإنهما حدثان مترابطان ، من حيث أن تطبيع بن زايد مع إسرائيل ، استلزم وفاة الدكتور عصام العريان في " سجن العقرب "، أحد سجون عبد الفتاح السيسي ، وهي صورة بلوتوقراطية عبر عنها فلسفياً ابن مدينة جاسم في حوران الشاعر ابو تمام بقوله : ماإن ترى شيئاً لشيئً محييا حتى تلاقيه لآخر قاتلا . إنها رقصة السيف والدولار، التي زرعها ترامب في الرياض عام 2017 ، والتي أينعت ثم آتت أكلها مرتين : مرة في المنامة 2019 ، ومرة في أبي ظبي ودبي 2020 ، إنها الثمرة المرّة للتطبيع مع المحتل الصهيوني لفلسطين ، ولل (المسجد الأقصى الذي باركنا حوله / الإسراء 1) . فليرحم الله عصام العريان ، وليلعن قاتليه آمين.