الرئيسة \  مشاركات  \  حب الوطن من سمات المؤمن

حب الوطن من سمات المؤمن

25.04.2024
د. محمد رفعت زنجير




حب الوطن من سمات المؤمن
د. محمد رفعت زنجير
***
لا شيء أسمى بعد دين الله من حب الوطن.. فالدين مرتعه العقول والقلوب، والأجساد مرتعها الحواضر والبوادي..
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى: (وَأَخْرِجُوهُم مِّنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ ۚ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ)، قال: "{والفتنة أَشَدُّ مِنَ القتل} أي المحنة والبلاء الذي ينزل بالإنسان يتعذب به أشدّ عليه من القتل.
وقيل لبعض الحكماء: ما أشد من الموت؟ قال: الذي يتمنى فيه الموت، جعل الإخراج من الوطن من الفتن والمحن التي يتمنى عندها الموت. ومنه قول القائل:
لَقَتْلٌ بِحَدِّ السَّيْفِ أَهْوَنُ مَوْقِعا *** عَلَى النَّفْسِ مِنْ قَتْلٍ بِحَدِّ فِرَاقِ". انتهى.
نعم حب الوطن من الإيمان ليس بحديث..
 ولكنه يعتبر كحكمة معناها صحيح.. فالرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب مكة أكثر من أي بلد آخر، روى أحد الصحابة رضي الله عنهم وكما في موقع (الدرر السنية) "أنَّهُ سمعَ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ واقفٌ بالحَزوَرةِ في سوقِ مَكَّةَ وَهوَ يقولُ واللَّهِ إنَّكِ لخيرُ أرضِ اللَّهِ وأحبُّ أرضِ اللَّهِ إليَّ ولولا أن أَهْلَكِ أخرَجوني منكِ ما خَرجتُ.
الراوي : عبدالله بن عدي بن الحمراء | المحدث : ابن عبدالبر | المصدر : الاستذكار | الصفحة أو الرقم : 2/451 | خلاصة حكم المحدث : حسن صحيح ثابت ولم يأت من وجه صحيح شيء يعارضه"

وكذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب قومه ولشدة حبه لهم قال ( غير أن لهم رحما سأبلها ببلالها)
وعاتبه المولى لشدة حرصه على هداية قومه حبا لهم في قوله تعالى (فلعلك باخع نفسك على آثارهم)
وكذلك كان الأنبياء والمرسلون عليهم الصلاة والسلام يحبون أقوامهم وبلادهم... ويكرهون مغادرتها كما جاء في قوله تعالى: ۞ قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۚ قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88) الأعراف.
وقال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُم مِّنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا ۖ فَأَوْحَىٰ إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ الظَّالِمِينَ) (13) إبراهيم.
فالإخراج من الوطن ظلم، بل هو من أبشع أنواع الظلم، وهو مر علقم ثقيل على النفس ... إلا أنه خيار لا بد منه لحامل الدعوة عندما يواجه طوفان الظلم واطغيان.
فإذا تعذرت عبادة الله في الوطن دعا المؤمن (ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها)  فلا شيء فوق الإيمان والتوكل والتوحيد...
وعقيدة يُفدى الوجود لأجلها
والمـــــــــال والأرواح والأبـــــــــدان
فهي المنى وهي السعادة كلها
وهي الشفا والروح والريحان
***
والمسلم له ثلاثة أوطان محببة:
1البلد الذي ولد فيه وترعرع بأحضانه
2وكل بلد مسلم هو وطن له كما قال الشاعر
وحيثما ذكر اســــــــــم الله في بلد
عددت أرجاءه من لب أوطاني
3 الكون كله وطن للمسلم كما قال إقبال:
أضحى الإسلام لنا دينا
وجميع الكون لنا وطنــــــا
ونحن  المسلمون نبر بالأوطان والإنسان والنبات والحيوان والطبيعة ونحمل الحب لهذا الكون الذي سواه الله بأمره وليس كالمسلم أحد يحب الخير للبلاد والعباد...
تنام عيوننا ولكن هم الكون كله في قلوبنا، وكما قال عمر الأميري:
قلبي وهمّ الكون في خفقاتـــــــــه
نادى وما في كونه من يســــمع
والصبر ضجّ الليل من لهثــــاته
وشهيق صدري والزفير تضرع
اللهم سلم أوطان المسلمين من كل بلاء وهم وغم يا رب العالمين