الرئيسة \  كتب  \  جولة في عالم الكتاب 5/7/2019

جولة في عالم الكتاب 5/7/2019

06.07.2019
Admin


إعداد مركز الشرق العربي
 
عناوين الكتب :
  1. الجاسوس المعصوم.. سيرة عميل ستالين السري
  2. العمالقة.. نخبة القوة العالمية
  3. نهاية الأسطورة
  4. فرنسا.. تاريخ عالمي جديد
  5. «التواصل والذكاء الاصطناعي» ..دهاء وخبايا
  6. الديمقراطية.. بين النظرية والتطبيق
  7. مجلة "المنار" لرشيد رضا: أربعون سنة من التاريخ العربي
  8. مروّج أوهام «نهاية التاريخ» يعود لبيع «الهويّات» المختلقة...فرانسيس فوكوياما يقدم مفهوماً تبسيطياً لها
  9. المخابرات الفرنسية في حروبها {الصامتة} ضد التنظيمات الإرهابية...«ألكس جوردانوف» يكشف مهامها وعملياتها السرية في كتابه الجديد
 
الجاسوس المعصوم.. سيرة عميل ستالين السري
إعداد: فاتن صبح
التاريخ: 30 أبريل 2019
«الجيش الأحمر»... «الحزب الشيوعي العالمي!» و«الحزب الشيوعي السوفييتي!»، تلك هي العبارات الأخير ة التي تفوّه بها ريتشارد سورج بلغة يابانية واضحة قبل تعليقه على حبل المشنقة.
«الرجل السيئ الذي أصبح جاسوساً عظيماً»، قرر ماثيو أوينز أن يكتب سيرة حياة بعنوان «الجاسوس المعصوم.. سيرة مشوقة عن عميل ستالين السري»، علماً أن كثراً سبقوه دون أن يكون أي منهم الأول، كما هي حال أوينز في الوصول إلى مصادر جديدة مستقاة من الاتحاد السوفييتي سابقاً ومتغلغلة في الملفات الأرشيفية لجهاز الاستخبارات الروسية «كي جي بي» لتتمخض عن حبك فصول روايةٍ نابضة بالحياة والتشويق، معمّقة الأبحاث، متقنة الإعداد.
مرح وتسلية
حظي ماثيوز بقدر هائل من المرح والتسلية بحياة سورج، المثقلة بأحداث بالكاد يمكن تصديقها، وقد كتب فيه: «كان شيوعياً مثالياً وكاذباً متهكماً، إنه متحذلق، متباهٍ يدمن المخاطرة عديم الانضباط، لقد كان مثقفاً مغروراً مليئاً بالغضب، أوساطه المعتادة تتوزع بين الكازينوهات والبيوت المشبوهة وقاعات رقص شنغهاي وطوكيو ما قبل الحرب».
سورج المولود في باكو الأذربيجانية لأم روسية وأب ألماني حاول العيش والتأقلم في موسكو لبرهة، حتى أنه تزوج من كاتيا السوفييتية التي أمضت حياتها تشكو غيابه الطويل. كانت لسورج طموحات بأن يصبح أكاديمياً إلا أن رغبته بالتشويق والإثارة استحوذت عليه، فانتهى به الأمر مجنداً من قبل الكومنترن ومرسلاً ضمن بعثةٍ إلى شنغهاي، التي كانت آنذاك مدينة تحظى بالحرية تحت سيطرة القوى الاستعمارية، وتكتظ بالأجانب من ذوي السمعة السيئة، وتشكل مركز الجاسوسية. هناك أسس سورج شبكة جواسيس كشفت عن سيل من المعلومات الاستخبارية القيّمة المرتبطة بالحرب الصينية الأهلية وسواها، وذلك قبل أن ينقل إلى البلد الذي سيصنع اسمه: اليابان.
وكانت طوكيو تختلف بشدة عن شنغهاي، حيث عدد الأجانب أقل والحكومة شديدة الريبة، وحيث العمل التجسسي يتطلب قدراً عالياً من الاحترافية. سورج الذي كان يعمل بعزم فأسس شبكةً استطاعت أن تخترق الإدارات اليابانية وتحصّل على معلومات خطيرة لصيقة بنوايا البلاد ومواردها وقدراتها، وتغلغل داخل المجتمع الياباني مغوياً النساء مستدرجاً الرجال ومؤسساً لسمعة المراقب الأجنبي الأكثر معرفةً بالسياسة اليابانية.
عميل نادر
وكان سورج عضواً في الحزب الشيوعي السوفييتي والحزب النازي في وقت واحد، حيث شغل منصب المستشار الخاص للسفير الألماني، وعاشق زوجته وأحد رواد الحانات الأكثر طيشاً وفظاعةً في أقذر النوادي الليلية في طوكيو، وكان المزود الأكبر لأخطر الأسرار لاتحاد الجاسوسية السوفييتي.
واتسمت أسرار سورج بأهمية ودقة المعلومات التي قيل إنها غيرت مسار التاريخ العالمي حين أدت لانتصار ستالين الساحق على قوات هتلر النازية.
ريتشارد سورجي، العميل النادر الذي أبهرت أعماله كبار قيادات الحزب الشيوعي الذي وصفه إيان فليمينغ بـ«الجاسوس الأعظم في التاريخ»، ورأى جون لوكاريه أنه «معصوم من الخطأ»، لكن السؤال الحقيقي يقول، هل كان كذلك بالفعل؟ الصورة الكبرى تظهر أنه فشل.
وقد نجح ماثيوز في شرح السبب وراء ذاك الاعتقاد، فالألمان نفذوا اجتياحهم وسقط أكثر من 20 مليون روسي قتيلاً في الحرب، أما سورج فعلى الرغم من روعته وفطنته، لم يستطع الحؤول دون وقوع الكارثة.
مثاليات
الفصل الأخير من كتاب أوينز يسلط الضوء بدراماتيكية على التناقض بين المثاليات العليا المعلنة للاتحاد السوفييتي وواقعه، إضافة للمصائر البائسة لأشخاص نذروا حياتهم للدولة الشيوعية، فستالين لم يكن يستحق في نظر أوينز سورج، وحتى النساء اللواتي تحطمن كن يستأهلن أفضل من سورج، ومع ذلك يأتي كتاب «الجاسوس المعصوم، سيرة مشوقة عن عميل ستالين السري» زاخراً بالفكاهة والنظرة العميقة للأمور وخفة أصيلة.
بقامته الممشوقة وعينيه الزرقاوين وطلته البهيّة وعدم تأثره الواضح بدنو أجله كان مدركاً ربما أنه فيما يدخل رأسه حبل المشنقة يسهم في الحبكة الفنية لرواية افترض محقاً أنها أسطورة متواصلة قيد التصنيع.
===========================
العمالقة.. نخبة القوة العالمية
تاريخ النشر: 01/06/2019
تأليف: بيتر فيليبس
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
في عصرنا الراهن، باتت مصطلحات؛ مثل: «1 في المئة» و«النخبة العالمية المسيطرة» حاضرة بقوة، ومستخدمة بازدياد؛ لتوضيح حالة اللامساواة التي تسود المجتمع العالمي عموماً. في كتابه الجديد، يذكر الباحث والأكاديمي الأمريكي البروفيسور بيتر فيليبس مصطلح «نخبة القوة»، الذي وضعه عالم الاجتماع الشهير تشارلز رايت ميلز، ويستخدمه للتعبير عن «نخبة قوة جديدة» تتواطأ الهيئات العالمية التي تكوّنها؛ لإحكام سيطرتها على السوق الرأسمالي العالمي.
في سياق دراسته، يعرّف فيليبس فاحشي الثراء بأنهم أصحاب المليارات ممن يعدون جزءاً من «الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود» العالمية. وفي واقع الأمر فإن هذه الطبقة تتغير باستمرار، وتضمّ أفراداً بحسب المتغيرات التي يفرضها الواقع الرأسمالي. في 2017، باتت هذه القائمة تضمّ بيل غيتس (88.8 مليار دولار)، جيف بيزوس (82.2 مليار دولار) ووارن بافيت (76.2 مليار دولار). ويذكر فيليبس أن «هؤلاء المليارديرات يشبهون أصحاب المزارع الكولونيالية». وبحسب فيليبس، تكمن النقطة الأهم في أن هؤلاء الأشخاص يمثلون رأس جبل الجليد المسمى «نخبة القوة العالمية».
مجموعة صغيرة مسيطرة
يستخدم فيليبس أسلوباً واضحاً وبنية سهلة القراءة؛ لوضع تحليله النظري؛ إذ إنه يقسم بُنية دراسته إلى أربعة أقسام رئيسية: 1) المديرون وهم (الماليون الذين يشكلون النخبة المالية)، 2) الميسّرون (المسؤولون البيروقراطيون ومخططو السياسات)، 3) الحُماة (ممّن يمثلون سلطة الأجهزة العسكرية-الاستخباراتية) و4) الأيديولوجيون (المتخصصون في العلاقات العامة وحملات البروباجندا).
ولعلّ من أوجه القوة في دراسة فيليبس أن كلّ فئة مقسمة إلى تحليل عام وإلى بروفايلات مفصّلة لحوالي 300 من أهمّ وأبرز اللاعبين الكبار من ذوي السلطة والتأثير في الاقتصاد العالمي اليوم.
كما يسعى الكاتب إلى التركيز في كتابه على المجموعة الصغيرة ضمن المنظومة الأكبر والأوسع نطاقاً، التي تضمّ عناصر من المتنفذين الذين يمكّنون هذه المجموعة، كهيئة نافذة من ممارسة السلطة عبر صياغة السياسات وبناء التحالفات وجمع الأموال التي تتبناها الحكومات وتعمل بها. وبهذا، لا يهدف الكتاب لعرض أسماء شخصيات من فاحشي الثراء أو الرأسماليين الفاسدين ضمن المنظومة الاقتصادية التي تحرك الواقع السياسي والاجتماعي وفق متغيرات تحدث ضمن المنظور الرأسمالي بقدر ما يركز على الدائرة الضيقة من صنّاع القرارات والسياسات المؤثرين الذين يخدمون هذا المنظور، ويضمنون سيرورته.
الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود
يقع الكتاب الصادر في أغسطس/ آب 2018 عن منشورات «سِفن ستوريز برس» الأمريكية في 240 صفحة، ويضمّ توطئة ومقدمة بعنوان «من يحكم العالم» كتبها البروفيسور وليم اي. روبنسون (أستاذ علم الاجتماع في جامعة كاليفورنيا، سانتا باربرا). إضافة إلى سبعة فصول وملحق بعنوان «رسالة إلى نخبة القوة العالمية».
في توطئة الكتاب، يذكر الكاتب أنه يسير على نهج تشارلز رايت ميلز في «السعي لزيادة الوعي بشأن شبكات القوة التي تؤثر في حياتنا وفي حالة المجتمع. لقد وصف ميلز نخبة القوة بأنها: أولئك الذين يقررون كلّ ما يتم إقراره، بما له من عواقب كبيرة ورئيسية. بعد 62 عاماً، باتت نخبة القوة معولمة. كما أنها بَنت مؤسسات تيسّر حفظ وحماية الاستثمارات الرأسمالية في أرجاء العالم كافة».
ويذكر الكاتب أن «مفهوم الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود، الذي ينظّر له في الأدبيات الأكاديمية خلال العقدين الماضيين، يعدّ فكرة مركزية ورئيسية لنخبة القوة المعولمة. ويشير إلى أن الفصل الأول من الكتاب: نخبة قوة الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود: تاريخ ل 70 عاماً، يستعرض آلية الانتقال من نخبة سلطة الدولة القومية التي وصفها ميلز إلى نخبة قوة طبقة رأسمالية عابرة للحدود، تركز على السيطرة على رأس المال العالمي في جميع أنحاء العالم. تعمل نخبة القوة العالمية كشبكة غير حكومية من الأثرياء الذين حصلوا على تعليم عال متماثل، ويحملون مصالح مشتركة؛ لإدارة وتيسير وحماية الثروة العالمية المركزة، وضمان استمرار نمو رأس المال.
ويوضح الكاتب أن نخب القوة العالمية، تستخدم وتؤثر بنفوذها في المؤسسات الدولية التي تتحكم بها السلطات الحكومية، لا سيما البنك الدولي، صندوق النقد الدولي، حلف شمال الأطلسي (الناتو)، منظمة التجارة العالمية، مجموعة الدول الصناعية السبع، ومجموعة العشرين، والعديد من المؤسسات الأخرى. تتلقى هذه المؤسسات الحكومية العالمية التوجيهات والتوصيات بشأن إقرار السياسات من شبكات مؤسسات ومنظمات نخبة القوة العالمية غير الحكومية.
ويضيف الكاتب أن نخب القوة الرأسمالية موجودة في كل أنحاء العالم. وتعمل على عولمة التجارة ورأس المال وربط نخب العالم بعلاقات مترابطة بشكل متزايد، إلى درجة أن الباحثين، على مدى العقود الماضية، بدؤوا في وضع النظريات حول تطور الطبقة الرأسمالية العابرة للحدود.
استراتيجيات توسعية
في الفصل الثاني.. العمالقة الماليون العالميون: جوهر الرأسمالية العالمية، يحدد الكاتب، الشركات المالية العملاقة ال17؛ وهي شركات إدارة الأموال التي تسيطر على رأسمال يزيد على تريليون دولار. هذه الشركات العملاقة، مجتمعة، تدير أكثر من 41.1 تريليون دولار في شبكة استثمار ذاتية من رأس المال المترابط والمتشابك الذي يمتد في جميع أرجاء العالم. لا تستثمر هذه الشركات العملاقة، بدورها، ببعضها فحسب، وإنما في مئات شركات إدارة الاستثمار، والكثير منها تقارب الشركات العملاقة حجماً، مما ينتج عنه عشرات تريليونات الدولارات المندمجة في شبكة واحدة ضخمة من رأس المال العالمي الذي يتحكم به عدد محدود جداً من الأشخاص. ويتمثل هدفهم الثابت في إيجاد فرص استثمار آمنة وكافية للعائد على رأس المال مما يتيح النمو المستمر. لكن النقص في فرص تمويل يؤدي إلى استثمارات مضاربة خطرة، وشراء الأصول العامة والإنفاق الحربي الدائم.
ضمن هذه الشبكة من المؤسسات العابرة للحدود، يحدد فيليبس منظمتين عالميتين تهتمان للغاية في مجال تخطيط السياسات: مجموعة الثلاثين (التي تضم 32 عضواً) واللجنة التنفيذية الموسعة للجنة الثلاثية (التي تضم 55 عضواً). تضع المؤسستان غير الربحيتين التي تضمّ كل واحدة منهما كوادر متخصصة في الأبحاث والدعم، سياسة النخبة وتصدر التعليمات لتنفيذها من قبل المؤسسات الحكومية العابرة للحدود مثل الدول الصناعية السبع، مجموعة العشرين، صندوق النقد الدولي، منظمة التجارة العالمية والبنك الدولي. كما تنفذ سياسات النخبة؛ عملاً بتعليمات الوكيل المعني، بما فيها الحكومات، ضمن هذا السياق. وبالتالي، فإن ال 85 عضواً (بالنظر لتداخل الهيئتين) من مجموعة الثلاثين واللجنة الثلاثية يشكلون مجموعة مركزية من مسؤولي وميسّري الرأسمالية العالمية؛ بغية ضمان أن يبقى «رأس المال العالمي آمناً، محفوظاً ومتزايداً.
يصف فيليبس الأفراد المشاركين في هذه المنظمات من ذوي مهمة تسهيل الرأسمالية العالمية والمسؤولين عن الشركات الكبرى فيقول: إن «ال 199 مديراً للشركات العالمية العملاقة هم مجموعة صغيرة جداً من الأشخاص المختارين. يعرف واحدهم الآخر شخصياً أو يعرفون عن بعضهم. كما حضر 69 شخصاً منهم على الأقل المنتدى الاقتصادي العالمي السنوي؛ حيث يشاركون في جلسات أو يلقون محاضرات. كما أنهم في الغالب ارتادوا الجامعات النخبوية ذاتها، ولهم حضور فاعل في الطبقة الاجتماعية العليا في المدن العالمية الرئيسية.
العمل على تركيز الثروة
يركز الكاتب في الفصل الخامس «الحُماة: نخبة القوى والقوة العسكرية الأمريكية. إمبراطورية الناتو، وكالات الاستخبارات والشركات العسكرية الخاصة» مشيراً إلى أن «نخبة القوى العالمية توظف حلف شمال الأطلسي (الناتو) والإمبراطورية العسكرية الأمريكية لتحقيق أمنها العالمي. ويمثل هذا جزءاً من استراتيجية موسعة للهيمنة العسكرية الأمريكية في جميع أنحاء العالم؛ حيث تعمل الإمبراطورية العسكرية التابعة للولايات المتحدة الأمريكية وحلف الناتو، بناء على نصائح من مجلس الأطلسي التابع لنخبة القوى، في خدمة فئة الشركات لحماية رأس المال العالمي في كل مكان في العالم».
ويضيف فيليبس: «تستند الإمبراطورية الأمريكية إلى مئات السنين من الاستغلال الكولونيالي، وتواصل دعم الحكومات القمعية والاستغلالية التي تتعاون مع الأجندة الإمبريالية لرؤوس الأموال العالمية. أما الحكومات التي تقبل الاستثمارات الرأسمالية الخارجية، التي تستفيد منها شريحة صغيرة من النخبة، فهي تدرك حقيقة أن رأس المال يتطلب عائداً على الاستثمار الذي ينطوي على استخدام الموارد والأفراد؛ لتحقيق المكاسب الاقتصادية. كما يواصل النظام، برمّته، تركيز الثروة بين النخب مما يوسع عدم المساواة بين القطاعات الشعبية العريضة».
«تدرك نخبة القوة العالمية جيداً وجودها كأقلية 1 في المئة فاحشة الثراء في بحر واسع من الإنسانية الفقيرة. يمثّل المجلس الأطلسي، على سبيل المثال، مجموعة غير حكومية وغير ربحية لصناعة السياسة تهدف إلى حماية أمن الثروة المركزة، وهو هدف يوصف غالباً بأنه جزء من المصالح الحيوية القومية. إننا نحدد 35 فرداً رئيسياً من أعضاء اللجنة التنفيذية في المجلس الأطلسي. وهؤلاء الأشخاص يعدون الحماة الرأسيين لرأس المال العالمي المركّز. وتولي الأجهزة مثل البنتاجون، الناتو ووكالات الاستخبارات اهتماماً كبيراً لتوصياتهم وتقاريرهم البحثية». ولهذا السبب، فإن الدفاع عن رأس المال العالمي يعدّ سبباً رئيسياً وراء كون دول حلف الناتو تشكّل 85 في المئة من الإنفاق العسكري عالمياً؛ إذ تنفق الولايات المتحدة الأمريكية على قوتها العسكرية أكثر من بقية دول العالم مجتمعة.
سياسات الإقصاء
في الفصل السادس «الأيديولوجيون: شركات الدعاية والإعلام والعلاقات العامة - بيع الإمبراطورية، الحرب والرأسمالية» يرصد الكاتب استثمار الشركات العملاقة في وسائل الإعلام المؤسسية والاستخدام المتزايد لشركات الدعاية للعلاقات العامة في منظومات الأخبار العالمية؛ حيث تقدم المؤسسات الإعلامية العالمية الست الكبرى تبريراً أيديولوجياً متواصلاً لرأسمالية الشركات والحدّ من، والرقابة على، المعلومات التي تطرح تساؤلات بشأن التركيز المستمر للثروة وعدم المساواة المتزايدة. لدينا النظام الإعلامي الذي يسعى للسيطرة على التفكير الإنساني ويعزز الاستهلاك والانصياع المتواصلين. كما أن الرسالة الأيديولوجية السائدة من وسائل الإعلام المؤسسية اليوم هي أن النمو المستمر للاقتصاد سيقدم فوائد عامة لكل البشر؛ بغية إنقاذ الكوكب.
أدى الاندماج المتسارع لوسائل الإعلام العالمية إلى خفض مصادر الأخبار الإجمالية لمعظم العالم إلى عدد محدود من الشركات. وفيما لا يزال هناك مئات الشركات الإعلامية الإقليمية الموجودة في أنحاء العالم، إلا أن الهيئات الإعلامية الكبرى تسيطر على المحتوى الإخباري والترفيهي على مستوى العالم. في 2017، تخطى العائد السنوي من الإعلام 2.1 تريليون دولار، وبلغت حصة مكاسب الإعلام الأمريكي منها 632 مليار دولار. الأهم، أن الحكومات ونخب القوى في حلف الناتو تسعى للسيطرة على المعلومات وإقصاء أي تحديات إعلامية لحرية رأس المال في النمو.
وبحسب ما يكتب لي آرتز في كتابه: وسائل الإعلام الترفيهية العالمية، تعدّ وسائل الإعلام العابرة للحدود أدوات للطبقة الرأسمالية العابرة للحدود.
ويختتم فيليبس كتابه برسالة يوجهها لنخبة القوى العالمية، مطالباً إياهم بالتفكير في الأجيال القادمة عند اتخاذ القرارات المتعلقة برأس المال العالمي، ويحثهم على اتخاذ إجراءات تصحيحية قبل بدء الاضطرابات الخطرة التي تبدو حتمية بالنظر إلى عدم المساواة الفادح والتلوث البيئي. حينها، سيصبح التصعيد واقعاً لا بدّ منه.
نبذة عن الكاتب
* يعمل الأكاديمي والباحث الأمريكي البارز بيتر فيليبس مدرساً لعلم الاجتماع السياسي في جامعة ولاية سونوما منذ عام 1994. عمل مديراً لمشروع (Project Censored) في الفترة بين 1996 حتى 2010، ورئيساً لمؤسسة حرية الإعلام بين 2003 و2017.
===========================
نهاية الأسطورة
تاريخ النشر: 15/06/2019
تأليف: جريج جراندين
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
منذ نشأة الولايات المتحدة كانت فكرة وجود حدود مفتوحة ومتنامية دوماً أساسية للهوية الأمريكية. كان هذا الأمر يرمز إلى مستقبل الوعد الذي لا نهاية له، وكان الأساس لإيمان الولايات المتحدة في حد ذاتها كدولة استثنائية «ديمقراطية ومتفردة ورائدة». اليوم، على الرغم من ذلك نجد أن أمريكا لديها رمز جديد وهو: الجدار الحدودي.
يستكشف المؤرخ الشهير جريج جراندين عبر خمسة عشر فصلاً في هذا الكتاب المكون من 384 صفحة، معنى الحدود على امتداد تاريخ الولايات المتحدة، من الثورة الأمريكية إلى حرب عام 1898، والصفقة الجديدة (1933-1936) إلى انتخابات عام 2016. ويظهر أن توسع أمريكا المستمر - خوض الحروب وفتح الأسواق - كان بمثابة «بوابة للهروب»، ما ساعد على تحويل النزاعات السياسية والاقتصادية المحلية إلى الخارج. ولكن هذا الانحراف يعني أن مشكلات البلاد، من العنصرية إلى عدم المساواة، لم يتم مواجهتها بشكل مباشر. والآن، نجد ارتفاع أصوات المنتقدين لهذه الكارثة المتراكمة بسبب الانهيار المالي في عام 2008، والحروب الخاسرة في الشرق الأوسط.
يقول جراندين: إن هذا الواقع الجديد هو الذي يفسر صعود الشعوبية الرجعية والقومية العنصرية، والغضب الشديد والاستقطاب الذي أوصل ترامب إلى الرئاسة. قد يتم بناء الجدار الحدودي أو لا، لكنه سيبقى علامة مميزة تمثل نهاية الاستثنائية الأمريكية.
حدود «الأرض الحرة»
يقول الكاتب: «كان الشعر هو لغة الحدود، وكان المؤرخ الأمريكي فريدريك جاكسون تيرنر من بين أعظم الفائزين بالجوائز وكتب في عام 1893:«الولايات المتحدة تتموضع كصفحة ضخمة في تاريخ المجتمع»، «ونحن نقرأ سطراً تلو الآخر في هذه الصفحة القارية من الغرب إلى الشرق نجد سجل التطور الاجتماعي». إن التوسع عبر القارة، قال تيرنر، حوّل الأوروبيين إلى شيء جديد، إلى شعب قاسٍ وفضولي، منضبط ذاتياً وعفوي، وعملي ومبتكر، مليء ب«طاقة عصبية لا تهدأ» مدفوعاً «بالإيجابية والحيوية التي تصاحب الحرية».
ويضيف: «امتدت مسيرة تيرنر العلمية في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين، خلال ذروة قوانين جيم كرو التي طالبت بالفصل الاجتماعي بين السود والبيض، وتوحيد قوانين مكافحة توحيد الأجناس واستبعاد الأصليين، مع عودة منظمات «كو كلوكس كلان» العنصرية المؤمنة بتفوق البيض. وفي فترة إعدام العمال المكسيكيين في تكساس، حيث كان الجيش الأمريكي ضالعاً في عمليات مكافحة التمرد القاتلة في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ. لكن ما أصبح معروفاً باسم أطروحة الحدود لتيرنر - التي تجادل بأن توسيع الاستيطان عبر حدود «الأرض الحرة» أوجد شكلاً فريداً من أشكال المساواة السياسية في الولايات المتحدة، وفردانية تطلعية نابضة بالحياة - وضع رهاناً على المستقبل.
هذا النوع من النزعة الأمريكية التي يمثلها تيرنر، أخذت التفاؤل غير المحدود الذي دخل في تأسيس الولايات المتحدة، ويراهن على أن تقدم البلاد، والمضي قدماً بشأن الحدود والعالم، من شأنه أن يخفض العنصرية إلى بقايا ويجعلها من المخلّفات، كما أنه سيخفف من المشكلات الاجتماعية الأخرى، بما في ذلك الفقر وعدم المساواة والتطرف، حيث يعلم الأشخاص المتنوعون كيفية العيش معاً في سلام. أعرب فرانك نوريس عام 1902 عن أمله في أن يؤدي التوسع الإقليمي إلى شكل جديد من العالمية، إلى«أخوة الإنسان»عندما يدرك الأمريكيون أن «العالم بأسره هو أمتنا وإنسانيتنا البسيطة».
كانت مواجهة الغرب تعني مواجهة الأرض الموعودة التي تشبه جنات عدن، حيث يمكن للأمريكيين كآدم الجديد أن يتخيل نفسه متحرراً من حدود الطبيعة، وأعباء المجتمع، وغموض التاريخ. لم تكن هناك أسطورة في التاريخ الأمريكي أكثر قوة، واستشهد بها الرؤساء، من أساطين الرواد الذين تقدموا عبر خط طول لا ينتهي. ثم صاعداً، فصاعداً مرة أخرى كانت هناك فترات هدوء وشكوك ومعارضات وحركات مضادة، خاصة في الثلاثينات والسبعينات. لكن الضرورة التوسعية ظلت ثابتة، بشكل أو بآخر، لعدة قرون. كما قال وودرو ويلسون في تسعينات القرن التاسع عشر: «إن الأشخاص ذوي الحدود دائماً في مركبتنا، حتى الآن، هم الحقيقة المركزية والحاسمة في تاريخنا الوطني». «لم يكن هناك أي تفكير»، كما قال ويلسون، «في التراجع».
بناء الجدار الحدودي
توقفت كتابة الشعر في 16 يونيو 2015، عندما أعلن دونالد ترامب حملته الرئاسية بوضع فريدريك جاكسون تيرنر على رأسه، قائلاً: «سأبني سوراً عظيماً». من المرجح أن ترامب ماسمع قط عن تيرنر، أو تأثيره الهائل على الفكر الأمريكي. ولكن هناك، في بهو برجه في الجادة الخامسة من مانهاتن، عرض حكمه على التاريخ. وبالإشارة تحديداً إلى اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية، وعلى نطاق واسع لالتزام البلاد بالتجارة الحرة، قال: «يجب أن نتوقف، وعلينا أن نتوقف الآن».
جميع الدول لها حدود، والعديد منها اليوم لها جدران. لكن الولايات المتحدة وحدها كانت لها حدود، أو على الأقل حدود عملت كوكيل للتحرير، مرادفاً لإمكانيات وعود الحياة الحديثة نفسها، وعبرت كنموذج يحتذى به لبقية العالم.
قبل عقود من حصول مؤسسيها على استقلالهم، كان يُنظر إلى أمريكا على أنها عملية من الصيرورة والانتشار المستمرين. في عام 1651، وصف توماس هوبز الاستعمار البريطاني في أمريكا بأنه مدفوع «بشهية نهمة، أو الشره المرضي، لتوسيع السيادة». وعرّف توماس جيفرسون في بيان سياسي كتبه قبل إعلان الاستقلال بعامين، حق «المغادرة من البلد الذي وضعت فيه الصدفة، وليس الخيار» المستوطنين، للبحث عن أماكن جديدة» كعنصر في القانون العام.
آمن علماء اللاهوت الأمريكيين أن الدين الحقيقي انتقل من الشرق إلى الغرب تحت أشعة الشمس، وإذا كان بإمكان الإنسان مواكبة نوره، فربما كان من الممكن التغلب على الزمن التاريخي نفسه وتجنبه. وقال تيرنر، إنها كانت مكان «ولادة جديدة دائمة». هل هناك حدود جديدة؟ وقال المؤرخ والتر بريسكوت ويب، الذي كتب في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، إن ما كشفه هذا السؤال الدائم ليس أقل من رفض لغريزة الموت. قال ويب، ربما تسأل كذلك، هل هناك روح إنسانية؟ الإيمان في القوة المتجددة للحدود، يكمن في حقيقة أن الغرب قدّم، بالنسبة للكثيرين، فرصة للتخلص من ظروفهم. حتى إن القليل أصبح من الأثرياء. كانت الولايات المتحدة رائعة، في الطموح وكذلك البعد.
توسيع «منطقة الحرية»
كان مفهوم الحدود بمثابة تشخيص (لشرح قوة وثروة الولايات المتحدة) والوصفة الطبية (للتوصية بما ينبغي لصانعي السياسة فعله للمحافظة على تلك القوة والثروة وتوسيع نطاقهما). وعندما يتم إغلاق الحدود المادية، يمكن بسهولة تطبيق صورها على ساحات أخرى من التوسع والأسواق والحرب والثقافة والتكنولوجيا والعلوم والنفسية والسياسة.
في السنوات التي تلت الحرب العالمية الثانية، أصبحت «الحدود» استعارة مركزية لالتقاط رؤية لنوع جديد من النظام العالمي. لقد رسخت إمبراطوريات الماضي هيمنتها في بيئة، كان يُعتقد أن الموارد فيها محدودة، مما يمتد إلى تفوقها على الاستيلاء على أكبر قدر ممكن من ثروة العالم، على حساب منافسيها.
الآن، رغم ذلك، قدمت الولايات المتحدة ادعاءات موثوقة بأنها نوع مختلف من القوة العالمية، ترأس الاقتصاد العالمي القائم على نمو لا نهاية له. قال قادتها إن واشنطن لم تكن تحكم بقدر ما ساعدت في تنظيم واستقرار مجتمع دولي يُفهم على أنه ليبرالي وعالمي ومتعدد الأطراف.
إن الوعد بحدود لا حدود لها، يعني أن الثروة لم تكن محصلتها بقيمة صفر. يمكن تقاسمها من قبل الجميع. من خلال الاقتراض بلغة الحدود التي استخدمها أندرو جاكسون وأتباعه في ثلاثينات وأربعينات القرن الماضي، قال مخططو ما بعد الحرب: إن الولايات المتحدة ستوسع «منطقة الحرية» في العالم، وتوسع «دائرة المؤسسات الحرة».
حروب عبثية
دخلت الولايات المتحدة الآن عامها الثامن عشر في حرب لن تفوز بها أبداً. الجنود الذين قاتلوا في أفغانستان والعراق في أوائل العقد الأول من القرن الحالي، يشاهدون الآن أطفالهم يتطوعون. قال جنرال متقاعد من مشاة البحرية مؤخراً: إن الولايات المتحدة ستبقى في أفغانستان لست عشرة سنة أخرى على الأقل. عند تلك النقطة، سيتم تجنيد أحفاد الجيل الأول من قدامى المحاربين.
يعتقد السيناتور ليندسي جراهام أن الولايات المتحدة تخوض «حرباً لا نهاية لها بلا حدود، ولا قيود على الوقت أو الجغرافيا». وقال ضابط سابق آخر (في إشارة إلى توسيع العمليات العسكرية إلى دول إفريقية مثل النيجر): إن الحرب «لن تنتهي أبداً. وسيقوم الأحفاد الذين يسيرون على الطريق بدفع الفاتورة، التي تقدر الآن بنحو ستة تريليونات دولار.
في حين أن الولايات المتحدة غارقة في حرب لا نهاية لها، لم تعد قادرة على تخيل نمو لا نهاية له. لقد تحققت توقعات جيل كامل بشكل جذري، حيث أعقب الانهيار المالي في 2007-2008 ، نوع من الانتعاش الضار، تميز بمعدلات متواضعة من الاستثمار، والثروة المخزنة، والأسهم المرتفعة، والأجور الراكدة.
تعود جذور الأزمة الحالية إلى عقود من الزمن، إلى إعادة الهيكلة الاقتصادية التي بدأت في الثمانينات من القرن الماضي، بسبب إخفاقات المزارع وإلغاء التصنيع، واستمرت في المضي قدماً في إلغاء القيود المالية، وتخفيضات الضرائب المعطلة، وترسيخ وظائف الخدمة منخفضة الأجر والديون الشخصية. لقد باعت الطبقة السياسية للأمة، على مدار هذه العقود، إعادة الهيكلة الاقتصادية من خلال زيادة لغة اللامحدودية.
توجد فجوات في جميع القوميات بين المثالية والخبرة. ولكن في السنوات التي تلت الهزيمة في فيتنام، أدى إحياء أسطورة الفردية الصارمة والتقليل من القيود الحدودية - في وقت كانت فيه عملية التصنيع تجعل الحياة اليومية محفوفة بالمخاطر لكثير من الناس، وعندما كانوا يوشكون على استنفاد قواهم إلى شكل شديد من الاختلاف. وقد استخدم لإضعاف آليات التضامن الاجتماعي، وخاصة الرفاهية التي توفرها الحكومة ونقابات العمال، عندما كانوا في أشد الحاجة إليها. في أساطير الغرب، لا ينضم رعاة البقر إلى النقابات. لقد اتسعت الفجوة بين الأسطورة والواقع بشكل أعمق وأوسع.
الولايات المتحدة أمة تقوم على مبدأ، أن الحكومة يجب أن تترك للأفراد حرية متابعة مصلحتهم الشخصية. لم يكن الفساد والجشع، حتى وإن خرجت الولايات المتحدة من العالم بشعور من المهمة الأخلاقية، من الصفات الغريبة. لكن من الصعب التفكير في فترة من تاريخ الأمة عندما يسود الفساد وخيبة الأمل، عندما لا يكون لدى الكثير من أثرياء البلاد أي شيء سوى الازدراء ممن لا يملكون.
نبذة عن الكاتب
* جريج جراندين (من مواليد 1962) هو أستاذ التاريخ بجامعة نيويورك. ومؤلف لعدد من الكتب، منها: «دم غواتيمالا: تاريخ العرق والأمة»(2000)، «آخر مذبحة استعمارية: أمريكا اللاتينية في الحرب الباردة»(2004)، «ورشة عمل الإمبراطورية: أمريكا اللاتينية والولايات المتحدة وصعود الإمبريالية الجديدة»(2007)، وله أيضاً كتاب «فوردلانديا: صعود وسقوط مدينة الغابة المنسية لهنري فورد» (2009)، وصل إلى القائمة النهائية لجائزة بوليتزر في التاريخ، بالإضافة إلى جائزة الكتاب الوطني وجائزة دائرة نقّاد الكتاب الوطني، واختاره العديد من الصحف الأمريكية كأفضل كتاب في التاريخ سنة إصداره. «من هو ريجوبيرتا مينشو؟» (2011)، «إمبراطورية الضرورة: العبودية والحرية والخداع في العالم الجديد» (2014)، ظل كيسنجر.. التأثير الطويل لرجل الدولة الأكثر إثارة للجدل في أمريكا (عرضناه في الخليج بتاريخ 2016/7/30)، «المهنة الغريبة للاستثنائية الأمريكية» (2017).
===========================
فرنسا.. تاريخ عالمي جديد
تاريخ النشر: 22/06/2019
تحرير وإعداد: باتريك بوشيرون
عرض وترجمة: نضال إبراهيم
يبدو أن التاريخ، بخيباته وأمجاده، بحلوه ومره، يلعب دوراً كبيراً في المشهد السياسي الفرنسي؛ حيث يلجأ السياسيون والمفكرون المسيسون إلى استقطاب الجماهير الفرنسية في الحملات الانتخابية بناء على روايات سابقة، لكن يجد هذا الكتاب أن لها سياقاً آخر، ويحاول أن يقدم رواية مختلفة ليس عبر الإضافة أو التحليل فقط بل الحذف أحياناً، بأقلام 122 أكاديمياً من الوجوه الجديدة.
يقدم هذا العمل طريقة جديدة لكتابة التاريخ الوطني والعالمي، بهدف تطوير فهمنا لفرنسا في العالم من خلال مقالات استفزازية قصيرة تتراوح من اللوحات الجدارية التي تعود إلى ما قبل التاريخ إلى كوكو شانيل إلى الهجمات الإرهابية في عام 2015.
ويأتي كل فصل وفقاً لترتيب زمني من العام 34.000 قبل الميلاد إلى العام 2015، ويجمع بين الصرامة الفكرية للعمل الأكاديمي، وبين حيوية وقراءة التاريخ الشعبي.
قام باتريك بوشيرون، المتخصص الفرنسي في تاريخ إيطاليا في العصور الوسطى، بتنظيم هذا المشروع بعد الهجمات الإرهابية في نوفمبر 2015 في باريس، والتي هزت البلاد التي مزقتها بالفعل كراهية الأجانب ومعاداة السامية والأحداث ذات الصلة. في خضم الاضطراب الذي وقع قبل أربع سنوات، دعا المرشحون اليمينيون للرئاسة الفرنسية إلى العودة إلى الإحساس بالهوية الوطنية من خلال منهج تعليمي يعكس فرنسا المنعزلة.
وإثر ذلك، طلب بوشيرون من عشرات المؤرخين العاملين في المؤسسات النخبوية في باريس إنتاج مقالات مختصرة مرتبة ترتيباً زمنياً.
ويصوّر هذا الكتاب «فرنسا ليس ككيان ثابت ذي جذور، ولكن بدلاً من ذلك كمكان وفكرة في حالة تغير مستمر، متجاوزاً كل الحدود». لذلك يتم تقديم التفاعلات الحاصلة داخل الدولة نفسها وخارجها، كما هو الحال عندما يظهر سفراء بلاد فارس أو سيام (اسم تايلند سابقاً) في حفل استقبال ملكي فرنسي، أو عندما تم إطاحة الرئيس التشيلي سلفادور أليندي، بطل الجناح اليساري، في عام 1973؛ حيث يتم تسليط الضوء على الجميع كجزء من تاريخ الأمة.
ويهدف الكتاب إلى أن يكون بمثابة رد فعل على فكرة وجود نسخة واحدة من التاريخ الفرنسي، ويتعلق بفرنسا المعزولة.
إعادة كتابة التاريخ
من خلال العمل المشترك الذي كتبه 122 أكاديمياً وحرّره باللغة الفرنسية باتريك بوشرون، وستيفان غيرسون بالإنجليزية، بدا أنه لم يكن مخصصاً لقوائم أفضل الكتب مبيعاً عندما تم نشره، لكن الفرنسيين تعاملوا معه برؤية أخرى، فقد بيع منه في أقل من شهرين أكثر من 70 ألف نسخة، وما زالت المبيعات قوية، حتى دفع البعض إلى القول إنه بعد عقود عدة من النعاس، أصبح التاريخ الأكاديمي يحقق نجاحاً كبيراً.
وعلى الرغم من أن الكتاب يدين بالكثير من نجاحه لموهبة مؤلفيه، إلا أن نشره كان مناسباً تماماً لإحداث تأثير كبير خلال الحملة الانتخابية. فقد كان التاريخ دائماً ساحة معركة في فرنسا. كما علق عليه إريك زمور، الصحفي والمؤرخ اليميني، في مراجعة غاضبة في صحيفة «لو فيغارو» «التاريخ هو الحرب. ليس فقط تاريخ الحرب ولكن حرب التاريخ».
واستمر في إدانة هذا العمل باعتباره هجوماً على هوية فرنسا ومحاولة لتدمير «الرواية الوطنية» في قلب ما يعنيه أن تكون فرنسياً.
كما توقف ألان فينكيلكروت، الفيلسوف المحافظ وعضو الأكاديمية الفرنسية، عند الكتاب في مراجعة عنيفة قائلاً: «مؤلفو هذا الكتاب هم نباشو القبور في التراث الفرنسي العظيم». وقد ردد معلقون آخرون من اليمين الكلام نفسه، فقد كتب مايكل جوبلو، المدون الذي كان يدعم المرشح الرئاسي المحافظ فرانسوا فيلون: «عندما تدفن مؤسسة كوليج دو فرانس الأكاديمية فرنسا والفرنسية، من الضروري أن يستولي الناس على السلطة ضد أولئك الذين يُدفع لهم لتدمير بلادنا، تاريخها، تراثها وثقافتها!»
عندما أطلق فيلون حملته الرئاسية، أعلن أنه سيغير طريقة تدريس التاريخ في المدارس الابتدائية قائلاً: «إذا انتُخبت رئيساً للجمهورية، فسأطلب من ثلاثة أكاديميين التماس أفضل نصيحة من أجل إعادة كتابة برامج التاريخ حول فكرة قصة وطنية. ووصف نظرته إلى ماضي فرنسا بأنه تاريخ مصنوع من الرجال والنساء، والرموز، والأماكن، والمعالم، والأحداث التي تستمد معناها وأهميتها من البناء التقدمي للحضارة الفرنسية المتميزة».
على يمين فيون، أصرت مارين لوبان، مرشحة الجبهة الوطنية، على ضرورة «إعادة تعلم تاريخ فرنسا- كل تاريخ فرنسا، الأكثر إيجابية والأكثر شهرة- حتى يكون كل فرنسي ملماً بتاريخه وفخوراً به»، وأوضحت أن هذا يعني في الواقع العملي حذف الإشارات في مستوى المدارس الابتدائية إلى الحرب العالمية الثانية والاستعمار.
كان ينظر إلى نشر هذا الكتاب في ذروة الحملة الرئاسية من قبل اليمين على أنه استفزاز، وجعلته الهجمات بمثابة شيء من الفضائح. في حين تعاملت معه الصحف اليسارية مثل «ليبراسيون» و«لوموند» بإيجابية، ورحبت به كجهد من قِبل المؤرخين الأكاديميين للوصول إلى عامة الناس بهدف رؤية التاريخ الفرنسي الذي يأخذ في الاعتبار النقاش المعاصر حول آثار العولمة.
ما يجعل هذا الكتاب عالمياً هو اتخاذه مساراً على النقيض من التاريخ الدارج؛ حيث يركز على العناصر غير الفرنسية التي لطالما تشبعت بها الحياة الفرنسية، والتي تأتي من جميع أنحاء العالم. هناك إشارات إلى تدوينات، على سبيل المثال، في أول ترجمة للقرآن إلى اللاتينية عام 1143 تحت حكم بيير لو فينيبل. والحصول على الأطلس الكاتالون من قبل المكتبة الملكية لشارل الخامس في عام 1380؛ واستقبال السفارة الفارسية لويس الرابع عشر في فرساي في عام 1715.
فكرة الهوية الفرنسية
يرفض الكتاب فكرة الهوية الفرنسية التي كانت موجودة من ناحية الارتباط بلازمة «أسلافنا الغال»- والتي تم صقلها على مر القرون لتشكيل حضارة متميزة وغنية بشكل خاص.
«الهوية» مصطلح مفضل عند الجانب المحافظ من السياسة الفرنسية. فمثلاً نيكولا ساركوزي، أنشأ وزارة شؤون الهجرة والاندماج والهوية الوطنية والتنمية المتضافرة بعد فترة وجيزة من انتخابه رئيساً عام 2007. وعندما يستحضر السياسيون «الهوية الوطنية» في الحملة الرئاسية اليوم، فإنهم يلعبون على المخاوف بشأن الإرهابيين والهجرة والتأثيرات الأجنبية في البلاد بشكل عام حتى في حالة مارين لوبان، الخوف من تدمير «الفرنسة» الأساسية من خلال المشاركة في الاتحاد الأوروبي.
بصرف النظر عن أهميته كشكل من أشكال الخطاب السياسي الحالي، فإن هذا الكتاب يستحق أن يُنظر إليه في حد ذاته على أنه محاولة جديدة لتغيير كيفية فهم التاريخ الفرنسي. على الرغم من أنه كتب بواسطة مؤلفين أكاديميين ويتسم بالكثير من التفاصيل الباطنية، إلا أنه يستهدف الجمهور العام. ويتكون من 146 فصلاً، طول كل فصل يتراوح من أربع إلى خمس صفحات، وكل منه وفق ترتيب زمني. على العموم، تتداخل المواضيع وتتقاطع في كل مكان، ولكن الأمر متروك للقارئ للجمع بينها.
يمكن للقارئ قراءة هذا الكتاب عبر صفحاته الثمانمئة، بأن يأخذ الكتاب في أي مكان ويقرأ المحتوى، فعلى سبيل المثال، يبدأ الفصل المتعلق بشانيل رقم 5 - وهو موضوع غير مرجح للتاريخ العالمي - بمختبر غابرييل شانيل في عام 1921 ثم يقود إلى مارلين مونرو وآندي وارهول، والثقافة الشعبية الأمريكية من الخمسينات إلى الثمانينات.
مؤرخون جدد
الفصول في هذا العمل مكتوبة بطريقة يمكن أن يتمتع بها أي شخص لديه معرفة سطحية فقط بالتاريخ الفرنسي. بعيداً عن الانغماس في المصطلحات الأكاديمية؛ حيث يعبر المؤلفون عن الحماس لموضوعاتهم. خاصة أن معظمهم من الشباب.
في الواقع، يمثل هذا الكتاب وصول جيل جديد من المؤرخين المتحمسين المفعمين بالحيوية.
ويمكن للقارئ متابعة الموضوعات باستخدام دليل بعنوان «طرق بين الشجيرات» في نهاية الكتاب يتتبع فيه مواضيع مثل الاستبداد، والاستعمار، والنساء من خلال الفصول الأكثر صلة.
كما يحتوي الكتاب أيضاً على مفاجآت. على سبيل المثال، يأخذ أحد المسارات عنوانه «لوكس، هدوء، وآخرون» من قصيدة بودلير. يبدأ خط سير الرحلة بفصل عن الحفريات الأثرية التي تشير إلى أنه في أيام ما قبل التاريخ كانت هناك «أوروبا من اليشم» في الغرب مقابل «أوروبا من النحاس والذهب» في الشرق. ثم يقود القارئ إلى فصل في قاعة المرايا في فرساي، وإلى قصر نيجريسكو في نيس، وأخيراً إلى شانيل.
ويشير المحرر إلى أنه لم يكن الغرض من هذا العمل أن يكون رسالة مملوءة بالعظماء والفعاليات الكبرى. ففي مقابلة، أوضح باتريك بوشرون أن الكتاب صُمم بروح طفيفة وأن دعوته للمؤلفين كانت في إطار «دعونا نستمتع». كان من المفترض أيضاً أن يكون استفزازياً، ليس فقط فيما يبرزه ولكن أيضاً في ما يحذفه. وفي سياق أكثر خطورة، يمكن فهمه كموسوعة، مرتبة ترتيباً زمنياً وليس ترتيباً أبجدياً.
«هل يعني هذا التنظيم أن الجيل الجديد من المؤرخين قد عاد إلى «تاريخ الأحداث» الذي كان يحتقره أسلافهم، الجيل الأول من مدرسة أناليس، أي المؤرخون مثل فرناند براودل، الذين تتبعوا الاقتصاد، الديموغرافية، وغيرها من الهياكل على مدى فترات طويلة من الزمن؟»
أزمات في فرنسا
لا يذكر الكتاب التوجهات طويلة الأجل، ومع ذلك، خلال تناول المؤرخين في هذه المقالات الأحداث التاريخية، فإنهم يجبرون القارئ على رؤية الماضي من منظور مختلف، وهو منظور ليس عالمياً فحسب، بل يرتبط أيضاً بقضايا حالية.
إحدى هذه القضايا هي الإيكولوجيا، فعلى الرغم من أن الكتاب لا يتعامل مع التغير المناخي باعتباره مشكلة سياسية حالية، إلا أنه يشير إلى الأزمات البيئية السابقة التي تهم الحاضر. يصف فصل في عام 1816 بعنوان «عام بدون صيف»، عدد الجسيمات الكبريتية التي ظهرت في الغلاف الجوي من جراء ثوران بركان تامبورا في إندونيسيا والذي حظر الطاقة الشمسية في جميع أنحاء العالم. تسبب هذا في تبريد المناخ وإلحاق الضرر بالمحاصيل التي أدت إلى أزمة الكفاف الأخيرة في التاريخ الأوروبي.
ويتناول العديد من الفصول موضوع الهجرة، والتشديد على دور فرنسا كأرض ترحيب بفقراء إفريقيا وأرض لجوء لأغراض سياسية اللاجئين، ولا سيما في حالة «ذلك 11 سبتمبر آخر» في عام 1973، عندما تم إطاحة حكومة الليندي في تشيلي عبر انقلاب عسكري. بينما خضعت تشيلي لديكتاتورية وحشية، وقبلت فرنسا عشرة آلاف لاجئ تشيلي. لا يمكن للقارئ أن يفشل في التعرف إلى الإشارة إلى أزمة اللاجئين اليوم، على الرغم من أنها تظل ضمنية.
كما يتوقف الكتاب عند العديد من الأمثلة التاريخية الأخرى التي يعود إليها السياسيون لاستقطاب الجماهير خاصة في الحملات الرئاسية، ومع ذلك، لا يدعي مؤلفه تغطية التاريخ الفرنسي، بل يجد أنه يلقي الضوء على لحظات فيه بمقالات مستنيرة ومكتوبة بشكل جيد.
===========================
«التواصل والذكاء الاصطناعي» ..دهاء وخبايا
دبي - ياسر موسى
التاريخ: 30 أبريل 2019
أول ما يثيره كتاب «دهاء شبكات التواصل الاجتماعي وخبايا الذكاء الاصطناعي»، لمؤلفه الدكتور غسان مراد، الباحث في اللسانيات الحاسوبية والإعلام الرقمي في الجامعة اللبنانية، هو تلك الإحاطة النادرة بمختلف جوانب موضوعه، ما يضعه في مرتبة خاصة في قائمة المؤلفات العربية المماثلة، ففي وسط سيل الكلام الكثير حول الطفرة التكنولوجية، بأوجهها المتعددة، نعثر فجأة بين دفتي كتاب واحد، على نظرة شاملة، سلسة، مليئة بالأفكار والمعلومات، التي يجعل منها اجتماعها في مؤلف واحد جديدة كلية وتماماً.
يفطن قارئ الكتاب وسط رحلة المعرفة، التي يقوده فيها د. غسان مراد، أن وسائل التواصل الاجتماعي، هي الوجه اليومي و«الشعبي» لطفرة هائلة التعقيد في التكنولوجيا، مليئة بالمحاذير والألغام، تماماً كما هي واعدة ومبشرة، فهذه الطفرة، بأوجهها الكلية، تضع البشرية أمام تغيرات جذرية، تطال مفاهيم صلبة لم يسبق أن جرت خلخلتها من قبل، ولا سبق أن وضعت أمام احتمالات التفكيك وإعادة التركيب، وعلى رأس هذه المفاهيم، مفهوم «الإنسان» و«المجتمع» و«المعرفة» و«الحرية».. إلخ.
ولا يتوقف التأثير المرتقب عند هذا الحد فقط، بل يشمل إعادة الصياغة الشاملة لعناصر الوجود الإنساني بعضها ببعض، مثل علاقة الإنسان بالإنسان، وعلاقة الإنسان بالمجتمع، وعلاقتهما بالدولة. إلى جانب تغيير وجه السياسة والاقتصاد والتعاملات الحيوية اليومية والأخلاق العامة.
انبهار
وفي السياق ذاته، يكتشف قارئ الكتاب، أن حالة الانبهار والانكباب العام على وسائل التواصل الاجتماعي، يحجب ويمنع عامة الجمهور من التعامل مع الجوانب الشاملة والأعمق لهذه الطفرة التكنولوجية، حيث الغرق في الوجه المكون من عنصر «التواصل»، والوظيفة الاجتماعية لهذه الوسائل، يمكنه أن يغرق البشرية في الجهل، عن طريق الإغراق بالمعلومات، وفتح مسارب ومسارات لترويج الأكاذيب والأضاليل، كما بوسعه أن يوقف تفاعل العامة مع الطفرة التكنولوجية عند الاستخدام المسلي لهذه الوسائل.
أوهام كثيرة تبيعها هذه الوسائل، بدءاً من الشعور الزائف بالحرية، والقدرة على الوصول إلى المعلومات، وتكوين المعرفة، وفرص السيطرة الشمولية بالوسائل الافتراضية.
إن الرواج الهائل لوسائل التواصل، لا يعكس في حقيقة الأمر موقعاً حقيقياً لها في قيادة الطفرة التكنولوجية، فهي لا تزال الهامش الشعبوي التجاري، الذي يتسيد في مرحلة انتقالية، إنما يحجب التحديات التي تنشأ بفعل الطفرة التكنولوجية، وهو ما ينتج بدوره حالة من الانبهار التلقائي، التي من شأنها أن تشل الوعي، وتمنعه من تبصر التعقيدات والتحديات الحقيقية. ناهيك عما يثيره «دهاء شبكات التواصل»، و«الذكاء الاصطناعي»، من تعقيدات لا يبدو أن البشرية تعيها تماماً، أو مستعدة لها بما يكفي.
يطرح الكتاب ويناقش طائفة واسعة من الأسئلة والقضايا، من عناوينها البارزة: «ماذا تفعل بنا التقنيّات، وماذا نفعل بها؟» و«هل تصبح التقنية الرقميّة جزءاً من التربية على المواطنة؟»، و«هل نجحت التقنيّات الرقميّة في مواجهة التطرّف والكراهية؟»، و«هل تُرْدَم الفجوة المعرفيّة بالخطابات وحدها؟»، و«من يواجه وحش الـ «فيسبوك؟»، و«هل نعلّم أطفالنا حقائق العالم الثالث؟»، و«حركة ما بعد الإنسانيّة... إلى أين؟»، و«هل نستطيع يوماً أن نفهم ما يجول في دماغ الإنسان؟».
===========================
الديمقراطية.. بين النظرية والتطبيق
تاريخ النشر: 29/06/2019
تأليف: أسترا تايلور
ترجمة وعرض: نضال إبراهيم
ما المقصود بالديمقراطية؟ ماذا نعني عندما نستخدم هذا المصطلح؟ وهل يمكن أن توجد حقاً؟ تتناول أسترا تايلور في عملها هذا، الأزمة التي تعيشها الديمقراطية في العالم؛ حيث لم تعد الحكومات تعمل لأجل مصالح الشعب بالشكل المطلوب، وتدعو إلى إعادة النظر في هذا المصطلح، وشكل تطبيقه على أرض الواقع، واستحداث قواعد جديدة؛ تزيد من المساواة؛ وتحقق العدالة الاجتماعية.
تبدأ الكاتبة في مقدمتها بطرح سؤال: «ما هي الديمقراطية؟»، وتجيب: «منذ أن خطر هذا السؤال البسيط المخادع في ذهني لأول مرة، لم أتمكن من التخلص منه. نعتقد أننا نفهم الكلمة؛ لكن ما الذي نشير إليه حقاً عندما نتحدث عن نظام يحكم فيه الناس أنفسهم؟»
وتضيف: «كلمة الديمقراطية موجودة في كل ركن من حولنا، يتم طرحها في كل سياق يمكن تصوره تقريباً: الحكومة، الأعمال، التكنولوجيا، التعليم، والإعلام. في الوقت نفسه، يتم التعامل مع الكلمة بشكل بديهي، ونادراً ما يُنظر إلى معناها بجدية. على الرغم من أن العناوين الرئيسية العامة تخبرنا أن الديمقراطية في «أزمة»، فإنه ليس لدينا أي تصور واضح لما هي عليه. أهمية المفهوم الديمقراطي، وكذلك جوهره العملي، أمر بعيد المنال بشكل يثير الدهشة.
وتقول: في معظم حياتي، لم تكن كلمة الديمقراطية جذابة. لم أكن بالطبع ضد الديمقراطية في حد ذاتها؛ لكن كلمات؛ مثل: العدالة والمساواة والحرية والتضامن والاشتراكية والثورة كان لها صدى أعمق. أدهشتني الديمقراطية على أنها بائسة؛ بل ومضللة. يميل الأناركيون (الفوضويون) المثاليون والزعماء الاستبداديون على قدم المساواة إلى المطالبة ب«الديموقراطية»؛ لأن بلدهم أظهر فقط افتقاره للعمق الحقيقي. فمثلاً كوريا الشمالية، بعد كل شيء، تطلق على نفسها اسم «جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية»، وغزا الجيش الأمريكي العراق تحت يافطة «جلب الديمقراطية إلى الشرق الأوسط»؛ لكنني لم أعد أرى اليوم الاستخدام الانتهازي للكلمة كعلامة على تفاهة الفكرة. هذه القوى تستعين بمفهوم الديمقراطية؛ لأنها تدرك أنها تمثل تهديداً عميقاً للنظام القائم، وهو تهديد تأمل بشدة في احتوائه.
ماهية الديمقراطية
تتحدث عن تجربتها في صنع فيلم وثائقي قبل العمل على هذا الكتاب قائلة: بعد صنع فيلم وثائقي لي بعنوان: «ما هي الديمقراطية؟» أفهم الآن غموض المفهوم المذهل، وشخصيته المتبدّلة كمصدر للقوة؛ لقد أصبحت أقبل؛ بل وأقدّر، أنه لا يوجد تعريف واحد يمكنني الوقوف وراءه والشعور بأنه قاطع دون قيد أو شرط. على الرغم من أن هذه الممارسة لها جذورها العالمية واسعة النطاق، فإن كلمة ديمقراطية جاءتنا من اليونان القديمة، وهي تنقل فكرة بسيطة على ما يبدو (حكم الشعب): الشعب (ديموس) يحكم أو يحتفظ بالسلطة (كراتوس).
الديمقراطية هي الوعد بحكم الشعب لنفسه، ولكنه وعد لا يمكن تحقيقه بالكامل؛ لأن آثاره ونطاقه يتغيران. على مر القرون توسعت وتطورت مفاهيمنا للديمقراطية؛ حيث أصبحت الديمقراطية أكثر شمولاً وقوة من نواح كثيرة، ومع ذلك من يعد الشعب، وكيف يحكم، وأين يفعل ذلك، يبقى إلى الأبد قيد النقاش. تزعزع الديمقراطية استقرار شرعيتها وهدفها، وتخضع مكوناتها الأساسية للفحص والتدقيق المستمرين.
لقد اعتقدت أن الديمقراطية الكاملة قد لا تكون موجودة في الحقيقة، ولن توجد أبداً؛ لكن هذا لا يعني أنه لا يمكننا إحراز تقدم تجاهها، أو أن ما يوجد منها لا يمكن أن يختفي. لهذا السبب، أنا مقتنعة أكثر من أي وقت مضى بأن الأسئلة المتعلقة بماهية الديمقراطية - والأهم من ذلك، ما يمكن أن تكون - هي أسئلة يجب أن نطرحها باستمرار.
في الوقت الحالي، يفعل الكثيرون ممن يشككون في الديمقراطية ذلك؛ بسبب خيبة الأمل والخوف والغضب. قد لا تكون الديمقراطية موجودة؛ لكنها لا تزال تخيب الآمال. إن الجمود السياسي والفساد والممثلين غير المسؤولين، والافتقار إلى بدائل ذات مغزى يذكي الناس؛ عبر الطيف الأيديولوجي، ويثير غضبهم من البيروقراطية اللاإنسانية، والنفاق الصارخ، والافتقار إلى أصوات للتعبير عن الرأي.
«الزعماء ليسوا مسؤولين، ويشعر الناخبون بحق أن خياراتهم محدودة، بينما يظل الأغنياء يزدادون ثراءً وتنافساً؛ من أجل البقاء. في الديمقراطيات المتقدمة في جميع أنحاء العالم، لا يزعج عدد متزايد من الناس أنفسهم بالتصويت؛ رغم أنه حق ناضل ومات في سبيله الكثير من الناس».
الديمقراطية الأمريكية
تشير الكاتبة إلى أن معظم الأمريكيين سيقولون إنهم «يعيشون في ظل ديمقراطية؛ لكن القليل منهم سيقول إنه يثق في الحكومة، بينما تلهم الدولة عموماً ردود الفعل السلبية، بدءاً من الإحباط إلى الاحتقار والشك».
وترى وجود جو من السخرية المتآكلة، والتفتت الاجتماعي، وعدم الارتياح، مع توجيه السياسيين اللوم في كثير من الأحيان على أكثر الفئات ضعفاً، ولا تجد ذلك فقط في الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، تعلق: «فكروا في قرار المملكة المتحدة بمغادرة الاتحاد الأوروبي، المعروف باسم (بريكست)؛ عودة الشعبوية اليمينية في جميع أنحاء أوروبا؛ الانقلابات والانتصارات الانتخابية الرجعية في البرازيل. إن تحذير أفلاطون من تحول الديمقراطية إلى طغيان؛ يعد نبوءة مخيفة. إن الوعد بحكم الشعب لنفسه بكل مخاطره لا يصبح وعداً؛ بل لعنة، إنه محرك يدمر نفسه، ويدفع باتجاه وجهات أكثر تقلباً وانقساماً واستبداداً».
وتذكر القارئ بأن «هذا الكتاب لا يتعلق بمخاطر السيادة الشعبية، رغم أنه ينطوي بالتأكيد على مخاطره. ولا يتعلق الأمر بأوجه القصور في الأنظمة الديمقراطية الليبرالية الحالية. هذا الكتاب يشكل دعوة للتفكير في كلمة الديمقراطية. ليس هدفي هو إنكار الإحساس بالانزعاج أو ردع الناس عن العمل ولكن تذكيرنا بأننا نعد جزءاً من تاريخ طويل ومعقد وما يزال يتكشف، مهما كانت عناوين اليوم أو من يحكم البلاد».
«إن اتباع نهج نظري أكثر للديمقراطية المتعرجة والطريق الشائك والطبيعة المتناقضة في حد ذاتها يمكن أن يوفر أيضاً العزاء والطمأنينة. لم يكن حكم أنفسنا واضحاً أبداً، ولن يكون. إن الديمقراطية تنطوي على إعادة تقييم وتجديد لا نهاية لهما، وليست نقطة نهاية. على هذا النحو، يشكل هذا الكتاب دعوة غير تقليدية؛ لإضفاء الطابع الديمقراطي على المجتمع من الأسفل إلى الأعلى».
تراجع «الفكرة» في العالم
خلال مناقشتها عن الديمقراطية مع الطلاب، تقول الكاتبة: «قال أحد الشباب متحمساً: في الرأسمالية، سيكون هناك أناس في القاع. كان هذا الشاب على ثقة من مكانه في القمة، ويدرك أن موقفه كان غير ديمقراطي. هؤلاء الطلاب هم أفراد من أقلية اقتصادية متميزة، أدركوا أن العوائق التي تحول دون السيادة الشعبية (مثل الهيئة الانتخابية، والتي سلمت اثنين من الانتخابات الرئاسية الخمس الأخيرة لمرشح خسر التصويت الشعبي)، ضرورية؛ لاستمرار هيمنة فئتهم. (كان جيمس ماديسون يوجد في ذهنه شيء من هذا القبيل؛ عندما روّج لفكرة أن مجلس الشيوخ يجب أن يحمي «المصالح القيّمة» لأصحاب العقارات «الفخمة» من المصادرة من قبل الجماهير الأكثر عدداً).
يمكن أن نستنتج أن الأشخاص الذين يكافحون من أجل التحدث عن مثل هذا المكون الأساسي للحياة الحديثة هم فقط جاهلون أو ربما يصرفون كثيراً عن المشاركة؛ لكنني لست متأكداً من أنه بهذه البساطة. أعتقد أن المشكلة تنبع من تلك الحقيقة؛ المتمثلة في أن الديمقراطية تعد شيئاً يصادفه الناس في حياتهم اليومية بشكل نادر، وتحديداً ليس خلال سيرك الانتخابات الوطنية التي يحركها المال ووسائل الإعلام والمشاهير؛ ولا في وظائفهم؛ حيث يعاملون في كثير من الأحيان مثل التروس القابلة للاستبدال في جهاز، ويجب عليهم إبقاء رؤوسهم منخفضة؛ ولا في مدارسهم أو كلياتهم؛ حيث يتم تشجيعهم على رؤية أنفسهم كمستهلكين يبحثون عن عائد استثمار بدلاً من مواطنين يستعدون للمشاركة في الصالح العام.
على الرغم من كل حرياتنا المشهود بها، فإن الديمقراطية ليست شيئاً نختبره بالفعل كثيراً. فلا عجب إذن أن الناس بالكاد يستطيعون وصفها.
على الورق على الأقل، لا يوجد نقص في الدول التي تتوافق مع هذا المفهوم المحدود إلى حد ما وفقاً لبعض التقديرات، انتقل 81 بلداً من الاستبداد إلى الديمقراطية بين عامي 1980 و2002. ومع ذلك، كشفت الدراسات الحديثة أن الديمقراطية، التي تحددها الصفات السابقة، ضعفت في جميع أنحاء العالم على مدى العقد الماضي أو نحو ذلك. وفقاً لتقرير سنوي يحظى باحترام كبير، عانت 71 دولة انخفاضاً في الحقوق السياسية والحريات المدنية في عام 2017، مما أدى إلى انخفاض إجمالي في الحرية العالمية. في أوائل عام 2018، حذرت «الإيكونومست» من أن «الديمقراطية تواصل تراجعها المقلق». لم يمض وقت طويل بعد قيام مؤشر الديمقراطية السنوي للمجلة بتخفيض الولايات المتحدة رسمياً من «ديمقراطية كاملة» إلى «ديمقراطية تشوبها عيوب».
كفاح لأجل العدالة
ترى الكاتبة أن «الديمقراطية لا تتراجع من تلقاء نفسها أو عن طريق عملية عضوية ثابتة. يمكن لها أن تتآكل أو تقوض أو تتعرض للهجوم أو يُسمح لها بالذبول؛ لكن على العموم، تقع الديمقراطية في حالة من الإهمال؛ بفضل تصرفات أو تقاعس البشر الذين فقدوا الاتصال أو، في بعض الحالات، خانوا المسؤوليات، ودمروا الاحتمالات التي يستلزمها نظام الحكم الذاتي. وفي حين أنه من الشائع اليوم إلقاء اللوم على المتطرفين لتهديدهم للديمقراطية، إلا أن الدراسات تظهر أنه في جميع أنحاء أوروبا والولايات المتحدة، فإن المعتدلين الوسطيين هم الذين يميلون إلى تبني مواقف أكثر عدائية تجاه الممارسات الديمقراطية، ويفضلون اتخاذ القرارات المركزية القوية والفاعلة لمصلحة عمليات أكثر فوضوية وشمولاً. أقل من نصف الأمريكيين الذين يعدون من الوسط السياسي ينظرون إلى الانتخابات على أنها «سمة أساسية للديمقراطية» ونصفهم فقط، أو 25 في المئة من الوسطيين، يتفقون على أن الحقوق المدنية حاسمة.
اللامبالاة، أو حتى الكراهية، تجاه الحكومة الذاتية والعمل اليومي الصعب الذي يتطلبه هو واحد من الحجارة التي تساعد على شق الطريق إلى مجتمع أكثر استبدادية. ومما ساعد هذه اللامبالاة هي حقيقة أن النظام الأمريكي لم يُصمَّم أبداً ليكون ديمقراطياً.وتضيف: «لقد تم إهمال هذه الرؤية الأساسية في عصرنا كرأسمالية ليبرالية جديدة وأوجه عدم المساواة المالية لهائلة؛ تسببت في تفكيك المكاسب الديمقراطية التي تحققت بشق الأنفس. فالأغنى قادر على شراء النفوذ، بينما يكافح الجميع؛ من أجل إسماع صوتهم. في نظام يمكن للأثرياء نقل أصولهم إلى ذريتهم، تضمن الثروة الموروثة غير المضمونة تقريباً تكوين طبقة أرستقراطية. إذا أظهرت السنوات ال50 الماضية أي شيء، فهو أن المساواة السياسية الرسمية، المتمثلة في الحق في التصويت، ليست كافية لضمان الديمقراطية؛ لأن الأثرياء لديهم العديد من السبل لممارسة سلطة غير متناسبة. وبينما ركزت الأجيال السابقة على توسيع نطاق حق الاقتراع، فإننا نواجه اليوم مهمة أكثر إثارة للجدل: إنقاذ الديمقراطية من الرأسمالية. إن توسيع الديمقراطية من المجال السياسي إلى المجال الاقتصادي هو التحدي الكبير الذي يواجه عصرنا، وكذلك الطريقة الوحيدة؛ لحماية المساواة السياسية من القوة المالية المركزة التي تثبت تراجعها. لقد تم تمكين قوى الأوليغارشية، جزئياً، من خلال ميلنا إلى قبول فكرة الديمقراطية المحظورة، والتي تقصر القوة الشعبية على مجال السياسة الانتخابية، وتجاهل المؤسسات والهياكل الأخرى (أماكن العمل والسجون والمدارس والمستشفيات، البيئة، والاقتصاد نفسه) التي تشكل حياة الناس».
عندما نتوقف عن السؤال عن معنى الديمقراطية - بحسب الكاتبة - سنلاحظ أن عدداً كبيراً من المشكلات العملية والفلسفية التي تعصف بنا ليست جديدة تماماً؛ إنها قديمة قدم الديمقراطية نفسها. والتحديات لا حدود لها: هل الديمقراطية وسيلة أم غاية أم عملية أم مجموعة من النتائج المحدودة؟ ماذا لو كانت هذه النتائج، مهما كانت (السلام، الرخاء، الاستدامة، المساواة، الحرية، المواطنة المنخرطة)، يمكن تحقيقها بوسائل غير ديمقراطية؟ إذا كانت الديمقراطية تعني الحكم من قبل الشعب، فما هي طبيعة ومدى هذه القاعدة ومن يعد «الشعب»؟ قد نعتقد أننا في طليعة، ورسم مسار غير مسبوق اجتماعياً، لكن الكفاح من أجل العدالة والحرية والحكم الذاتي (والصعوبات العميقة في تحقيق هذه المثل الديمقراطية) تستلزم بالضرورة مواجهة معضلات قديمة.
نبذة عن الكاتبة
* أسترا تايلور مؤلفة كتاب «منصة الشعب» (الحائز جائزة الكتاب الأمريكي)، وهي مخرجة ومنتجة لفيلمين وثائقيين. تعيش في مدينة نيويورك، وتنشر في العديد من الدوريات والصحف الصادرة بالإنجليزية.
===========================
مجلة "المنار" لرشيد رضا: أربعون سنة من التاريخ العربي
الدوحة - العربي الجديد
1 يوليو 2019
مثّلت الصحف والمجلات التي ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في عدد من الحواضر العربية مثل القاهرة وبيروت ودمشق وبغداد التوجهات الفكرية التي بدأت تنضج في تلك المرحلة حول النهضة التي تعيد للعرب دورهم الحضاري.
في كتاب "مختارات سياسية من مجلة "المنار" لرشيد رضا"، الصادر حديثاً عن سلسلة "طي الذاكرة" في "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، يستعيد المؤرخ والأكاديمي اللبناني وجيه كوثراني نصوص المفكر الإسلامي (18651935) المنشورة في مجلته التي أسّسها عام 1898، بصيغة مختارات سياسية وموضوعات ومواقف في مرحلة تاريخية حاشدة بالحوادث.
يسعى الكتاب إلى تقديم مادة أولية تساعد في كشف مراحل تكوّن فكر رضا، بصفته فقيهاً مشبعاً بالثقافة الإسلامية التقليدية الرسمية، ومواجهته حوادث وتحديات كان من شأنها أن تهز القناعات والمسلَّمات الموروثة، وأن تفرض أمراً واقعاً يستدعي التكيف مع حاجات جديدة، نتجت من تحديات التوسع الرأسمالي الغربي ومشروعاته في مرحلة الإمبريالية.
في المقدمة "رشيد رضا فقيه يبحث عن دولة زمن أفول العثمانية"، يتناول كوثراني نشأة رضا ومصادر ثقافته وتأسيسه المنار، ومواقفه السياسية من خلال نصوص مختارة.، فـالمجلة رافقت حوادث حوالى أربعين سنة من التاريخ العربي، شكلت مرحلة انهيار الدولة العثمانية وبروز الصيغ العربية البديلة للدولة في ضوء أشكال التبعية للرأسماليات الغربية ونماذجها الدستورية والسياسية والثقافية.
يورد المؤلّف في الفصل الأول "الإصلاح والإسلام والتعليم وأوروبا"، ستة نصوص، هي: الشيخ محمد عبده: عنوان الفصل السابع من تقرير اللورد كرومر عن مصر والسودان لسنة 1905، وتعليق رشيد رضا عليه؛ التعصب وأوروبا والإسلام؛ منافع الأوروبيين ومضارهم في الشرق: الاستبداد؛ كتابان سياسيان للأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده (أو مطالب مصر من إنكلترا)؛ رأي الأستاذ الإمام في السياسة (أو سياسته)؛ خطاب صاحب "المنار" على طلاب الكلية الأمريكانية المسلمين في بيروت.
يُدرج كوثراني طي الفصل الثاني "الدولة العثمانية والعلاقات العربية – التركية وإعلان الدستور"، أربعة نصوص لرضا، هي: إعادة القانون الأساسي ومجلس المبعوثان في الدولة العلية؛ عيد الأمة العثمانية بنعمة الدستور والحرية، الجمعة 25 جمادى الآخرة (11 تموز "يوليو")؛ العرب والترك (واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرقوا)؛ رحلة صاحب "المنار" في سوريا.
في الفصل الثالث "المسألة العربية وثورة الشريف حسين"، ثلاثة نصوص لرضا: المسألة العربية: مقالة للتاريخ؛ آراء الخواص في المسألة العربية واستقلال الشريف في الحجاز؛ تأسيس حكومة مكة وخطبة رشيد رضا في منى. يرى كوثراني أن موضوع الاستقلال عن الأتراك بالنسبة إلى رشيد رضا، يبقى مرتبطًا بمسألة الأمانة التاريخية للإسلام: حمايته وإنشاء دولته. فإذا كان الاتحاديون الملاحدة (على حد قول رضا) قد خانوا الإسلام ونكلوا بالعرب، وما عاد بالإمكان الرهان عليهم، فإن مشروع الشريف حسين يقدم لرضا، في عام 1916، إمكانية المشروع البديل في حال سقوط الدولة العثمانية.
أما الفصل الرابع، "المسألة السورية والنزعة الإقليمية اللبنانية"، فيضم خمسة نصوص لرضا: المسألة السورية والأحزاب؛ الرحلة السورية الثانية؛ الحكومة السورية الجديدة: أجمهورية تكون أم ملكية؛ الجنسية اللبنانية وغلو طلابها؛ لبنان الكبير وطن مسيحي (هكذا يقول بطرك الموارنة الزعيم الديني السياسي). وفي الفصل الخامس والأخير "الهاشميون وعبد العزيز بن سعود"، نص وحيد: الخطر على الحجاز وعلى الإسلام.
===========================
مروّج أوهام «نهاية التاريخ» يعود لبيع «الهويّات» المختلقة...فرانسيس فوكوياما يقدم مفهوماً تبسيطياً لها
لندن: ندى حطيط
تفرض الطبيعة المؤدلجة لأقسام علوم السياسة والفلسفة في الجامعات الأميركيّة الكبرى نسقاً محدداً من التفكير لا يمكن الخروج عنه إلا للعودة إليه: فكلّ فكر ونقيضه هنا ينبغي أن ينتهيا دائماً على نحو ما في خدمة مصالح الإمبراطوريّة الأميركيّة العليا، وإلا فإنه لا مكان لصاحبه تحت الشمس. وللحقيقة، فإن عقولاً ذكيّة كثيرة انتهت بحكم طبيعة تكوينها المهني الصارم داخل هذا النسق المغلق إلى ترديد خرافات وبيع أوهام لا تستند إلى الواقع الملموس، أو لا تصمد في وجه التمحيص، لكنّها مع ذلك، وبحكم هيمنة النخبة الأميركيّة الحاكمة التامّة على فضاءات النّشر والإعلام، تتحول إلى كتب «أكثر مبيعاً»، أو مقالات «مفصليّة واسعة التأثير»، أو محاضرات تباع تذاكرها بمئات الدولارات أحياناً.
ولعلّ أكبر مثال على ذلك أستاذ علوم السياسة الشهير فرانسيس فوكوياما (جامعة ستانفورد) الذي وضع نصاً صار أساس جدل عالمي عن «نهاية التاريخ والإنسان الأخير» (1992)، حاول فيه التنظير لمعنى سقوط التجربة السوفياتيّة ونهاية الكتلة الشيوعيّة لدول شرق أوروبا، وما قد يعنيه ذلك بالنسبة لمستقبل العالم، في ظلّ بقاء قطب وحيد ليس ممكناً - أقلّه في المدى المنظور - أن تنشأ لمواجهته أقطاب أخرى. ورغم أن التاريخ لم ينتهِ كما تنبأ الرجل، فإنّه دافع عن نفسه بوجه منتقديه لاحقاً، متهماً إيّاهم بسوء الفهم لمعنى «النهاية» التي وضعها للتاريخ المسكين.
فوكوياما عاد إلى الأسواق مجدداً، وهذي المرّة يحمل بضاعة جديدة مناسبة لأجواء الموسم السياسي الذي كان قد أطلقه وصول الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، ويستجيب لجوع شديد إلى فهم التحولات الهائلة التي تعصف بمجتمعات الرأسماليّة المتأخرة. إنه كتاب شديد الطموح عن «الهويّات: في البحث عن الكرامة وسياسات الاستياء»، يُرجع فيه كل ما يجري في العالم منذ قرنين إلى اليوم من ظواهر سياسيّة إلى مفهوم زئبقي تبسيطي له عن الهويّات، بداية من الثورتين الفرنسيّة والأميركيّة، ونشوء الدّول القوميّة الحديثة في أوروبا، إلى الربيع العربي وحرق البوعزيزي لنفسه أمام الناس، مروراً بثورة طلاّب فرنسا 1968، وحركة الحقوق المدنيّة الأميركيّة، وثّورات جورجيا وأوكرانيا الملونّة، والانقسام السيّاسي الحادّ في تايلاند، والزّعماء الشعبويين مثل بوتين وأوروبان وترمب، وصعود الصين الجديدة، و«بريكست»، وحراك «MeToo»، والحركات الفاشية الجديدة، وحتى الإسلام السياسيّ.
ووفق فوكوياما، فإن القوّة المحركة للتاريخ هي حاجة البشر أفراداً وجماعات إلى نوع من الإقرار العام بهويتهم الذاتيّة، سواء أكانوا من مقاتلي «طالبان»، أو ممثلات هوليوود الشهيرات، أو الطلبة المراهقين في أي مدرسة ثانوية. فكل ما يريده هؤلاء، على تفاوت خلفياتهم ومرجعياتهم، استرداد علني لكرامتهم لا أكثر. على أنّه مع ذلك لا ينجح مطلقاً عبر الكتاب كلّه في تقديم تعريف محدد لمفهوم الهويّة، ويبادل كثيراً بين مصطلحي الهويّة والكرامة، ويبسّط تعقيد العقل البشري والحياة الإنسانيّة إلى شيء لا نمتلكه، ونحتاج لانتزاعه من الآخرين انتزاعاً.
يُدرك فوكوياما بالطبع أن مصدر فكرة تكريم الإنسان وتفوقه متأتية أصلاً من مصادر دينية، لكنّه يتجنّب الخوض في ذلك، مفضلاً الاستعانة بقصص قرود الشمبانزي - الأثيرة على قلبه منذ مقالته الشهيرة عن «النساء وتطور سياسة العالم» (1998) - وأفكار غامضة حول تغيّر مفهوم الكرامة عبر الزّمن، وانبعاثها من داخل الذّات البشريّة، مع فوضى تداخل مصطلحات من باب «الشرف» و«الاحترام» و«المكانة» و«الرضا عن الذّات»، بينما يسكت سكوتاً مريباً عن علاقة نظريته السالفة في «نهاية التاريخ» بدعواه الجديدة عن «الهويّات»، فيتسبب بمزيد من حيرة القارئ، وشعوره بفقدان السّيطرة على المفهوم، رغم السّرد الشائق والنّثر الرصين.
لا يجد فوكوياما في «الهويّات» - مهما كان تعريفها - ما يعاب. فهي عنده طبيعة بشريّة أصيلة توجد أيضاً عند قرود الشمبانزي - الأقرب في تطورها إلى الإنسان من بقيّة المخلوقات الأخرى - لكنها عند النوع البشري تتمظهر على مستويين: ذاتي على مستوى الفرد، يجد أفضل تعبير عنه في الديمقراطيّات الليبراليّة الغربيّة الحديثة، حيث المواطنون كافة متساوون أمام القانون، وعليه تكون المناداة بالهويّات كأسلوب لانتزاع معاملة خاصة لبعض المجموعات أمراً سلبياً يعيب لأجله - فوكوياما دائماً - على اليسار الغربي تبنيه لحقوق النساء والمثليين والسود والمهاجرين والأقليات، ويهدده بفقدان الصلة بمعركته الأساس، كنقيض للمشروع الرأسمالي. أما المستوى الآخر، فهو الهويّات الجمعيّة المرتكزة على أساس القوميّة أو الدّين أو العرق، التي تعمد لانتزاع كرامتها والاعتراف بها من قبل الآخرين، ولو كلّف ذلك بحوراً من الدّماء وجبالاً من الآلام. وبدلاً من مواجهة هذه الهويّات المختلقة، فإنه يرّوج للنهوض بها نحو هويّات وطنيّة جامعة تتسع في إطار الدّولة الحديثة لفسيفساء هويّات أصغر، دون أن يحدد لنا حجم أو عدد الهويات الأصغر التي يُسمح بها قبل الإخلال باستقرار الهوية الوطنيّة الأكبر.
عند صاحب «الهويّات»، فإن الهويّة الوطنيّة ليست قطعاً قائمة على القوميّة الشوفينيّة (فرنسا للفرنسيين) أو على الدّين (إسرائيل دولة اليهود) أو على العرق (كما في نظام جنوب أفريقيا السابق) - فهذه تجارب أظهرت إمكان توظيفها ضد الأقليّات خلال مراحل مختلفة - بقدر ما هي اشتراك المواطنين في قيم عامّة، مجردة، فاضلة، عالميّة الطابع. ولا نعرف بالطّبع من الكتاب ماهيّة هذه القيم بالتحديد، سوى أنها ليست مقتصرة على طرف دون غيره، وتكون بالضرورة نتاج الانفتاح على الآخر، وتقبل تعدد وجهات النظر حول القضايا المطروحة، كما الاستعداد لتقديم التنازلات المتبادلة، أي كل ما يمكنه أن يساعد على تفعيل العمليّة الديمقراطيّة. ولا يكلّف فوكوياما نفسه هنا عناء تفسير كيفيّة التمييز بين الأمم، إذا تلاقت جميعها على الاعتراف بالقيم ذاتها، وتكرر تراضي مواطنيها عليها كهويّات مشتركة، بل ويذهب إلى توجيه النّصح للاتحاد الأوروبي بالمسارعة لخلق هويّة مواطنيّة جامعة لرعايا دوله كافة، تقوم على عقد اجتماعي جديد حول مبادئ ليبراليّة ديمقراطيّة تسمو فوق الهويّات المحليّة وتتجاوزها.
ومع كلّ ما يعتريه من هنات وضعف، فإن فوكوياما بالنتيجة وكأنّه يقترح في «الهويات» حلاً أميركي الطابع لمسألة الهويّات الوطنية، حيث الدّولة مشروع مشترك فوق القوميّات والأديان والأعراق، ورؤيته التراضي حول قيم عالميّة تكرّس الديمقراطيّة كمنهج لإدارة الحياة السياسيّة في الدول الوطنيّة تبدو وكأنّها تبشير بإمبراطورية عالميّة أميركية الهوى واحدة تجمع البشر الذين اختاروا تقبّل نزعتهم الطبيعية للحصول على الكرامة عبر انتزاعها من الآخرين، ولكنهم تساموا عليها لبناء صيغة عمل مشترك في فيدراليّة تجمعهم.
انعدام الزّاد الفكري الذي قد يستنتج من كتاب فوكوياما عن «الهويّات» لا يعني أبداً أن قراءته بلا جدوى. فهو يضمّ نصاً مثيراً للتفكير وممتعاً للمطالعة، والأهم من ذلك كلّه أنه يفتح نافذة أخرى مهمة للمعنيين بشؤون السياسة وأحداث العالم لفهم طبيعة الأفكار التي تتعاطاها النخبة الأميركيّة والديناميكيّات التي ترشد سلوكها، وهي للأسف نخبة تمركزت بأيديها مصادر القوّة على نحو غير مسبوق عبر تاريخ التجربة البشريّة، وانفردت بقيادة بلادها - الدّولة الأعظم - وغالبيّة العالم في هذه المرحلة الحرجة من تقلّبات التاريخ.
===========================
المخابرات الفرنسية في حروبها {الصامتة} ضد التنظيمات الإرهابية...«ألكس جوردانوف» يكشف مهامها وعملياتها السرية في كتابه الجديد
الخميس - 1 ذو القعدة 1440 هـ - 04 يوليو 2019 مـ رقم العدد [ 14828]
القاهرة: أحمد صلاح
في سابقة هي الأولى من نوعها، يُطل علينا رجال الإدارة العامة للأمن الداخلي، التابعة لجهاز الاستخبارات الفرنسية، عبر صفحات كتاب «حروب الظل للإدارة العامة للأمن الداخلي»، الصادر مؤخراً عن دار النشر الفرنسية «لونوفو موند إديسيون» في 294 صفحة من القطع المتوسط، ليكشفوا لنا النقاب، وبصراحة بالغة، عن طبيعة عملهم الميداني، خصوصاً فيما يتعلق بمراقبتهم ومتابعتهم للعناصر الإرهابية، وكذلك تجنيد مصادر معلوماتهم، وسبل وآليات تفكيك الشبكات الإرهابية، وهي مهام تتم أمام أعيننا بشكل يومي، ولكن دون أن نراها أو نلاحظها.
بهذه المكاشفة، يكتسب هذا الكتاب أهمية بالغة، ليس فقط لحساسية الموضوعات التي تعرض لها، ولكن أيضاً لأن مؤلفه هو الصحافي الفرنسي «ألكس جوردانوف» المتخصص في التحقيقات والتوثيق بـ«قناة بلس» الفرنسية، الذي استمر في جمع وتدقيق معلوماته لأكثر من 5 سنوات، ليقدم لنا النجاحات غير المسبوقة للإدارة العامة للأمن الداخلي بالمخابرات الفرنسية، إضافة إلى خضوع الكتاب لعمليات مراجعة كثيرة قبل النشر، من جانب متخصصين بالإدارة العامة للأمن الداخلي، بل وصل الأمر إلى حذف فصول كاملة منه قبل النشر، لما تضمنته من معلومات لا تتسق مع طبيعة النشر، لخصوصيتها وطبيعتها الأمنية الخاصة.
ويشير جوردانوف إلى أنه بفضل الإدارة العامة للأمن الداخلي، وجهود عناصرها، نجحت فرنسا في تجنب حدوث عملية إرهابية كيميائية أشد خطورة وتدميراً من عمليات 13 نوفمبر (تشرين الثاني) 2015 الإرهابية. كما تعرض المؤلف كذلك لمرور عناصر فاعلة من منظمات الإرهاب الدولي بين يدي شبكة الأمن الفرنسية، إلا أنه في ظل إعادة ترتيب دولاب العمل داخل الجهاز الأمني الفرنسي، باءت بعض العمليات بالفشل، ولم يكتب لها النجاح، رغم حُسن الإعداد لها.
ويتعرض المؤلف لطبيعة عمل الجهاز الأمني الداخلي، وما تجابهه عناصره من عراقيل. فخلال العمل الميداني، يصطدم عناصره بعناصر أخرى تابعة لجهاز أمن منافس أو صديق، مثل الموساد أو «سي آي إيه»، هذا بالإضافة إلى رصد مساعي عناصر أمن تابعة للاستخبارات الصينية وأخرى روسية، بل يصل الأمر في بعض الأحيان إلى حدوث ما يسمى «الحرب المكتومة» بين جهاز المخابرات الفرنسية وبعض الأجهزة الأخرى، خصوصاً فيما يتعلق بملف مكافحة الإرهاب. ولذلك يغوص بنا جوردانوف بين جنبات عالم غريب لم نعرفه من قبل، كونه يعتمد على حيل قذرة، وأوامر صادرة أحياناً من جهات عليا ذات طابع سياسي، وعمليات نصب كبرى وتزوير باسم الدولة.
عملية خشب الجميز
من المؤكد أن اسم «خشب الجميز» لا يعني شيئاً بالنسبة للفرد العادي، إلا أنه يمثل في الواقع أهمية كبرى، كونه اسماً حركياً لواحدة من أهم حروب الظل الكبرى التي كان يكمن هدفها الأساسي في قلب نظام بشار الأسد في خريف 2011، إلا أنها توقفت في صيف 2017، ولم تعرها وسائل الإعلام الغربية اهتماماً كبيراً، رغم كلفتها الباهظة التي تجاوزت العديد من مليارات الدولارات، وعشرات آلاف الأطنان من الأسلحة والذخيرة التي ساعدت كثيراً قوى التمرد الفاعلة التي يرتبط بعضها بتنظيم «القاعدة»، أو تلك التي تمثل جزءاً منها، وتعد أهم عملية تهريب أسلحة في التاريخ، لتشمل 17 حكومة على الأقل لنقل الأسلحة إلى التنظيمات المتمردة أو المتطرفة بواسطة إحدى شركات الطيران (من أذربيجان)، ويقود الأنشطة العسكرية للعملية جنرال قاد جهازاً من أجهزة المخابرات الأميركية.
لقاءات مهمة
يعد ضباط الإدارة العامة للأمن الداخلي بالمخابرات الفرنسية أحد أهم مصادر المعلومات الواردة في الكتاب، إذ التقى المؤلف كثيراً منهم، بين ضباط رجال ونساء، ليتحدثوا له عن مهام كثيرة سبق أن نفذوها، مع تأكيدهم الحفاظ على هويتهم، خشية معرفة الإدارة التابعين لها، وما يترتب على ذلك من نتائج وخيمة تنعكس سلباً عليهم، قد تؤدى إلى فصلهم من العمل، وفقاً لما أكده المؤلف، ولذلك تظهر الشخصيات بأسماء حركية، مثل لقاءاته الشاب حاتم بأحد مكاتب المحاماة، وهو أحد الضباط بالإدارة العامة للأمن الداخلي الذي سبق أن خدم في الشرطة الفرنسية لمدة 12 عاماً، ثم تنقل بعد ذلك بين إدارات مختلفة تابعة للأمن الداخلي، وقضى سنوات كثيرة في التنكر كعنصر إسلامي يرتاد المساجد شديدة الأصولية والخطورة في فرنسا، كما صاحب السلفيين، وتعرف على طقوسهم وحياتهم الخاصة وأدق أسرارهم، حتى نجح في اختراق هذا المجتمع، منتحلاً صفة مدرس تاريخ، الأمر الذي مكنه من إحباط عمليات إرهابية كثيرة كادت تلقى بظلالها على المجتمع الفرنسي بأكمله.
أولويات الأجندة
يسوق لنا المؤلف بعض الأرقام المهمة، إذ لقي أكثر من 400 فرنسي و2000 أوروبي حتفهم منذ أحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001 حتى الآن، على خلفية العمليات الإرهابية المختلفة، لافتاً إلى أن الإسلام الأصولي يمثل جوهر وأساس مهام المخابرات الفرنسية خلال السنوات المقبلة، نظراً لأهمية الملف سياسياً واجتماعياً، هذا بالإضافة إلى ضرورة مجابهة النشاط المخابراتي الروسي والصيني والأميركي، دون هوادة، حتى لا يمتد إلى العبث بالملف الاقتصادي.
ويشير الكتاب هنا إلى أن الروس نجحوا في تجنيد مصادر لهم في قلب السلطة الفرنسية، بالإضافة إلى النافذة الكبرى التي يفتحها الأميركيون على المخابرات الفرنسية، خصوصاً إدارة الأمن الداخلي، وتطبيقات شركة «إيرباص» الخاصة بـ«البيانات الضخمة»، ونقلها إلى شركة «بالانتير» الممولة من قبل المخابرات المركزية الأميركية. ولذلك، وفي مواجهة الأخطار الجمة المحدقة بها، فقد ضاعفت المخابرات الفرنسية من جهودها خلال السنوات العشر الأخيرة، سواء على مسار التحديات أو المهام، من خلال عناصر متنوعة، مثل الشاب حاتم أو بيير أو ماري، وهم يمثلون نماذج لا تعدو كونها تمثل أدوات لشن حرب غير منظورة، بلا هوادة أو رحمة.
اهتمامات خاصة
في إطار التحديات الكبيرة التي تجابهها الإدارة العامة للأمن الداخلي التابعة لجهاز المخابرات الفرنسي، تولي الإدارة، حسب الكتاب، أهمية بالغة إلى بعض الملفات والمناطق المهمة على النحو التالي:
أولاً: على مسار الأفكار
الاهتمام بمتابعة اليمين واليسار المتطرف، وكذلك الإسلام الراديكالي
ثانياً: على مسار التحليل
تهتم وحدة «إتش 2» (H2) بالدول الآسيوية، إلا أن 95 في المائة من هذا الاهتمام يتوجه نحو الصين، بينما يتعلق نشاط الوحدة «إتش 3» (H3) بمتابعة الدول الأفريقية، خصوصاً أنغولا ورواندا وجنوب أفريقيا والسودان ومصر، بينما يقع عاتق متابعة باقي القارة الأفريقية على عاتق الوحدة المسماة «تي» (T)، فيما تتولى الوحدة المسماة «إتش 4» (H4) متابعة النشاط الروسي فقط. وعلى مسار الرقابة، فإن وحدة كاملة تتولى التجسس الكلاسيكي المضاد، والانتشار النووي، ومجابهة التجسس الصناعي الذي انتشر مؤخراً.
هكذا، يمكن أن نخلص إلى أننا أمام كتاب نادر من نوعه، تطرق لملفات كثيرة حساسة للغاية تكشف النقاب عن أولويات المخابرات الفرنسية، وطبيعة عملها.
===========================