الرئيسة \  مشاركات  \  جنيف 4 الاستسلام أو الحرب

جنيف 4 الاستسلام أو الحرب

27.02.2017
يمان دابقي




بدأت يوم 23 من الشهر الجاري جولةًجديدة من مفاوضات جنيف 4 المخصصة لإنهاء الصراع المستدام في سوريا، وسط اختلاف في الرؤى وتعدد في الأجندات بين الدول الراعية للنزاع وبين وفود المعارضة الحاملة لتطلعات وآمال السوريين المترقبين لبصيص نور جديد يُنجيهم من دوامة الموت المستدامة على مدار ست سنوات
موسكو ومن خلال بِدء الجلسة الافتتاحية لجنيف 4 اتضح أنها تمتلك الدور الأساسي في إدارة مسار التفاوض من خلف جدران القاعة المستديرة ظهر ذلك من أداء مبعوث الأمم المتحدة استيفانديمستورا المكلف بشكل أساسي بتطبيق بنود جنيف 1 المقرر في 2012 والمناص بشكل صريح على انتقال كامل الصلاحيات للحكم في سوريا ومشاركة ديمقراطية لكل فئات الشعب في تطبيق الديمقراطية وتعزيز مشاركة دور المرأة ونهاية حكم آل الأسد لكننا تفاجئنا أنه تحول بشكل علني لناطق باسم حكومة النظام أو موسكو عبر إرسال تهديد إلى وفد المعارضة الأساسي بتدمير ما تبقى من سوريا بعد حلب إذا ما تم إفشال المفاوضات
لنقف عند هذا التهديد الذي جاء بعد تفخيخ وفد المعارضة الأساسي (الهيئة العليا للمفاوضات) بشخصيات ومنصات محسوبة على دول تقتل وتفتك بأبناء الشعب السوري ليلاً نهاراً، فالأول وفد موسكو مؤلف من شخصيات تعمل وفق إملاءات وتطلعات نظام الأسد تحت وصاية روسية هدفها وضع خنجر أول في ظهر الهيئة العليا والثاني وفد القاهرة بقيادة ممثل الدراما السورية جمال سليمان المدعوم من قبل نظام السيسي المخلص الوفي لنظام الأسد
موسكو على ما يبدو ومن خلال بوابة آستانة واحد واتنين كان هدفها أن تُوصل تلك المعارضات إلى جنيف لتضع المعارضة تحت خانةٍ صغيرة لا تستطيع المناورة أمام رغبة موسكو في فرض دستور روسي والقبول على إنشاء حكومة تشاركية تنسفُ بشكل كامل وثيقةَ الاستحقاق جنيف 1 ليتم الانتقال بعدها إلى القبول بإجراء انتخابية برلمانية تُفضي إلى إبقاء الأسد جاثماً على صدور السوريين
اللافت في الأمر أن الغايات المراد تحقيقها من قبل روسيا وإيران لم تُواجه من قبل الإدارة الأمريكية الجديدة بل على العكس مازالت موسكو هي صاحبة القرار ما يفسر الأمر إما أن تكون إدارة ترامب غير جاهزة بعد لتوضيح رؤيتها حول الصيغة النهائية للملف السوري، أو أن ترامب راضٍ كل الرضى عن أداء تلك  الدول الفاعلة لتحقيق غاية مشتركة بينهم تقود إلى تقسيم سوريا لدويلات تخضع لوصاية حلفاء النظام وهذا ما أكد عليه ترامبمن لغز تطبيق المناطق الآمنة
تركيا من جانبها لم تلقٍ ظِلالها على ما يجري في جنيف فهي حصلت على ما تريد قبل البدء في تطبيق التقسيم فهي اليوم حررت مدينة الباب واستحوذت على المنطقة الآمنة
بشكل يضمنُ لها وضع نهاية للحلم الكردي في الشمال وهو ما يتم تعزيزهُ من جانبها حول الاستعداد لمعركة الرقة ودير الزور تحت غطاء التحالف الدولي
وفد الهيئة العليا للمفاوضات برئاسة الدكتور نصر الحريري أدرك خطورة المعركة السياسية المعدة له مسبقاً وقَبِلَ بالجلوس مع أذرع موسكو والقاهرة في بداية الجلسة الافتتاحية بعد حصوله على ضمانات من قبل ديمستورا أنَّ الجلسات القادمة ستناقش مسألة الانتقال السياسي
لنكن منصفين الآن بحق من يمثل قضية شعب مضطهد لا يزال يحلم بجسر الحرية
حقيقة إنَّ وفد المعارضة بقيادة نصر الحرير لا يتحلى بدرجة من الغباء تقوده إلى التخلي عن ثوابت الثورة السورية أو بقبول دستور روسي ينقذ بشار الأسد من أي جرائم ارتكبها ومازال يرتكبها بحق أطفال ورجال ونساء الشعب المكلوم
بل على العكس ما نتج من الآستانة وتوقيع المعارضة العسكرية على قبول بعدم حل عسكري للمسألة السوري هو أمر أصبح بديهي بعد تحول الصراع إلى نطاق إقليمي دولي، إذ لم يعد بالإمكان إغلاق نافدة المفاوضات وترك الساحة للأوغاد الراغبين بالعودة إلى حضن الوطن تحت سقف الأسد، لأن ذلك يعني استسلام ونسف كل التضحيات وتحقيق غاية النظام الأولى بالأسد أو لا أحد
القضية السورية ومن خلال داعميها للموالاة والمعارضة خرجت بشكل فعلي من عباءة ثورية داخلية ضد نظام ديكتاتوري فهي ثورة كونية وعلى أساسها سيتم رسم جديد للمنطقة من هنا نرى أن الأمر أكبر من أي معارضة تدعي تمثليها للشعب السوري فكل الشخصيات السياسية المعارضة لاشك أن هناك من يدعمها من قبل دول على أقل تقدير لا ترغب بوجود الأسد في السلطة وهو أمر مقبول بالنسبة للشعب السوري وأفضل بكثير من بقاء آلة الإجرام تقتل وتدمر وتشتت حتى نهاية ولاية الابن العاق في 2021
وجود وفد ممثل للشعب السوري يُطالب بتطبيق الاستحقاق والتأكيد عليه بانتقال سياسي يقود إلى دولة ديمقراطية مدنية هو الأمر الأساسي الذي لا يمكن تركه أمام الرأي العام بل ويجب التأكيد عليه واستغلال كل الجولات السياسية كل ما سنحت الفرصة لذلك وهذا فقط لأن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم يقررا بعد وضع نهايةللمآساة السورية ولو قررت الأمم المتحدة نهاية النزيف السوري لأمرت الأسد بالتنحي عن السلطة بمكالمة هاتفية؟
لكن على ما يبدو أن أمريكا وإسرائيل تريدان تقسيم سوريا بشكلِ محاصصة دولية تنهي أي هوية للشعب السوري إلى آخر الزمن
وفد الرياض يعي تماماً ما يُحاك له ومع ذلك لم يتنازل عن المشهد السياسي فعلينا نحن كسوريين أن لا نحكم عليهم من بعيد، علينا أن نرمم جدار الثقة وتشجيع هذا الوفد الثابت على تنفيذ الانتقال السياسي ورحيل بشار الأسد، كما و الحاضنة الشعبية يجب أن تفرض وجودها وتشكل جسراً من سوريا إلى جنيف للتأكيد على هذا الاستحقاق الذي اعترف له الدول الخمس في مجلس الأمن سيما أن جميعنا يعلم أن هذه الدول عادتها الدائمة نسف كل استحقاق في وجه حرية الشعوب
لا سبيل لنا إلا الاستمرار والمضي قدماً بعزيمة وإصرار لنيل حقوقنا المدنية فلا مكان للطغاة في مستقبل سوريا، فقط علينا هنا أن نوصل رسالة للعالم بأسره أن جنيف 1 وقرار 2118 هو وحده الخيار لإنهاء شلال الدماء السورية أما القرار 2254 الصادر في ديسمبر 2015 فهو قرار صدر لتطبيق بنود جنيف 1 وليس لتشكيل حكومة تشاركية كما تدعي موسكو وتحاول الالتفاف عليه في مفاوضات جنيف 4
من الواضح بالمدى القريب أن غاية جنيف 4 بالمنظور الأممي هو أن توقع المعارضة على صك استسلام مبني على تراجعات الفصائل العسكرية بعدما مالت الكفة لصالح النظام، وثانياً القبول بالدستور الروسي وبقاء الأسد في سُدة الحكم بعد إجراء انتخابات رئاسية برعاية أممية وغير ذلك يبقى الخيار الوحيد استمرار الحرب السورية والتحضيرات لجنيف 5 و6