الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ثورة كرامة وثورة جياع.. لا تستويان

ثورة كرامة وثورة جياع.. لا تستويان

20.04.2019
ياسر الأطرش


سوريا تي في
الخميس  18/4/2019
غالباً ما كان يُنظر إلى الثورات أو الانتفاضات ذات الدوافع الاقتصادية بعين الشفقة أو التعاطف، ولكن ليس الإعجاب أو الإكبار بحال من الأحوال، فانتفاضات الخبز على مر التاريخ لم تكن ترقى إلى ثورات الحرية والمطالب النفيسة التي تتجاوز المعيشي إلى الإنساني، حتى وإن أتت أكُلَها وجنت التغيير المأمول، فإن الدوافع النبيلة لانتفاضات الكرامة تبقى حاملاً يتجاوز النتائج عندما نتعاطى القضية وجدانياً وأدبياً وفكرياً.
كنت وما زلت أقول إن نظام الأسد سيسقط أخيراً بيد مؤيديه، الذين سيُسقطونه في هبّة جياع لا تُبقي ولا تذر، ولعل الأيام والأسابيع القريبة حبلى بوقائع لا يمكن تسميتها مفاجآت، إذ إنها نتائج طبيعية يقررها المنطق والتجارب، ومهما اشتد القمع فإنها لا تتغير إلا بتغيّر المقدمات، والتي بدورها تزداد رسوخاً وتدفع باتجاه الانهيار والانفجار الكبيرين.
أولئك الذين تبنوا النظام ووحشيته تجاه "إخوتهم" السوريين، تطرفوا في طريق اللاعودة، فأعلنوا "حذائيتهم" وعبوديتهم للنظام والمحتلين الإيراني والروسي، وتفاخروا بلقب "الشبيحة" وتبنّوه، إلا أن الحال لم يدم طويلاً، فحتى ذلك اللقب الإجرامي سلبهم النظام إياه مع مكاسبه التي كانوا يعتاشون عليها، وصاروا مجرد عبيد بلا أدنى حقوق ولا عطايا، لا أمن غذائي، ولا وقدة دفء، ولا أمان صحي، ولا وفاء حتى لتاريخ من الإجرام في سبيل "ملك الزمان".
كنت وما زلت أقول: إن نظام الأسد سيسقط أخيراً بيد مؤيديه، الذين سيُسقطونه في هبّة جياع لا تُبقي ولا تذر
أولئك الذين أطلق لهم نظام القتل أعنة الوحشية وأشرعة التنكيل، صاروا اليوم أضيع من أيتام على مأدبة لئام، فلا سوق سنّة اليوم يبيعون فيه ذكرياتنا المنهوبة، ولا عصابات خطف يسترزقون منها، ولا تجارة معابر يستغلون فيها بطون المحاصرين... كل هذا أفل مع "انتصارهم" المزعوم على السوريين الأبرياء، وصاروا هم المحاصرين والعراة والجائعين، والذين لن يجدوا ما يبيعونه- ولا حتى من شرفهم أو ضميرهم- لقاء صفيحة بنزين أو أسطوانة غاز!.
كل شيء في مزرعة "الأسد" يتهاوى وينهار بسرعة فائقة، وصار جلياً لكل مفتدي الوحش بالروح والدم أن غول الجوع والبرد لن يبقي من الخانعين ديّاراً، وحتى تلك الولاءات لميليشيات إيران أو الاحتماء بظل روسيا المراوغ لم يعد كافياً لاستجداء لقمة مغمسة بالذل أو معيشة ضنكة!.
وها هو عمر رحمون أحد شيوخ القتل والجريمة يستجدي روسيا وإيران لإطعامه من جوع وتأمينه من خوف.. بعدما أخذتا كل ما تريدان من نظامه، وهو ما لم يجد أذناً صاغية، ولن يجد، فلا إيران الغارقة بسيولها وديونها وجوعها وغضب مواطنيها قادرة على الإنقاذ، ولا روسيا تريد أن تنجو السفينة بكل من فيها، فرياح التحالفات تبدلت، والوجهة لا تشير إلى "الأسد" في هذا النوّ المضطرب.
ويكفي رحمون -المتشفي بآلام السوريين وعذاباتهم- أن يستجدي وقود روسيا وإيران عبر تركيا، بعدما كان يحرض عليها ليل نهار، والآن يراها السبيل الوحيد لإنقاذ نظامه من هبّة جياع تقتلع الرؤوس وتذكي الوقيعة في النفوس.
إن الكوّة الوحيدة التي تطلُّ على عيش ممكن أو احتمال بقاء في مناطق سيطرة نظام الأسد لا يمكن عبورها من دون انفجار كبير يحطم الإطار والجُدُر، فهامش المتعيّشين على الفساد والجريمة يضيق، وهامش الخدمات الأساسية المتاحة يتلاشى، وإمعاناً في احتقار لاعقي الأحذية هؤلاء ينصب النظام أصناماً لآلهته وكأنه يطلب من القوم أن يستقووا على جوعهم وبردهم بمزيد من طقوس العبودية وصلوات الخنوع!.
يقول البعض إن الأمل بأي ثورة أو انتفاضة لهؤلاء هي كـ"عشم إبليس بالجنة"، فـ"الكلب لا يعضّ ذيله"، إلا أن المثل لا يصحُّ إن كان عدم العض ناجماً عن وفاء، فهؤلاء لا يرون من العالم إلا مصالحهم وإن على حساب إخوتهم أو أبنائهم، أما إن كان ناتجاً عن عجز، فالأيام تنقلب، بل إن أيام "الأسد" انقلبت أو تكاد.