الرئيسة \  مشاركات  \  ثلاث وقفات مع نزار قباني

ثلاث وقفات مع نزار قباني

02.02.2017
د. محمد أحمد الزعبي




يعود تاريخ وقفتين من هذه الوقفات الثلاث إلى عام ١٩٦٧ ، أما الوقفة الثالثة فيعود تاريخها إلى عام ٢٠١٥ وقد تم نشرها في بعض وسليل الإعلام تحت عنوان " دفاعا عن نزار قباني " .
تتمثل وقفتي الأولى مع الشاعر الكبير نزار القباني ، وكنا يومها على مشارف حرب حزيران ، بنشري لصورة رمزية عبرت فيها من خلال بيتي شعر لنزار عن تصوري للنهاية المأساوية لتلك الحرب ، وذلك من خلال مارأيت وما سمعت ، وكنت يومها مسؤولا من الدرجة الثانية ، ( إن لم أقل الثالثة ) في القيادة السياسية بدمشق . نشرت فكرتي في صورة مربعين وضعت في أحدهما صورة للمرحوم الملك عبد الله الأول ( قائد جيوش تحرير(!!) فلسطين ١٩٤٨ ) وكتبت تحت هذا المربع ١٩٤٨، ووضعت في المربع الثاني إشارة إستفهام كبيرة ، للإشارة إلىالمسؤول الجديد عن الهزيمة الجديدة التي كنت أتوقعها ( والذي تبين لاحقاً أنه حافظ الأسد ) وكتبت تحت تحت هذا المربع ١٩٦٧١/٢ باعتبار أن الحرب الجديدة ستكون في منتصف عام ١٩٦٧، وبما أن الفرق بين التاريخين هو ٢٠ عاما ، فقد ذيلت هذين المربعين بصورة شعرية رمزية أستعرتها من إحدى قصائد نزار القباني رغم أن هذه القصيدة لا تنتمي للشعر السياسي لنزار :
عشرون عاما يا دروب الهوى     وما يزال الدرب مجهولا
عشرون عاما يا كتاب الهوى.     ولم أزل في الصفحة الأولى
وتتمثل الوقفة الثانية مع نزار القباني ، بتوقفي مع قصيدة " هوامش على دفتر النكسة " والتي كتبها بعد
 النكسة ( او قل هزيمة حرب حزيران ٩٦٧ ) منتقدا بشدة وبقسوة المسؤولين عن هذه الهزيمة . اطلعت على هذه القصيدة في ساعة متأخرة من ليالي الهزيمة ، ولأني كنت أوافق الشاعر في كل ماقاله حول موضوع هذه الهزيمة ، فقد أمرت ( كوزير إعلام يومها ) بنشرها في الصفحة الأولى من جريدة البعث ، ورفضت كل طلبات " رفاق " الدرجة الاولى والثانية بعدم نشرها ، كونها موجهة أساسا ضد الحزب ، وقد تم نشرها كما أمرت في الصفحة الأولى من جريدة البعث ، ويمكن لمن يرغب التأكد ، أن يبحث في أرشيف جريدة البعث في فترة مابعد الهزيمة . وذلك لأني لاأتذكر تاريخ أو رقم العدد الذي نشرت فيه القصيدة .
وتتمثل الوقفة الثالثة بأنني عندما استمعت لبشار الجعفري ممثل النظام السوري في الأمم المتحدة ذات يوم
 وهو يقتطع بيت شعر لنزار القباني من قصيدته عن دمشق " من مفكرة عاشق دمشقي " ويخرجه عن سياقه في القصيدة ، بحيث يبدو وكأن نزار يتفق مع الجعفري حول موقفه من النظام السوري ، وهو تشويه لنزار مابعده تشويه ، الأمر الذي دفع بي أن أكتب في اليوم التالي مقالة بعنوان " دفاعاً عن نزار قباني " ،حيث نشرت في بعض المواقع الإعلامية . إن بيت الشعر الذي استشهد به الجعفري ، هو ( إذا لم تخني ذاكرتي ) :
ياشام إن جراحي لاضفاف لها     فمسحي عن جبيني الحزن والتعبا
 ولقد كان هذا الجعفري يريد من هذا الاستشهاد الخادع بنزار أن يوهم مستمعيه ، أن نزاراً يرثي دمشق التي دمرها " الإرهابيون " وليس النظام (!!) ، فكان لابد من رد مزدوج عليه ، يتمثل الأول منهما بإيراد
وخالد ابن الوليد الأبيات التالية في القصيدة والتي يستصرخ فيها نزارمعاوية ابن آبي سفيان ،
وأسباده في طهران لكي يعيدوا لدمشق وجهها آليا سميني العربي والإسلامي الذي شوهه هذا الجعفري
 : ودمشق . يتساءل نزار بحرقة العاشق الدمشقي في نفس القصيدة
ياشام أين هما عيني معاوية     وأين من زحمموا بالمنكب الشهبا ؟
 فلا خيول بني حمدان راقصة     زهوا ولا المتنبي مالئ حلبا
 وقبر خالد في حمص تلامسه     فيرجف القبر من زواره غضبا
 يابن الوليد ألا سيف تؤجره     فكل أسيافنا قد آصبحت خشبا ؟
وأخيرا فإنني في وقفة رابعة جديدة مع نزار و بعد قراءتي مؤخراً لعدد من مطولاته الشعرية وجدت أنه
يدمج ويمزج في كل قصيدة من قصائده ، غزلية كانت أو سياسية بين سبعة عناصر مختلفة ، ولكن على أساس " التغليب " الذي يتعلق بعنوان القصيدة ، ودوافعه الذاتية لكتابتها . هذه العناصر السبعة هي : المرأة ، الطبيعة ، الحداثة المجتمع العربي ، الحاكم العربي ، الحرية ، فلسطين . علما أن المرأة في شعر نزار ، وبما في ذلك شعره الغزلي ، هي لوحة فنية ، هي " موناليزا " وليست امرأة الجنس والفراش كما كان يحلو
 للبعض أن يدمغ نزاراً اعتمادا على شعره النسوي . وهذه بعض الأمثلة على عملية الترابط الفني عند نزار بين هذه لعناصر السبعة ، كلا أو بعضاً .
مآذن الشام تبكي إذ تعانقني    وللمآذن كالأشجار أرواح ) : المزج بين المكان والمرأة والدين والطبيعة ،
فكل صفصافة حولتها امرأة     وكل مئذنة رصعتها ذهبا ) المزج بين الطبيعة والمرأة ،
أيا فلسطين من يهديك زنبقة ؟    ومن يعيد لك البيت الذي خربا ؟ ) المزج بين الطبيعة وفلسطين والمرأة
تلفتي .. تجدينا في مباذلنا    من يعبد الجنس أو من يعبد الذهبا ) نقد الأثرياء العرب ،
هذي البلاد شقة مفروشة     يملكها شخص يسمى عنترة ) نقد الحكام العرب عامة ونظام الأسد خاصة ، ( ماذا سأقرأ من شعري ومن أدبي     حوافر الخيل داست عندنا الأدبا ) نقد النظام العربي العسكري
 يا وطني الحزين حول تني بلحظة من شاعر يكتب شعر الحب والحنين لشاعر يكتب بالسكين) إىشارة إلى أثر هزيمة ١٩٦٧ عليه ، وتحوله إلى الشعر السياسي
خلاصة القضية توجز في عبارة : لقد لبسنا قشرة الحضارة والروح جاهلية ) الدعوة للحداثة
وختاما : اريد أن أضم صوتي إلى نزار في قوله : :
ياإخوتي .. جربوا أن تقرأوا كتاب ... أن تكتبوا كتاب ... فالناس يجهلونكم ... والناجس يحسبونكم ... نوعا من الذئاب (!!) ) ، وكأن نزار كان يرى ويسمع ما يقوم به ترامب هذه الأيام .
 فليرحم الله نزاراً .