الرئيسة \  دراسات  \  ثقافة حديثية ميسرة -5

ثقافة حديثية ميسرة -5

04.04.2022
زهير سالم



زهير سالم*

وما زلنا في أمر إعمال الحديث الشريف، الصحيح منه بشكل خاص، ونكتب تحت عنوان: ما كل حديث صحيح كان العمل عليه. نقرر ذلك مع تمسكنا بكل كلمة أو إشارة وردت عن سيدنا رسول الله، نتلقاها بحب، ونتمسك بها بشغف..
سأحتاط بين يدي هذه المحطة ، وقلت أنني أكتب لتيسير الثقافة، على جيل من الناس، باتت القضايا الاختصاصية، تطرق عليهم أبوابهم، وتفرض نفسها عليهم، وتكون مدخلا لبعض الضالين والمضلين. وفي هذا الإطار ، ومقالاتي هذه ليست لأصحاب الاختصاص، وليست للتحقيق العلمي، وإنما لبث هواء نظيف، أو ضخ ماء طهور. أو إشهار علم صحيح؛ وبالتالي فإنني قد أستعير في هذه المقالات من أقوال أهل العلم جملا صالحة، وعندي كراس أظل أجمع من درر العلماء ما أراه مفيدا لي، فسأدرج بعض هذه الأنوار المقتبسة درج كلامي. وربما صرت إلى تخصيصها بالوضع بين قوسين. غير مفتئت على أصحابها، ومن غير عزو إليهم، وليس على سبيل غمطهم، وتجاوزهم، سائلا المولى أن يثيب صاحب كل جهد على جهده. وأرجو أن يُعلم هذا، فنقلي من غير عزو ليس ادعاء مني، ولا هو غمط لصاحب الحق فيما سبق إلى تقريره، فطبيعة التيسير، بحيث يمر الأمر سهلا ويسيرا على المستفيدين..وأسأل الله العصمة من زلل..
ونعود لنقرر أن الصحة وحدها ليست العمدة في إعمال الحديث الشريف. بل هناك مقترنات أخرى مقررة في كتب أهل العلم ولاسيما من القرون الأولى من أهل الخيرية..
وكان مما علقت من كتب أهل العلم
"ولا يُقبل الحديث - الحديث الصحيح الفرد- إذا خالف السنة المعروفة متواترة كانت أو مشهورة."
"ولا يقبل الحديث - ولو صحيحا- إذا ورد في حادثة مشهورة خلاف ما رواه الجماعة"
"ولا يُقبل الحديث إذا أعرض عنه الأئمة من الصدر الأول - الصحابة والتابعين- فإنهم إذا تكلموا بينهم بالرأي ولم يلتفتوا إلى الحديث، كان ذلك دليل انقطاعه عندهم وإعراض الصحابة رضي الله عنهم عن الحديث مع توفره، يحمله على أنه منسوخ أو سهو من راويه"
ويتحصل من ذلك أنه يشترط لإعمال الحديث مع صحته وعدالة راويه وضبطه:
1_ كون الحديث لا يخالف قطعي الكتاب ولا السنة المشهورة.
2- وأن لا يكون معرَضا عنه، ومتروكَ العمل به، في الصدر الأول - جيل الصحابة رضي الله عنهم.
3- وأن لايكون شاذا في عموم البلوى، الأمر الظاهر المنتشر، فحين يكون الأمر ظاهرا مشتهرا يجب أن يكون الحديث عنه كذلك..
"فاحفظ هذا فإنه نفيس جدا" هكذا وجدته في مذكراتي.
وأكثر ما يراوغ عليه المراوغون في فرض العمل بالحديث المتروك، قولهم عن الحديث: لم يبلغهم !!
وأي حديث لا يعرفه جيل الصحابة، والتابعين والأئمة المتبوعين...؟؟!!!!
وتذكّر فيما يجب أن تتذكر أن جيل الأئمة المتبوعين "أبو حنيفة ومالكا والشافعي.."، متقدم زمنيا على جيل المحدثين..
وهذا جواب لطيف من ابن الماجشون رحمه الله تعالى، يصادر أقوال مدعي أن الحديث لم يبلغ الأئمة المجتهدين!! قيل لابن الماجشون: لم رويتم الحديث ثم تركتم العمل به؟؟!! أجاب ليُعلم أنا على علم تركناه!! تأمله فهو : جواب لذيذ.
وألذ منه جواب إمام المنصفين الإمام الذهبي، وقد سئل: هل يُردُّ على الإمامين أبي حنيفة والشافعي، كليهما، أو أحدهما بالحديث الشريف؟؟
فقال هذا جيد بشروط...
يقول زهير واجعل شروطه كقطعة الحلوى تستبقي لذاذتها في فيك حتى لا تنقطع عنه أبدا..
فقال هذا جيد بشروط، أي أن الرد على أبي حنيفة وعلى محمد بن إدريس رحمهما الله تعالى جيد وممكن بشروط: ثم عدد
الشرط الأول وتأمل وتفهم وتمسك، أن يكون قد قال بالعمل بذلك الحديث- الحديث المردود به - إمام من نظراء الإمامين، مثل مالك وسفيان - أحد السفيانين- أو الأوزاعي، وليس من قوبة "هم رجال ونحن رجال" المستجدين...
ثانيا- بأن يكون الحديث ثابتا سالما من علة.
ثالثا - وثالثا هذه مهمة: أن لا تكون حجة أبي حنيفة والشافعي حديثا صحيحا معارضا...
بمعنى لا يرد على الحديث بالحديث. وقد علمنا ان تصحيح الأحاديث في النهاية أمر اجتهادي. يكون لكل إمام اجتهاد فيه. وهذه تحتاج إلى وقفة خاصة.
عود إلى ما قال الإمام الذهبي: أما الإنكار على أئمة الاجتهاد بحديث صحيح، تنكر العمل به سائر أئمة الاجتهاد...فلا ... فلا يعني أن مثل هذا لا يجوز ولا يكون فإن كان فهو مجرد شغب من مشاغبين...وما أكثر المشاغبين في كل عصر ومصر..!!
وسنختم هذه القضية بضرب بعض الأمثال للحديث الصحيح المتروك العمل به، أي الذي ترك العملَ به جيل الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين متبوعين وغير متبوعين...
لندن: 2 رمضان 1443
3/ 4/ 2022
____________
*مدير مركز الشرق العربي