الرئيسة \  دراسات  \  ثقافة حديثية ميسرة -4

ثقافة حديثية ميسرة -4

03.04.2022
زهير سالم



زهير سالم*

"ما كل حديث صحيح يُعمل به، حتى يكون عليه عمل خير القرون وحتى يستنبط منه الفقيه"
وابتداء نقول إن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم هي المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي. وأن على هذه السنة تدور أحكام وشرائع من أمر هذا الدين. وأن بعض الناس يخلطون عن قصور  بين قولنا "السنة" بوصفها قسيم الفرض. بمعنى أن الفرض هو الواجب، وأن السنة هي المندوب. فسنن الصلوات من الرواتب، وسنن الفرائض تقابل الأركان. بينما المقصود من السنة حين تذكر في مصادر التشريع ذكر المصدر الثاني من التشريع، الذي تقوم وتدور عليه الأحكام الخمسة أو السبعة . والأحكام الخمسة التي تثبت بالسنة النبوية الشريفة هي " الواجب - المندوب - المباح - المكروه - الحرام" واعتمدها السادة الأحناف سبعة أحكام " الفرض - الواجب- المندوب- المباح - المكروه تنزيها - المكروه تحريما – الحرام". فاعتبروا الواجب رتبة بين الفرض، والمندوب، واعتبروا المكروه تحريما دركة بين الحرام والمكروه.
المهم أن ندرك أن السنة النبوية المطهرة بوصفها مصدرا من مصادر التشريع هي ركن أصيل في بناء شريعة الإسلام . قال تعالى (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) وقال ( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ) فاشتق لرسول الله صلى الله عليه وسلم طاعة من طاعته، لا نقول مستقلة عنها، ولكنها مخصصة بمقامه، وبدوره الذي أوكل إليه (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) تعلمهم كيف يصلون ويصومون ويزكون، وتفصل لهم المجمل، وتخصص لهم العام ، وتضعهم على طريق العلم و الاستباط الصحيح.
وإن الذين يرغبون عن سنة رسول الله تحت أي لافتة أو عنوان، هم أصحاب بدعة وضلالة ينهجون طريقا خفيا لهدم هذا الدين، والالتفاف على شريعة الإسلام، وأمر المسلمين.
وإننا حين نقرر "ما كل حديث صحيح يعمل به" لا نفعل ذلك رغبة عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تهربا من استحقاقاتها، أو استصغارا لأمرها، أو تفضيلا لرأي إمام أو فقيه على حديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وإنما نفعل ذلك تمسكا بالسنة على طريقة الذين رووها وعايشوها، وكانوا أحقَّ بها، وكل أولئك من طبقتي الصحابة والتابعين والأئمة المجتهدين المتبوعين وغير المتبوعين . فاحفظ هذا فإنه موطن مزلة ، يشوش به بعض قصار النظر من المحدودين على المسلمين أمر دينهم وفقههم كما ورثوه عمن يورث عن مثلهم العلم.
وسأقايس لك مقايسة تقنعك وتكفيك إ-ن شاء الله تعالى- وتعينك على فهم المقصود، ورد طريقة من اعتبر النص مستقلا عن الفقه، ختما على السمع وغشاوة على البصر.
فهذه نصوص القرآن الكريم كلها "قطعية الثبوت" ولا أحد يماري في ثبوت النص القرآني، ثبوتا يورث العلم اليقيني، ومع ذلك فلا أحد يقول أن إعمال النص القرآني، يتم دون العودة إلى قواعد الاستنباط، من نظر الأصولي وفقه الفقيه. حيث يتم تمييز الناسخ من المنسوخ، ومعرفة الخاص من العام، والمفصل من المجمل، ودلالة الظاهر ودلالة النص ودلالة مفهوم المخالفة، ودلالة الشرط ...
نعيد التركيز : ثبوت الحديث هو نصف الطريق إلى العلم. وكما نحتاج في فقه آيات القرآن إلى الفقيه، نحتاج إلى مثل ذلك في فقه الحديث الشريف. مع العلم أن ثبوت القرآن القطعي، يختلف عن ثبوت الحديث- غير المتواتر-
ثبوت النص مرحلة على طريق العلم، وإعمال النص والاستنباط منه، مرحلة أخرى. والمرحلة الأولى يرودها المحدث، والثانية يرودها الفقيه. والمرحلتان يرودهما المجتهد المتمكن...
هذا مدخل ثالث لهذه الحقيقة التي أشكلت على بعض الناس ومال تزال ..
وحين سندخل في التفصيل سنجد أن ثمة أحاديث رواها الأئمة المجتهدون وأحاطوا بها، وليس لم تبلغهم كما يزعم بعض الزاعمين. ولكنهم مع روايتهم لها، توقفوا عن العمل بها وكان لهم في ذلك فقه رواية وفقه دراية، وما يعقلها إلا العالِمون..
وسيكون لنا عود في الموضوع بعدُ لأهميته...
لندن: غرة / رمضان/ 1443
2/ 4/ 2022
____________
*مدير مركز الشرق العربي