الرئيسة \  مشاركات  \  ثائر …بلا عنوان

ثائر …بلا عنوان

27.07.2015
زهرة محمد


المركز الصحفي السوري
(الجزء الأول)
عندما أدخلوه إلى زنزانته، لم يبصر يزن ما حوله من شدة ألم عينيه المغمضتين لفترة طويلة،كان اللون الأسود يرافق نظره لفترة طويلة قبل أن يرى زنزانة صغيرة ومساحتها أقرب إلى قبر، أغلق الباب
والكلام النابي والضرب ما زالا يدويان في رأسه وعلى بدنه، جلس بجسد ينتفض وعينين تتلفتا حوله ليرى النعيم الذي أغدق عليه “المجاهدين”.
عليه، كان ما يزال يتمتم أغنية لعبد الحليم (قارئة الفنجان) بين شفتين تشققتا وبدأ الدم يتجمد فيهما، كان يتناسى آلام ظهره الذي بالكاد يحمله أو يستطيع أن يستند به على الحائط الرطب، اقترب من صحن يملأه العفن وبدأ يتناول ما تبقى منه بنهم.
لم يأبه لطعم أشبه بطعام كلاب في الطريق أو رائحة أقرب لجيفة ميتة، كل ما همه سد حاجته من جوع في زنزانة سابقة أنهك جسده أكثر من الضرب المبرح والتعذيب الكريم من مضيفيه.
بدأ يعيد أغنيته وهو يرتجف ويأكل ويستعيد، شريط سنمائي طويل أوصله إلى هذا القصر المنيف، بدأ يتذكر مرحلة غيرت مجرى حياته وحولته من يتيم للأب إلى يتيم لكل أهله وحياته.
لم يكن يدرك أن ذهابه قبل أربع سنوات للتجنيد الإجباري سوف تغير كل تفاصيل مستقبله، كان فرزه في حمص في بدايات الثورة وتحديدا بابا عمرو، كانت هذه الضربة كافية لقلب حياته وحياة أمه وجدته التي ربته بدمع العين إلى جحيم.
كان يسمع من ثكنته العسكرية أصوات الانفجارات ويصورها إن رأى دخانها، مرت مدة قبل أن يأخذ أجازته المدفوعة بالآلاف لقائد الثكنة، كان يدفع ثمن كل يوم للذهاب مبلغا طائلا، والذي كان يقطع من فم أمه وجدته، ازداد خوفه من أن يجبره النظام على قتل الأبرياء في بداية الثورة حتى أتى قراره بالانشقاق عن هذا النظام المجرم، عزم على الهروب حين تحين لحظته.
طلب إجازة جديدة لمدة عشرة أيام، قضاها في بيته وفي آخر يوم قطع تذكرة الذهاب من دمشق إلى حمص كي يثبت أنه توجه فعلا إلى هناك، ولكنه غير خطة سفره وتوجه إلى بيت خالته التي ربته والذي قضى معظم أيام طفولته وشبابه عندها،كان يعلم أنها وزوجها لم تخف ولم تغلق بابها في وجهه إن طلب مساعدتها، طرق الباب وقال لخالته (إجيت اتخبا عندك بتستقليني)، وبالطبع كانت هذه البداية للمرحلة المقبلة التي لم يتوقع أحد ما سيحدث فيها…
الجزء الأول ـ يتبع….