الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تمايز التجربة السورية عن العراق ولبنان

تمايز التجربة السورية عن العراق ولبنان

15.10.2018
حسام ميرو


سوريا تي في
الاحد 14/10/2018
في السنوات السابقة، ومع تحولات المشهد السوري، برزت مقارنات عديدة، في ثنايا التحليل السياسي، لكتّاب سوريين وعرب، طرحوا فيها مقاربات للوضع السوري، على ضوء التجربتين، اللبنانية، والعراقية، كما أن انتماء هذه الدول الثلاث إلى المشرق العربي، يفتح إمكانية المقاربة، على ضوء السياق التاريخي لتشكّل الدولة الوطنية في المشرق العربي، وتشابه الكثير من التشكيلات الاجتماعية، وبالطبع، فإن دراسة أوجه الشبه أمر مهم للغاية، من حيث انتماء هذه البلدان إلى فضاء جغرافي، تحكمت فيه عوامل استعمارية قديمة، رسمت له حدوده السياسية.
الدول الثلاث، تعاني راهناً من تحوّلها إلى دول فاشلة، وهنا، لا بد من التأكيد على الاستخدام المعياري الذي تصنف وفقه الدول كدولٍ فاشلة، وهو المعيار الذي أطلقته في عام 2005، فورين بوليسي، مع صندوق السلام، حيث أن الحكومات في الدول المشرقية الثلاث لا تحتكر العنف (كمؤشر سيادي)، كما أنها تعاني من وجود فصائل محلية، تمتلك السلاح، خارج سيطرة الدولة، بالإضافة طبعاً إلى الفشل في تطبيق البرامج التنموية، ونسبة الفقر قياساً لإجمالي عدد السكان، وغيرها من مؤشرات الدول الفاشلة، التي تجمع بين سوريا والعراق ولبنان.
إن هذا التصنيف المعياري للدول له وظائف عدة، من أهمها توصيف الحالة، ووضع برامج لمساعدة الدول الفاشلة، للخروج من أزماتها، وهذه الوظيفية النظرية، والتي غالباً ما تتم برمجتها عبر برامج إقليمية أو أممية، أو بالتعاون بين المؤسسات الإقليمية والدولية، بقي نجاحها محدوداً في مختلف الدول الفاشلة، خصوصاً مع استمرار الأزمات المحلية، ونمو قوى محلية، ليس لديها برامج وطنية، وترغب بمزيد من الاستثمار في الأوضاع الهشّة، وجني مكاسب مالية، ونفوذ، لضمان الاستمرار.
لكننا، إذا ما ذهبنا في حقل التمايزات، بين تجارب سوريا والعراق ولبنان، في الاقتتال الداخلي، فإننا سنجد أن للأمر فوائد عديدة، نظرياً وعملياً، أهمها البحث في المعالجات المستقبلية لفشل الدولة في سوريا، والذي يعني، بالترجمة السياسية، الانتقال من حطام الجمهورية الثانية، إلى الجمهورية الثالثة، فما نعيشه منذ سنوات كسوريين يندرج ضمن حالة الهدم، متعدد المستويات، للجمهورية الثانية، من دون بروز عوامل يمكن التعويل عليها في رسم ملامح الانتقال إلى الجمهورية الثالثة، والتي، هي بالضرورة، نقيض للجمهورية الثانية، أو يفترض أن تكون كذلك.
في تجربة الحرب الأهلية اللبنانية، ثمة ملمح مهم، وهو أن القوى السياسية/ الطائفية أو ما يمكن تسميته ب"الطائفية السياسية" لم تنته مع توقف الحرب
في تجربة الحرب الأهلية اللبنانية، ثمة ملمح مهم، وهو أن القوى السياسية/ الطائفية، أو ما يمكن تسميته ب"الطائفية السياسية"، لم تنته مع توقف الحرب، بعد اتفاق الطائف، في عام 1989، بل استمر لبنان، وعبر الاتفاق آنف الذكر، في حالة محاصصة طائفية، وتغوّل كيانات الطائفية السياسية على الفضاء العام، وهو ما منع ولادة تيار سياسي قوي، عابر للطوائف، وما نريده هنا تثبيت هذا الملمح في التجربة اللبنانية، فقد خاض كثيرون في جذوره التاريخية والسياسية، وخصوصاً نشأة لبنان نفسه.
مع انهيار نظام الحكم في العراق، في عام 2003، وانهيار مؤسسات الدولة العراقية، لم يتمكّن العراقيون من الانتقال من نظام الاستبداد إلى نظام ديمقراطي، بل نشأت حالة من ديمقراطية المحاصصة الطائفية والعرقية، مع دخول الدول الإقليمية على خط استقطاب القوى العراقية، بدلالات طائفية، وقد أدت معظم العوامل الداخلية والخارجية دوراً كارثياً، في وأد تجربة الديمقراطية، وتهميش التيارات المدينية، لمصلحة التيارات الدينية والمذهبية، وبروز الاقتتال الشيعي السني، كظاهرة من ظواهر غياب الوطنية العراقية، كما لعبت العشائرية في العراق، دوراً مسانداً في عملية تفتيت المشتركات بين العراقيين، وبتضافر العاملين الطائفي والعشائري، كان من الصعب، ولادة تيار وطني مدني، قادر على إعادة الاعتبار للمشتركات الوطنية، وتقليل شأن عوامل التكسير المجتمعي، التي تنتمي إلى ما قبل الدولة الوطنية الحديثة.
في سوريا وعلى الرغم من ارتفاع منسوب الخطاب الطائفي في لحظات عديدة من لحظات الصراع في السنوات السابقة إلا أنه كان لافتاً عدم نمو وعدم تبلور مرجعيات سياسية بدلالة طائفية
في سوريا، وعلى الرغم من ارتفاع منسوب الخطاب الطائفي، في لحظات عديدة من لحظات الصراع، في السنوات السابقة، إلا أنه كان لافتاً عدم نمو، وعدم تبلور، مرجعيات سياسية، بدلالة طائفية، على غرار التجربتين العراقية واللبنانية، كما أنّ الفصائل الإسلامية، وعلى الرغم من امتلاكها السلاح، ومساحات واسعة من الأرض (في أعوام 2014، و2015، و2016)، لم تظهر مشروعاً سياسياً وطنياً، تتخفى خلفه، ولم تظهر قيادات سياسية، تضعها في الواجهة، وتقوم بتسويقها، كممثل للطائفة السنية، كما أن عوامل عديدة، داخلية، وخارجية، أعاقت جماعة الإخوان المسلمين من تكريس أنفسهم، كممثل للسنة، في سوريا.
ما يتعلق بعدم ظهور ممثل سياسي/ طائفي للطائفة السنية، ينطبق أيضاً على حال الطوائف الأخرى، ولسنا هنا بصدد تشريح عوامل الإعاقة، وإنما الإشارة إلى الظاهرة، كما أنه لا بد من الإشارة إلى عدم ظهور قيادات عشائرية وازنة على المستوى العام، وحتى تلك التي حاولت أن تلعب دوراً، فإن تأثيرها بقي محدوداً على المستويين الجغرافي والسياسي، وهو ما يشكل نقطة افتراق أساسية عن الحالة العراقية، حيث أسهم العامل العشائري، ولا يزال، في تغذية الصراعات الداخلية، وتماهيه، في لحظات كثيرة، مع العامل الطائفي.
إن التمايزات الموجودة في سياق التشكّل التاريخي، وصيرورتها، والتي تكشف عن نفسها، بهذا القدر أو ذاك، في ثنايا الوضع السوري الراهن، يمكن التعويل عليها، في بناء قوى سياسية ومدنية، أكثر فاعلية من القوى ذاتها في العراق ولبنان، والتي يمكن أن تعمل على صياغة بدايات جديدة، لبناء الجمهورية الثالثة، نقيضة للاستبداد من جهة، وأقرب إلى الحداثة من جهة أخرى.