اخر تحديث
الأربعاء-24/04/2024
موقف
زهيرفيسبوك
رؤية
دراسات
مشاركات
صحافةعالمية
قطوف
جديد
مصطلحات
رسائل طائرة
الثورة السورية
حراك الثورة السورية
حدث في سورية
نساء الثورة السورية
اطفال الثورة السورية
المجتمع السوري المدمر
شعارات الثورة السورية
ثلاث سنوات على الثورة
أيام الثورة السورية
المواقف من الثورة السورية
وثائقيات الثورة السورية
أخبار سورية
ملفات المركز
مستضعفين
تقارير
كتب
واحة اللقاء
برق الشرق
وداع الراحلين
الرئيسة
\
مشاركات
\ تعدّدُ المكاييل : أصلٌ في الحياة ، ولا يمكن توحيدُها!
تعدّدُ المكاييل : أصلٌ في الحياة ، ولا يمكن توحيدُها!
09.08.2018
عبدالله عيسى السلامة
(العدالة : إعطاءُ كلّ ذي حقّ حقه .. والمساواة ، بينَ غير المتساوين ، ظلم) !
تعدّد المكاييل ، في التعامل البشري ، سنّة ثابتة ، تمارسها المجتمعات الإنسانية ، كلّها : أفراداً وجماعات ، حكوماتٍ وشعوباً ! ولابدّ منها ، في أيّ تعامل إنساني ، في سائر المجالات ، وعلى مستوى الشرائع والقوانين !
الله جل جلاله ، لم يسوّ، بين عباده ، لا في الحقوق ، ولا في الواجبات : فلم يسوّ بين الأعمى والبصير، ولا بين المؤمن والكافر.. ولا سوّى ، بين مَن آمَن قبل الفتح وقاتل ، وبين مَن آمَن بعد الفتح وقاتل.. ولم يسوّ بين المؤمنين ، أنفسهم : فهناك السابقون ، وأصحاب اليمين.. وغيرهم! بل ، لم يسوّ، بين رسله (وتلك الرسلُ فضّلنا بعضَهم على بعض ..) ! وقد رفعَ الناسَ ، بعضَهم فوق بعض درجات ، ليتخذ بعضُهم بعضاً سخريّا !
(أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ
ۚ
نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا
ۚ
وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا
ۗ
وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ) .
ورسول الله : لم يسوّ ، بين صحابته ؛ فهم مختلفون ، في الدرجات ، بحسب أعمالهم ، وفضائلهم، والتضحيات التي قدّموها ، لدعوة الإسلام !
والخلفاء الراشدون : لم يسوّوا ، بين المؤمنين ؛ فقد أعطى عمر، السابقين ، الذين قاتلوا مع رسول الله ، سهماً إضافياً ، من غنائم الحرب ، وقال : والله ، لاأسوّي ، بين من قاتل مع رسول الله ، ومن قاتل ضدّه !
وفي معاملة الأبناء : لايشتري الأب ، لباساً بحجم واحد ، للصغير والكبير، من أبنائه وبناته ، ولا يسوّي بين بارّ به ، وعاقّ له !
وحتّى في مجال العاطفة الإنسانية ، وأعلاها عاطفُة الأمومة ، سئلت امرأة : أيّ أبنائك أحبّ إليك ؟ فقالت : الصغيرُ، حتّى يكبر.. والمريضُ ، حتّى يشفى .. والغائبُ ، حتّى يعود !
وفي التعامل التجاري : لايعامِل التاجرُ، شخصاً غريباً ، كما يعامل أباه وأخاه ، وصديقه ؛ بل يخفض للمقرّبين ، سعرَ البضاعة ، ويأخذ منهم ربحاً، أقلّ ممّا يأخذه ، من غيرهم!
وفي التعامل الدولي : ثمّة مبدأ ، اسمه : (الدولة الأَوْلى بالرعاية) ! فلاتعامِل أمريكا ، دولة مقرّبة منها ، كبريطانيا ، كما تعامل السنغال ونيجيريا !
القضاء : هو الجهة الوحيدة ، التي يُطلب العدل ، فيها ، بين الناس : داخلَ الدولة الواحدة ، بين أفرادها .. وعلى المستوى الدولي ، بين الدول ، في المحاكم الدولية ! وحتّى هنا ، في القضاء داخل الدولة ، تتفاوت أحكام القضاء ، بين الناس ، وتتفاوت ، بالتالي ، العقوبات ؛ فاشتراكُ شخصين ، في ارتكاب جريمة ، لايعني أنهما متساويان ، في الإجرام ؛ فثمّة فرق ، بين مجرم بسيط ساذج ، استُدرج ، إلى المشاركة ، في الجريمة .. ومحترف خطير، صاحب سوابق ! ولا بدّ ، من اختلاف العقوبة ، باختلاف الشخصيتين ، وأخلاقِ كلّ منهما ، وسيرتِه !
يمكن مطالبة ، مؤسّسة دولية عامّة ، مثل : منظمة الأمم المتّحدة ، والهيئات المنبثة عنها ، بالعدل ، بين الدول المنضمّة إليها ؛ فهي منظمة ، أُسّست ، نظرياً ، لرعاية حقوق سائر الدول ، بلا تمييز، أوتحيّز ! ولكنّ أهمّ مجلس فيها ، وهو مجلس الأمن ، قائم – أساساً- على التمييز، بين الدول ؛ فخَمسُ دول ، فيه ، لها حقّ الفيتو ، ويَحقّ ، لكلّ منها ، إبطالُ كلّ قرار، لاتراه مناسباً لمصالحها !
أمّا الدول ، العظمى وغيرّها ، فتُعدّ مطالبتُها ، بتوحيد مكاييلها ، للعدل بين الناس ، ضرباً من العبث ، بعقول الناس ! فكيف يُطلب ، من أمريكا ، أن تعامل الصومالَ والهندَ ومصرَ، كما تُعامِل كندا وإسرائيل !؟ وكيف يُطلب ، منها ، معاملة باكستان ، في بيع السلاح الاستراتيجي، كمعاملة دول حلف الناتو !؟ بل ، التفاوتُ ، بين الدول ، قائم ، حتى داخل حلف الناتو ، في هذه المسألة ، وغيرها ! بل ، إنّ إسرائيل - وهي ليست من دول الناتو- تحظى بسلاح أمريكي متطوّر، لاتحظى ، به ، بعض دول الناتو! فالعلاقاتُ ، هنا ، والتعاملات ، تتفاوت ، بتفاوت المصالح؛ هذا إذا غابت (المبادئ والعقائد والإيديوجيات) !
أمّا على مستوى الشرائع ، فالأمور تختلف ، اختلافاً شديداً :
ففي كلّ شريعة ، نصوص متنوّعة - ولاسيّما الإسلام والنصرانية واليهودية - ، وحول كل نصّ، فُهوم متنوّعة ، لدى أتباع الشريعة ، والفهومُ المتنوّعة ، تبنى عليها ، مواقف متنوّعة ، متباينة ، في كثير من الأحيان ، بعضُها سلميّ ، وبعضها عنيف !
ويتمحور الناس ، حول الفهوم : فمن كان في محور ما ، فهو مُخلص ، وذو صفات كريمة ، في نظر أتباعه ، ويكال له بمكيال خاصّ ! ومن التزمَ محوراً فكرياً آخر، فهو عدوّ، تجب محاربته، من قبل أتباع المحاور الأخرى !
اختلف اليهود ، وانقسموا ، حول الفهوم ! واختلف النصارى ، وانقسموا ، واقتتلوا ، حول الفهوم، عبر القرون ! وليس ثمّة مقاييس موحّدة ، متّفق عليها ، بين مختلفي الفهوم ، أتباع الدين الواحد ؛ بَلهَ ؛ أتباع الديانات المختلفة ! فالناس – غالباً – ( هذا من شيعته ، وهذا من عدوّه !) ، فمن كان من شيعته ، فهو مغفور الذنب ، مرضيّ عنه، وله مكيال الرضى ، ومن كان من عدوّه ، فهو مُذنب - حكماً- لمجرّد كونه مخالفاً ، وله مكيال السخط ! ولله درّ القائل :
وعينُ الرضى ، عن كلّ عيب ، كليلةٌ ولكنّ عينَ السُخط ، تبدي المَعايبا !
أما الإجرام الواضح ، المتفق عليه ، لدى عامّة البشر، فيظلّ إجراماً ، لدى عامّة البشر! وأمّا ماكان ملبّساً لبوساً دينياً، فتختلف فيه، آراءُ الناس ، من أتباع الدين الواحد، حسب اجتهاداتهم، التي جعلوا منها محاور! وبالتالي ؛ لابدّ من أن يَنظرإليه ، اتباعُ الديانات الأخرى ، نظرة اتّهام، ثم تجريم : فالنصارى يُجرّمون ، لدينا - نحن المسلمين – أموراً ، نراها من صلب ديننا ، كما يجرّمون ، لدينا، أموراً، نجرّمها ، نحن ، عامّة المسلمين ، سوى أصحاب الاجتهادات/ المحاور، الذين صنعوها ! ونحن- المسلمين - نجرّم ، لدى النصارى ، أموراً يُجرمونها ، هم .. كما نجرّم ، لديهم ، أموراً ، يرونها من صُلب دينهم !
ويكفي ، أن يُحسب الخوارج - القدماء والمحدَثون- على أمّة الإسلام ؛ ليقيم الآخرون ، حجّة، علينا ، بهم ، وبأفعالهم ، التي ننكرها ، نحن ، قبل أن ينكرها الآخرون ! فالخوارجُ ، الذين كفّروا عليّاً، وخرجوا عليه ، واستباحوا دماء المسلمين ، ثمّ قتلوه ، وهو الخليفة الراشد، أمير المؤمنين.. لا يستطيع مسلم ، الدفاع عنهم ، بأيّ مكيال ، أو مقياس ، أو شرع ، أو عرف .. وإن كانوا ، هم، يحسبون أنّهم يحسنون صنعاً .. ولله في خلقه شؤون !
وبناء على هذا ، كلّه ، يبدو توحيد المكاييل ، لدى أصحاب العقائد المختلفة ، عسيراً ! بل ، هوعسير، لدى أصحاب الفهوم المختلفة ، داخل العقيدة الواحدة ! فتوحيد المكاييل ، بين متشدّدي بعض المدارس الصوفية ، وبعض المدارس السلفية ، في بعض مسائل الاعتقاد والسلوك، قد يكون أصعب .. من توحيدها ، بين بعض المسلمين ، وبعض النصارى !
والذين سلخوا ، من أعمارهم ، سنين طويلة ، وهم يحاولون التقريب ، بين السنّة والشيعة .. لم يحصدوا ، من مساعيهم ،غير ضياع الجهود والأوقات ؛ لأن الشيعة ، يتقرّبون ، إلى الله ، بأن يكيلوا ( للنواصب !) بغير المكيال ، الذي يكيلون ، به ،لأنفسهم !
واليهود : الذي يستنكرون ، قتل يهودي واحد ، في العالم ، يَدرسون في تلمودهم – وصِلتهم به، أقوى من صلتهم بالتوراة - أقوال الربّيين ، عندهم : أنّ قتل النصراني ، هو من أهمّ القربات ، عند ربّهم ، وأنّ حرمة يوم السبت ، يجب ألاّ تمنع اليهودي ، من قتل النصراني ، إذا تأكّد ، من قدرته عليه ، ومن عدم رؤية أحد ، له ، وهويمارس قربته ، إلى ربّه !
وما زال الناس مختلفين ، من أقدم العصور ، وسيظلّون كذلك ، حتى يرث الله الأرض ، وما عليها ! ويوم القيامة ، يَحكم بينهم ، فيما كانوا مختلفين فيه ! أمّا في الحياة الدنيا ، فغالباً مايكون، للقوى المتنوّعة – العلمية والثقافية ، والحضارية والسياسية ، والاقتصادية .. - أثرُها ، في نشر عقيدة ما ، أو فهم ما ، في زمان معيّن ، ومكان معين ، وحسب الأجيال ، وأنشطتها المختلفة !
والله يقول الحقّ وهو يهدي السبيل !