الرئيسة \
تقارير \ ترمب... “تحولات جذرية” تجاه سوريا وقضايا الشرق الأوسط
ترمب... “تحولات جذرية” تجاه سوريا وقضايا الشرق الأوسط
15.06.2025
إيلي يوسف
ترمب... “تحولات جذرية” تجاه سوريا وقضايا الشرق الأوسط
واشنطن: إيلي يوسف
الشرق الاوسط
السبت 14/6/2025
يُجمع الكثير من المراقبين والمسؤولين السابقين والحاليين في الولايات المتحدة، على أن قرار إدارة الرئيس دونالد ترمب رفع العقوبات عن سوريا يُعدّ تغييراً جذرياً في السياسة الأميركية تجاه هذا البلد، الذي لطالما صنفته أميركا “دولة مُعادية”. ولكن، يذكر مسؤولون في إدارة ترمب أنهم انخرطوا في اتصالات هادئة منذ أشهر “لتمهيد طريق” تخفيف العقوبات لمساعدة سوريا على التعافي من سنوات الحرب المدمرة وإعادة الإعمار. بيد أن لقاء ترمب بالرئيس السوري أحمد الشرع خلال زيارته للسعودية، كان استثنائياً؛ نظراً لتصنيف الشرع إرهابياً سابقاً، وفق ماثيو ليفيت، كبير الباحثين في “معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى”، الذي أبلغ “الشرق الأوسط” أن تعامل المسؤولين الأميركيين مع مثل هذه الشخصيات “ليس بالأمر الجديد”، والمسألة الحقيقية ليست “من كان جهادياً مرة سيبقى جهادياً إلى الأبد”، بل ما إذا كان لدى واشنطن أي أسس للثقة بهذه الشخصية مستقبلاً.
خطوات واشنطن المفاجئة إزاء دمشق تجسّد أسلوب الرئيس الأميركي دونالد ترمب في إحداث تغيير لم يكن ليحصل مع إدارات أميركية سابقة، ما تجاوز ما كان يُرجح أن يكون عملية صنع سياسات طويلة ومملة.
من جهة ثانية، شهد الأسبوع الماضي تطورات، عدَّها البعض إشارات إلى أن العلاقات الأميركية - السورية تتجه لفتح صفحة جديدة. وهذا ما تطرق إليه وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، بعد قرار رفع العقوبات عن سوريا، بقوله: “تُمثّل إجراءات اليوم الخطوة الأولى في تحقيق رؤية الرئيس لعلاقة جديدة بين سوريا والولايات المتحدة”.
وفي ظل نظرة أميركية أكثر شمولاً تجاه المنطقة، عُدّ موقف توم برّاك، السفير الأميركي لدى تركيا - الذي عيّنه ترمب مبعوثاً خاصاً لسوريا - بعدما التقى الرئيس الشرع، وكذلك اللقاء “الأمني” الأول “المباشر” بين مسؤولين سوريين وإسرائيليين، تطوّرين مهمين يعكسان التزاماً بشروط الإدارة الأميركية في إنجاح مسار العلاقات الجديدة بين واشنطن ودمشق، وانعكاسه على التوازن الداخلي في سوريا.
واقعياً، منذ سقوط نظام الأسد، ساور القلق كثرة من السوريين ومتابعي الشأن السوري من أن واشنطن قد لا ترفع عقوباتها أبداً. إذ فرضت عقوبات على سوريا لأول مرة عام 1979، عندما صنّفت نظامها “دولة راعية للإرهاب”؛ ما أدى إلى حظر مبيعات الأسلحة وقيود أخرى على الصادرات إلى البلاد.
ومنذ بداية الألفية الثانية، فرض الكونغرس عقوبات إضافية، تصاعدت بعد اندلاع الحرب الأهلية عام 2011. كما صُنّفت جماعات مسلحة في سوريا، بعضها ممثل الآن في الحكومة الانتقالية الجديدة، على أنها “إرهابية”، ما يبقيها عملياً خاضعة للعقوبات. وأدت هذه الإجراءات مجتمعة إلى عزل سوريا إلى حد كبير عن التجارة والاستثمار الدوليين، وشكلت عائقاً رئيساً أمام تعافيها الاقتصادي.
خطأ “سايكس - بيكو”
من جهته، كتب السفير برّاك على منصة “إكس” قائلاً: “إنه قبل قرن من الزمان، فرض الغرب خرائط وانتدابات وحدوداً وحكماً أجنبياً”. وأردف إن “اتفاقية سايكس - بيكو قسّمت سوريا والمنطقة الأوسع، لتحقيق مصالح إمبريالية، لا من أجل السلام”. وتابع أن مأساة سوريا وُلدت من الانقسام، ويجب أن “تُبعث” مجدداً عبر الكرامة والوحدة والاستثمار في شعبها.
برّاك استطرد أنه “مع سقوط نظام الأسد، أصبح الباب مفتوحاً للسلام، ومن خلال رفع العقوبات، سُيمَكّن الشعب السوري من فتح ذلك الباب أخيراً، واكتشاف طريق نحو الازدهار والأمن من جديد”. وأكد أن “المستقبل ينتمي إلى الحلول الإقليمية، إلى الشراكات، وإلى دبلوماسية تقوم على الاحترام... ونحن نقف إلى جانب تركيا ودول الخليج وأوروبا، ليس هذه المرة عبر الجنود والمحاضرات أو الحدود الوهمية، بل جنباً إلى جنب مع الشعب السوري نفسه”.
في المقابل، رأى ديفيد شينكر، مساعد وزير الخارجية الأسبق لشؤون الشرق الأدنى في إدارة ترمب الأولى، تصريحات برّاك “غريبة بعض الشيء، فبينما وُجّه انتقادات كثيرة لاتفاقية سايكس - بيكو، فإن الاتفاقية، وإن شابها بعض العيوب، كانت تهدف إلى تنظيم الفوضى التي خلّفتها الإمبراطورية العثمانية التي حكمت جزءاً كبيراً من المنطقة لأكثر من نصف ألفية”.
وأضاف في حوار مع “الشرق الأوسط” أن “أي حلٍّ كان سيُفضي إلى فوضى عارمة، وفي غضون ذلك أسست تلك الاتفاقية الأردن ولبنان والعراق. وبالنسبة لدارس التاريخ، قد يُفهم تصريح برّاك خطأ على أنه دعوة إلى عودة (سوريا الكبرى)”. ومع ذلك، يقول شينكر، إن العنصر الآخر في تصريحه “أقل غرابة”؛ إذ يدعو إلى تقليص التدخل الغربي في المنطقة وتبني حلول محلية أكثر، وهذا موقفٌ يدعمه ترمب في ولايته الثانية.
وهنا لا بد من ذكر أنه عندما التقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ترمب في واشنطن في أبريل (نيسان)، طلب منه ألا يرفع العقوبات عن سوريا، قائلاً إنه يخشى أن يؤدي ذلك إلى تكرار أحداث 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. لكن ترمب أقرّ في ختام جولته في الشرق الأوسط، بأنه “لم يسأل” إسرائيل عن تخفيف العقوبات عن سوريا، وتابع: “اعتقدت أن هذا هو الشيء الصحيح الذي ينبغي فعله”.
هل تراجع الضغط على الشرع؟
شينكر يرى أنه بعد تعليق العقوبات، تناقص الضغط المباشر على الشرع لتلبية طلبات واشنطن، وعلى الرغم من الاتفاقية الموقعة مع “قوات سوريا الديمقراطية”، سيصعب على الشرع إقناع الأكراد السوريين بالاندماج ونزع السلاح إذا واصلت حكومته تعيين رجال الميليشيات السابقين، خاصة أن واشنطن تصنّف بعضهم إرهابيين ومتورّطين في حروب ضد الأكراد للسيطرة على مناطقهم.
وهكذا، بفضل الدور الذي لعبه هؤلاء في إزاحة الأسد، سيصعب على الشرع تهميشهم، وفي المقابل إذا ظل هؤلاء يحتلون مناصب رئيسة في الحكومة والجيش سيقوض ذلك ثقة السوريين والمجتمع الدولي.
وبالنسبة للعلاقة مع إسرائيل، لفت شينكر إلى أن الشرع “قال إن لا مشكلة لديه معها ولا يريد قتالها”. وأضاف: “أعتقد أن الاجتماعات بينهما مهمة لبدء بناء بعض الثقة، وتجنّب سوء الفهم في المستقبل، وهو يدرك أن وجود علاقات أكثر طبيعية مع إسرائيل وحدود هادئة سيساعد سوريا على تطوير اقتصادها، ويبدو أن هذه هي أولويته... لكن تكفير أبو محمد المقدسي للشرع لن يساعد على ذلك”.
الباحث ماثيو ليفيت، من جانبه، يرى أن بقاء المقاتلين الموضوعين أميركياً على قوائم الإرهاب، والذين يشكلون جزءاً من الجيش السوري الجديد، “مصدر قلق بالغ دفع إدارة ترمب إلى طلب إقالتهم من مناصبهم”. مع ذلك، يرى ليفيت أن حكومة الشرع “اتخذت خطواتٍ بناءة مفاجئة”، مثل وقف نقل الأسلحة إلى (حزب الله)، وطرد القوات الإيرانية، واتخاذ إجراءات ضد داعش بناءً على معلومات استخباراتية أميركية.
وتابع ليفيت، أنه “مع رفع العقوبات سيُمكّن هذا من استئناف النشاط الاقتصادي الكامل في سوريا مع الحفاظ على النفوذ الأميركي على الشرع لضمان وفائه بالتزاماته”. و”للحفاظ على نفوذها على دمشق، تمتلك واشنطن أداتين رئيستين: إعادة تفعيل العقوبات الاقتصادية، والحفاظ على وجود عسكري أميركي محدود على الأرض”. ويختم: “باختصار، يبدو أن واشنطن اختارت نهج التحقق بدلاً من الثقة مع التحقق”.
خطوات بناءة للرئيس السوري
على صعيد آخر، قال بسام بربندي، الدبلوماسي السوري السابق في واشنطن، لـ”الشرق الأوسط” إن تعيين السفير توم برّاك “يدل من ناحية على أهمية تركيا، وأيضاً على أهمية الشراكات مع دول الخليج لإيجاد الاستقرار في سوريا”. وأضاف: “برّاك لا ينتمي إلى المنظومة السياسية الأميركية التقليدية، وتعكس آراؤه ابتعاداً عن طريقة تفكيرها. وبالتالي، فإن قربه من ترمب سيساعد على حل المشاكل بشكل مباشر”.
عندما التقى بنيامين نتنياهو ترمب بواشنطن في أبريل الماضي طلب منه ألا يرفع العقوبات عن سوريا
مؤشرات على “لا مركزية” إدارية
وحول علاقة الحكومة الجديدة مع الأكراد والموحّدين الدروز والعلويين وباقي المكوّنات السورية، يرى بربندي أنها “ستُحل ضمن الإطار السوري، وثمة مؤشرات على نيل كلٍّ من هذه المكوّنات (حكماً إدارياً لا مركزياً)، وهو ما قد يحصل في كل سوريا. ولكن لن يكون هناك انفصال ولا فصائل خارج سيطرة دمشق ولا إدارة سياسية تخالف أو تناوئ الحكومة”.
ثم يوضح: “مناورة الأكراد محدودة بسبب قرب الانسحاب الأميركي، الذي يترافق مع ضغوط مستمرة لإيجاد معادلة جديدة تعكس الاستقرار والتنوع السوري في الحكم، وضمان عدم اندلاع اقتتال داخلي”. أما عن الاجتماعات السورية - الإسرائيلية، فيقول بربندي إنها ليست جديدة؛ إذ عقدت اجتماعات سابقة في دبي وفي أذربيجان، منها كان بحضور تركي ومنها كان مباشراً. وبالتالي، ومع أن الاجتماع الأخير كان طابعه “أمنياً”، فهو يمهد لشيء أكبر لتوقيع اتفاقية سلام كما يريد الرئيس ترمب.
دور كبير للسعودية
وفي سياق موازٍ، أبلغ الدكتور مرهف إبراهيم، رئيس رابطة العلويين في الولايات المتحدة، “الشرق الأوسط” بأنه على الرغم من أهمية الاختيار الموفق للسفير برّاك مبعوثاً خاصاً لسوريا، وفهمه المنطقة وطبيعتها بشكل جيد، “لا بد من الإشارة إلى الدور الكبير الذي لعبته المملكة العربية السعودية، خاصة في مسألة رفع العقوبات عن سوريا”. وأردف إبراهيم أنه “في ظل علاقة برّاك الخاصة بالرئيس ترمب نأمل أن يستمر ويتعمق هذا الدور بحيث تكون كما كانت دائماً إلى جانب السوريين بجميع أطيافهم لتجاوز هذه المرحلة الانتقالية الصعبة نحو صيغة حكم رشيد توافقية مع جميع المكوّنات في سوريا”.
وعن تصريحات بّراك بشأن رؤيته لخريطة المشرق العربي، اعتبرها إبراهيم أنها “تشجّع على توقّع دفع واشنطن باتجاه بناء نظام سياسي تعدّدي ديمقراطي لا مركزي يحترم حقوق السوريين، والتعلم من تجارب الماضي أن بناء أنظمة سلطوية مركزية قمعية سيؤدي إلى انفجار وحروب أهلية، كما حصل مع النظام البائد”. وأضاف: “نتفق بشكل كامل مع رؤية السفير برّاك، بأن التكاتف والشراكة القائمة على الاحترام يجب أن تكون حجر أساس، ليس فقط بين دول المنطقة وسوريا، بل وبين المكونات السورية أيضاً، وأنه لا مكان للتطرف وعمليات التهجير والتطهير العرقي، ولا يمكن أن يفلت مرتكبو هذه الجرائم من العقاب أو أن يكون لهم أي دور في سوريا الجديدة”.
هذا، ورأى إبراهيم أن لدى واشنطن والرياض “القدرة على التأثير بشكل إيجابي وكبير في المرحلة الانتقالية، لصياغة نظام سياسي يحترم جميع المكوّنات، ويبتعد عن فكرة القمع والإخضاع بالقوة العسكرية لأي فئة أو مكوّن، والتأكيد على أن رفع العقوبات والعمل مع الحكومة الحالية ليس ضوءاً أخضر، بل فرصة نادرة للعمل مع الولايات المتحدة والشركاء الإقليميين لبناء نظام مستقر يحترم حقوق الجميع ويراعي مخاوفهم المشروعة”.
رفع العقوبات ليس كافياً لإنقاذ سوريا من “حافة الهاوية”
أعلنت فرنسا، الأربعاء، أن الاتحاد الأوروبي سيرفع المزيد من العقوبات عن سوريا لإعادة إطلاق اقتصادها، بعدما شاهد بالفعل التقدم على صعيد الانتقال الديمقراطي. لكن تقريراً في مجلة “فورين أفيرز” يقول إن حاجات سوريا ملحة، وقد لا يكون رفع العقوبات الأميركية والأوروبية كافياً لبدء رحلة التعافي وإنقاذها من “حافة الهاوية”. إذ يعيش أكثر من 90 في المائة من السوريين تحت خط الفقر، ويحتاج 70 في المائة منهم إلى مساعدات إنسانية لتلبية احتياجاتهم الأساسية. وفي ظل المعدل الحالي للنمو، سيستغرق الاقتصاد السوري حتى عام 2080 على الأقل، للوصول إلى الناتج المحلي الإجمالي الذي كان عليه قبل بدء الحرب الأهلية في عام 2011. ومع أن الرئيس الانتقالي أحمد الشرع وعد بحماية الأقليات في سوريا، فإن تفاقم الظروف الاقتصادية المزرية بسبب العنف والتوترات الطائفية التي اندلعت، لم يقنع تلك الأقليات. وأدى التدخل الخارجي، بضمنه إسرائيل، التي شنت أكثر من 700 غارة على سوريا واستولت على أراضٍ سورية، إلى تعميق اللااستقرار. من جهة ثانية، يرى التقرير أن قرار ترمب المفاجئ بشأن العقوبات هو القرار الصائب، وقد يساعد سوريا على مواجهة تحدياتها الحالية بعدما فتح سقوط نظام الأسد الباب أمام مستقبل أفضل للسوريين وللمنطقة. مع ذلك، يرى التقرير أن رفع العقوبات ليس كافياً لإبعاد سوريا عن حافة الهاوية، وستحتاج الولايات المتحدة وباقي شركاء سوريا الآن إلى إزالة العقبات المتبقية أمام الاستقرار والتعافي الاقتصادي، عبر رفع نهائي للعقوبات وبسرعة، بدلاً من ترك الضغوط الداخلية والتنافسات الإقليمية تتسبب في انهيار البلاد. كذلك، يرى أن العقوبات ليست العقبة الوحيدة التي تُهدد بزعزعة استقرار سوريا؛ إذ برزت منافسةٌ لتحقيق مكاسب اقتصادية وسياسية في هذا البلد المُنهك، وإسرائيل من أبرز اللاعبين السلبيين. ومع تصاعد دور تركيا في سوريا، يُعدّ الصدام الإسرائيلي التركي فيها احتمالاً مُقلقاً، لكن من المُرجّح أن واشنطن دفعت إسرائيل بالفعل إلى التراجع عبر التواصل مع السلطات السورية المؤقتة ودول الخليج وتركيا نفسها. وأيضاً يمكن لاستمرار الدبلوماسية الأميركية المساعدة في منع تحوّل سوريا مرة أخرى ساحة للتنافسات الإقليمية. وختاماً، يؤكد التقرير على ضرورة الحكم الرشيد؛ لأن سوريا محاطة بنماذج تحذيرية عن سوء الإدارة بعد الصراع، إذ ترسخ الفساد في العراق إبان عملية إعادة الإعمار التي أعقبت الغزو الأميركي عام 2003، وفي لبنان بعد نهاية الحرب الأهلية (1975 - 1990). وتراكمت ثروات حفنة من السياسيين ورجال الأعمال على حساب الخدمات الأساسية والتنمية الاقتصادية لشرائح أوسع من السكان. وأدى فشل الحكومات الانتقالية في تطوير اقتصادات متكاملة إلى تنامي الصراع الطائفي، وترك فراغات تملأها جهات فاعلة غير حكومية.