الرئيسة \  واحة اللقاء  \  تركيا والأكراد ومعركة الطبقة

تركيا والأكراد ومعركة الطبقة

20.05.2017
علي بدوان


الحياة
الخميس 18/5/2017
الصراع التركي - الكردي على المشاركة في العملية العسكرية في مدينة الطبقة التابعة لمحافظة الرقة السورية، يؤجج الحالة المُشتعلة في تلك المنطقة، حيث تستعدُ تركيا على الأرجح للقيام بعملية "درع فرات" جديدة، تستهدف فيها محافظة الرقة، إضافة إلى "قوات سورية الديموقراطية" (قسد) التي تعتبرها تركيا الجناح السوري لحزب "العمال الكردستاني" الانفصالي في جنوب تركيا، كما تعتبرها منظمة إرهابية، في الوقت الذي يَطلُبُ التحالف الدولي من جميع المقاتلين والعناصر الأجانب الذين يقاتلون في صفوف ميليشيات الوحدات الكردية الانسحاب من الوحدات الكردية في سورية، وقد أعلن عن دعم قوات "قسد".
لقد استتبعت القوات الأميركية دعمها قوات "قسد" بالدخول المباشر إلى بلدات سورية عدة كبيرة، كبلدة الدرباسية وبلدة المالكية في أقصى الحدود السورية الشمالية الشرقية مع تركيا. كما انتشرت مدرعات عسكرية أميركية مع عدد من مقاتلي وحدات "حماية الشعب" الكردية على طول الحدود بين شمال سورية وتركيا، إثر القصف التركي الأخير مواقعَ "وحدات الحماية". ويبدو في هذا المجال أن زيارة وزير الدفاع التركي الأخيرة واشنطن لم تأتِ بنتيجة مباشرة، حيث وصلت قوات "قسد" إلى ضواحي مدينة الطبقة في محافظة الرقة السورية الواقعة تحت سيطرة "داعش".
الحملة التي أطلقتها قوات "قسد" شمال محافظة الرقة انطلاقاً من بلدة عين عيسى لم تتمكن إلى الآن من تحقيق أي تقدم ملحوظ وعملي على حساب تنظيم "داعش" كما تشير المصادر المختلفة الموثوقة، حيث تشهد المنطقة معارك كر وفر بين الطرفين، إذ يعتمد "داعش" في شكل خاص على المفخخات، بينما تعتمد قوات "قسد" على طيران التحالف الدولي، بخاصة الطيران الأميركي.
من هنا، إن التحرك الأميركي في مسار التداخل التركي - الكردي في تلك المنطقة، يأتي كأنه محاولة لمنع قيام الأتراك بأعمال عسكرية ضد قوات "قسد" الكردية، حيث التصعيد التركي الأخير ضد هذه القوات، تحديداً في المناطق الملاصقة لحدود محافظتي الرقة والحسكة قرب الحدود التركية.
وفي جوهر الأمر، لا تريد واشنطن أن تعتمد على تركيا في العمل المباشر في شأن محافظة الرقة وإخراج "داعش" منها، فتركيا لها حساباتها الخاصة من وجهة نظر واشنطن، لذلك ترى من الأفضل لها الاعتماد على ميليشيات يُمكن التحكّم بها أو توجيهها أو توسيع دائرة الاستفادة منها، بالتالي لا تريد أن يكون لها نفوذ بالواسطة عبر الدول الإقليمية، وإنما تريده مباشراً، وذلك لا يكون إلا من خلال الاستثمار في هذه الميليشيات، بالتالي في توجيه الاعتماد على قوات "قسد" مع توفير الدعم اللوجيستي الأرضي لها بالعتاد، وتوفير الدعم الناري لها بالقصف الجوي.
إن الحوادث الأخيرة على الجبهات المُشتعلة في الأرياف الشمالية لمحافظات حلب والرقة والحسكة، والملاصقة للحدود التركية - السورية، فاقمت الخلافات والتباينات الموجودة أصلاً بين تركيا والمجموعات الكردية السورية، بخاصة منها مجموعة "قسد"، إن لم تكن قد أحدثت صدعاً كبيراً بات من الصعب جسره حتى بوساطة أميركية.
لقد تعمقت الهوة التركية مع الأحزاب الكردية - السورية، عندما تفاهمت هذه الأحزاب، أو غالبيتها، على تشكيل مجلس وطني كردي في سورية، بعد أقل من 15 يوماً من الإعلان عن تشكيل المجلس الوطني السوري في 2 تشرين الأول (أكتوبر) 2011، وكان الهدف من ذلك تمييز القضية الكردية القومية عن مسارات الأزمة السورية، وهو ما يعاكس الرؤية والرغبة التركية التي ترى الأمور في الأزمة السورية في شكل مغاير، كما تخشى وضع الحالة الكردية في سورية على طاولة المفاوضات بما يفضي إلى الاعتراف بحق الأكراد السوريين في إقامة حكم ذاتي يتحوّل في ما بعد إلى إقليم مُستقل أو شبه مستقل، كما حصل في كردستان العراق.
بالنتيجة، تسعى أنقرة في المقام الأول من مشاركتها في معركة الرقة وعموم معارك خطوط الحدود شمال محافظات الرقة وحلب والحسكة، إلى تقويض أهداف الأكراد في توسيع فيديراليتهم التي يسعون إليها من جهة، وقطع الطريق عليهم في وصل الكانتون من خلال السيطرة على تل أبيض، وعدم تمكينهم من إحداث أي تغيير في المنطقة قد يغير من ملامحها لمصلحة كيان كردي.